في ذكراه.. قصة استشهاد كاروز الديا رالمصرية
تحتفل الكنيسة القبطية اليوم، بذكرى القديس مارمرقس.
ونشر الباحث الكنسي ماجد كامل، عضو اللجنة الباباوية للتاريخ الكنسي، دراسة عن القديس مرقس، وقال خلالها إن القديس مارمرقس الرسول مؤسس الكرازة المرقسية في مصر؛ فنحن مدينون له بأنه أول من كرز بالإيمان في مصر؛ وهو أول من كتب لنا انجيلا يسجل فيه حياة السيد المسيح ومعجزاته، وسوف نتناول في هذا المقال نشأته وحياته وقصه استشهاده وآخر كتاب ظهر عنه.
نشأة مارمرقس:
القديس مارمرقس الرسول هو يهودي من سبط ل أو ي ؛نشأ في أسرة متدينة ؛أبوه يدعي ارسطوبولس ابن عم "أو عمة القديس بطرس الرسول " ولد مرقس في مدينة القيروان أحد الخمس مدن الغربية من أسرة ميسورة الحال ؛تعلم اللغات اليونانية واللاتينية والعبرية ؛ فأتقنها جميعا ؛ وتذكر بعض المصادر التاريخية أن القبائل الهمجية المتبربرة هجمت علي أملاك أسرته في القيروان ونهبتها ؛وكان ذلك في عهد أغسطس قيصر ؛فهاجرت الأسرة إلي فلسطين ؛ وتروي بعض كتب التاريخ أنهما كانوا سائرين في الطريق تقابلا مع أسد ؛فقال له والده أهرب يا أبني لتنجو بنفسك ؛وأتركني أنا ليلتهمني الوحش ؛ فقال مرقس لأبيه إن المسيح الذي بيده نسمة كل واحد فينا هو ينجينا ؛ثم صلي قائلا ( أيها السيد المسيح أبن الله اكفف عنا شر هذين الوحشين ) فأستجاب الله لصلاته وانشق الوحشان.
وهناك تقابل الأسرة مع السيد المسيح ؛فصار بيته هو أول كنيسة في العالم ؛ففيه تم العشاء السري ؛وفيه حل الروح القدس علي التلاميذ في يوم الخمسين ؛ويذكر التقليد الكنسي أن الرجل الحامل جرة الماء الذي أشار إليه الإنجيل هو مارمرقس الرسول نفسه (مر14:13-15 ؛لو 22:10-12 ). ويعتبر الأسد هو رمز مارمرقس لعدة أسباب:-
1- قصة المعجزة التي حدثت مع الأسدين
2- الآية التي وردت بإنجيله "صوت صارخ في البرية"
3- لأن إنجيله يمثل السيد المسيح في جلاله وملكه على اعتبار أنه يمثل "الأسد الخارج من سبط يهوذا ( رؤ 5:5 )
مجيء مارمرقس الرسول إلى أرض مصر:
عندما وصل مارمرقس الرسول إلي الإسكندرية كانت تعتبر العاصمة الثقافية للعالم كله ؛ ففيها مدرسة الإسكندرية بمكتبتها العالمية الشهيرة ؛وفيها الديانة الفرعونية بكل آلهتها إيزيس وأوزيريس وحورس وآمون وإبيس وحتحور تحت زعامة رع كبير الآلهة.
وفيها أيضا العبادة اليونانية تحت زعامة "زيوس "كبير آلهة الأغريق ؛وحدث نوع من التقارب بين العبادتين كانت من نتائجها عبادة الإله الوثني العظيم "سيرابيس " وفيها أيضا العبادة الرومانية تحت زعامة "جوبيتر "كبير آلهة الرومان، وفيها أيضا العبادة اليهودية ؛ وتمت فيها الترجمة السبعينية للكتاب المقدس في عهد بطليموس فيلادلفوس، ولقد تعددت الأراء التي تذكر تاريخ مجيء مارمرقس الرسول إلي مدينة الإسكندرية ؛ ولكن الأغلب الأعم أن مارمرقس الرسول قد جاء إلي الإسكندرية بين عامي 60 ؛61 م تقريبا، والقصة المعروفة لنا جميعا أنه بينما كان يتجول علي البحر مفكرا ومتأملا من أين يبدأ في هذه المنطقة ؛تمزق حذاءة فذهب إلي إسكافي يدعي "انيانوس " وفيما هو يصلح حذاءه فجاة دخل المخراز في يده فصرخ قائلا "ايس ثيئوس " اي "يا الله الواحد ؛فتفل مارمرقس علي الطين وطلي به يد انيانوس فشفي في الحال ؛ فطلب انيانوس من مارمرقس أن يزوره في المنزل ؛فزاره هو وأسرته وكلمهم عن السيد المسيح حتي آمن أنيانوس هو وأهل بيته أجمعين، وبعدها قام مارمرقس بتأسيس مدرسة لاهوتية لمواجهة المدرسة الوثنية ؛وعهد بإدارة المدرسة إلي القديس يسطس الذي صار الأسقف السادس لمدينة الإسكندرية.كما قام بوضع القداس الإلهي ؛ثم سام انيانوس أسقفا نحو عام 62م تقريبا ؛كما سام معه ثلاثة من الكهنة وسبعة من الشمامسة.
