د. مصطفى ثابت يكتب: المكاتب الثقافية في إفريقيا الكنز المصري الضائع
كل بلد قدّر الله لها نصيبها من الكنوز، إما المعادن النفيسة، وإما ما امتلأت به بطون أراضيها من نفط وغاز، أما مصر فقد قدّر الله أن يكون نصيبها من الكنوز هو شعبها وحضارتها وتاريخها، وثقافتها، وفي هذا المقال سنتحدث عن أحد الكنوز الضائعة وهو المكاتب الثقافية في إفريقيا التي لها تاريخ كبير وطويل في نشر الثقافة المصرية، وتكوين قوى ناعمة في الخارج، إلا أنها أُهملت في الفترة الأخيرة.
إنّ هذه المكاتب لها تاريخ كبير، منذ أيام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ويعتبر أقدمها هو المكتب المصري بالمغرب، يليه مكتبنا في نيجيريا ثم مكتبنا موريتانيا الذي افتتح عام 1964، وتعد هذه الدول لها أهمية اقتصادية كبيرة جدًا، إذ أن دولة مثل نيجيريا من أغنى الدول في إفريقيا وبها 180 مليون نسمة، أما وموريتانيا بها أكثر من 4 ملايين نسمة.
هذه المكاتب الثلاث هي فقط ما تبقى من إرث عبدالناصر الذي انتشر في كل ربوع القارة السمراء بـ36 مكتبًا، أما باقي المكاتب فأغلقت، وعلى سبيل المثال فإن مكتب ليبيا مغلق بسبب الحرب هناك، وكذلك مكتب الصومال لا يعمل.
للأسف، فإن بعض الدول الأخرى انتبهت لأهمية هذه المكاتب، وراحت تنشيء لها مكاتب في كل مكان في إفريقيا، لدرجة إن إسرائيل أصبح لها أكثر من 26 مكتبًا للتمثيل الثقافي في قارتنا السمراء، ورغم الأهمية الكبيرة لهذه المكاتب إلا أنها أغلقت بسبب ترشيد النفقات، لتوفير مرتبات الملحقين الثقافيين، ولكن كيف هذا وهناك ملحقين إدرايين، وهؤلاء وظيفتهم معاونة فقط! فكيف نرسل المعاونين بمرتبات تصل إلى 7 آلاف دولار، وهم فقط معاونين!
الحقيقة، إن أهمية المكاتب الثقافية ليست فقط نشر الثقافة المصرية، بل إن هناك جانب اقتصادي مهم، وهو التعليم وما يدره من عائد، وعلى سبيل المثال يتخرج من دولة نيجيريا كل سنة مليون طالب للتعليم خارج دولتها، حيث إنها ليس لديها جامعات كافية، ولديهم مشاكل أمنية كبيرة جدًا، ومصر تستقطب منهم 5 آلاف طالب، ولو فرضنا أن كل طالب منهم يدفع 4 آلاف دولار، فهل المكاتب التي أغلقت مكلفة وعبء على ميزانية الدولة؟ بالطبع لا، لأن المكتب الثقافي في موريتانيا، والآخر في نيجيريا إهداء من الحكومات المحلية والدولة لا تدفع عليهم أي إيجار.
عندما تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي الحكم في مصر، صوّبت الدولة عيونها تجاه إفريقيا، لأنها الامتداد الطبيعي لأرض المحروسة، وهذا حقيقي، إذ تم إنشاء أكثر من 50 أو 70 جامعة خاصة وأهلية والأمل الوحيد للحصول على طلاب هو التوسع في الدول التي ليس لديها جامعات.
إن الوافدين إلى مصر يوفروا إيرادات للدولة، فضلًا عن وجود أكثر من 88 ألف وافد للتعليم في مصر، وكل وافد متوسط مدة إقامته في مصر 6 أشهر، يعيش وينفق ويدفع رسوم للتعليم 4 آلاف دولار كحد أدنى، الأمر الذي يؤدي إلى انتعاشة في الاقتصاد المصري.
وإذا كانت مشكلة هذه المراكز هي التمويل، فيجب البحث عن طرق تمويل غير تقليدية، وعلى سبيل المثال يمكن إرسال بعثات وتحديد وتخصيص أهداف لها أن تستقدم عددًا معينًا من الطلاب للدراسة في الجامعات الأهلية، ومن يعجز عن تحقيق هذا الهدف يُقال من منصبه ونأتي بغيره، المهم ألا نترك هذه الكنوز مهملة لأنها ليست مهمة فقط لقوة مصر الناعمة، ولكن للاقتصاد أيضا.