تأسيس مدرسة الإسكندرية اللاهوتية:
عندما حضر مارمرقس الرسول إلي الإسكندرية ؛ كانت الاسكندرية مركزا هاما للثقافة الوثنية ؛ فمن مدرستها الشهيرة تخرج العديد من الفلاسفة والعلماء ؛كما خرجت منها الترجمة السبعينية للكتاب المقدس Septuagint ؛ فكان لزاما علي القديس مرقس الرسول مواجهة هذه المدرسة فأسس مدرسة لا هوتية كان التعليم فيها يقوم على طريقة السؤال والجواب Catechism وكان يدرس فيها إلي جانب اللاهوت الفلسفة والمنطق والطب والهندسة والموسيقى ؛ وأول مدير لهذه المدرسة هو العلامة يسطس "وهو البطريرك السادس "ثم أومانيوس "البطريرك السابع " ثم مركيانوس " البطريرك الثامن " وياروكلاس "البطريرك الثالث عشر " وديونيسيوس "البطريرك الرابع عشر ". ومن أشهر علماء هذه المدرسة العلامة أثيناغوراس ؛ والقديس بنتينوس ؛ والقديس كليمندس السكندري ؛ والعلامة أوريجانوس ؛والقديس ديديموس الضرير.
استشهاد القديس مارمرقس:
حقد الوثنيون كثيرا على مارمرقس بسبب نجاحه الشديد في جذب النفوس إلي الإيمان المسيحي ؛ وفي ليلة 29 برمودة 68م ؛كان المسيحيون يعيدون بعيد القيامة ؛وتصادف في نفس الليلة كان الاحتفال الوثني بعيد الإله سيرابيس ؛فهجم الوثنيون على الكنيسة ؛وسحلوه في شوارع الإسكندرية كلها حتي تخضبت الأرض بالدماء الطاهرة التي لمارمرقس ؛ثم سجنوه في سجن مظلم حتي الصباح ؛ فقضي مارمرقس الليلة في السجن وهو مهشم الجسد ؛ولكن روحه كانت متعلقة بالرب ؛فظهر له ملاك الرب ليقويه ولمسه وقال له ( يا مرقس. أيها الخادم الصالح:قد أتت ساعتك ؛وستنال مكافأتك حالا ؛تشجع فقد كتب أسمك في سفر الحياة )وبمجرد أن أختفي الملاك ظهر له السيد المسيح وقال له "يامرقس ؛ياتلميذي ؛يا إنجيلي ؛ليكن السلام لك " وفي صباح الغد 30 برمودة رجع الوثنيون مرة أخري ؛وأخذوه من السجن وربطوا عنقه بحبل غليظ ؛وكرروا ما فعلوه في الليلة السابقة ؛وهو في كل ذلك كان يصلي طالبا لهم المغفرة ؛وأخيرا قطعوا رأسه ونال أكليل الشهادة ونال معه ثلاثة أكاليل هم: اكليل الشهادة ؛ اكليل الرسولية ؛اكليل البتولية. علي أن موته لم يهديء ثائرة الوثنيين وحقدهم ؛ففكروا في حرق الجسد الطاهر فجمعوا حطبا كثيرا ؛وأعدوا نارا لحرقه ؛ولكن في تلك اللحظة هبت عاصفة شديدة مصحوبة بمطر غزير ؛فتفرق الشعب وأنطفأت النيران.فأتي مجموعة من المؤمنين ووحملوا جسد ؛وصلي عليه خليفته القديس انيانوس مع الأكليروس والشعب كله ؛ودفنوه في قبر نحتوه له داخل الكنيسة ؛وفي نفس مكان دفنه استشهد القديس بطرس خاتم الشهداء "البطريرك السابع عشر " في سنة 310 م.
رأس القديس مارمرقس الرسول:
ظل جسد مارمرقس ورأسه معا في تابوت واحد حتي عام 644م ؛وكان هذا التابوت محفوظا في كنيسة بوكاليا (دار البقر) وكانت تطل علي الميناء الشرقي للإسكندرية ؛ ولما حدث الانشقاق المسكوني عام 451م ؛ونفى البابا ديسقوروس من كرسيه ؛ تعرضت الكنيسة لاضطهاد مريع من أصحاب الطبيعتين ؛فأستولي الملكانيون على كنائسنا ومنها كنيسة بوكاليا ؛ويذكر سنكسار 8 طوبة أن رئيس المراكبية دخل إلى الكنيسة ووجد رأس القديس مارمرقس فأخذها وخبأها في مركبه ؛وعندما عزمت المركب علي المسير ؛تقدمت المراكب كلها وخرجت من الميناء ما عدا المركب التي يوجد بها الرأس المقدس ؛فأمر عمرو بن العاص بتفتيش المركب ؛فوجدوا الرأس مخبأ ؛فلما أخرجوه حالا سارت المركب ؛فأستحضر عمرو بن العاص من كان سببا في سرقة الرأس ووبخه توبيخا شديدا ؛ثم سأل عن بابا الأقباط ولما علم أنه هارب من الاضطهاد البيزنطي أمر بعودته فورا وأعطاه الأمان ؛ثم سلمه الرأس المقدسة وأعطاه 10 ألاف دينار لبناء كنيسة عظيمة علي أسم صاحب الرأس. وهكذا أصبح الرأس مع الأقباط والجسد مع الروم.إلي أن جاءت حادثة سرقة الجسد عام 828 أو 829 م تقريبا ان أتصل أحد البنادقة بالكهنة اليونانيين حراس الكنيسة ؛ وعندما طلب حراس المركب تفتيش السفينة غطوها بمجموعة كبيرة من الخنازير ؛ولما كان البحارة يعتبرون الخنزير حيوان نجس ؛تركوا السفينة وبذلك تم تهريب الجسد إلي فينيسيا ؛ وبنوا له كنيسة كبري تعتبر من أفخم كنائس العالم ؛وتباري في بنائها كبار فنانين العالم وزينوها بلوحات فنية رائعة. وفي عام 1968 تمت أتصالات بين البابا كيرلس السادس والبابا بولس السادس لإرجاع جزء من رفات مامرقس ؛وفي البداية رفض بطريرك فينسيا العرض جدا وقال أن جسد مارمرقس هو مجد فينسيا ؛ فتوسط البابا بولس السادس في الأمر وطلب اقتسام الجسد بين الكنيستين ؛فوافق بطريرك فينسيا على منح جزء من الرفات للكنيسة القبطية ؛ وسافر وفد من الكنيسة القبطية إلي روما لتسلم الرفات يوم السبت الموافق 22 يونيو 1968 ؛وتسلموا الرفات من البابا بولس السادس حتي عادوا بالجسد إلي القاهرة يوم الاثنين ؛وفي يوم الأربعاء الموافق 26 يونيو تمت إقامة أول قداس في الكاتدرائية المرقسية بالانبا رويس وبعدها تم إيداع الجسد أسفل المذبح وما زال محفوظا هناك حتى الآن.
رحلة كرسي مارمرقس من الإسكندرية إلي العباسية:
بدأ الكرسي المرقسي من الإسكندرية أولا ؛ومنذ القرن الحادي عشر وفي عهد البابا خريستوذولوس البطريرك 66 (1047- 1077 ) تم نقل الكرسي المرقسي إلي كنيسة المعلقة. ومن المعلقة نقل إلي كنيسة أبو سيفين بمصر القديمة. ومن القرن الرابع عشر وحتي القرن السادس عشر نقل إلي كنيسة العذراء حارة زويلة. ثم نقل بعدها إلي كنيسة العذراء حارة الروم. ومنذ عام 1799 وحتي عام 1971 نقل إلي الكنيسةالمرقسية بكلوت بك ومدفون بها الآباء البطاركة (البابا مرقس الثامن – البابا بطرس السابع "الجاولي" – البابا كيرلس الرابع "أبو الإصلاح " – البابا ديمتريوس الثاني – البابا كيرلس الخامس – البابا يوأنس التاسع عشر – البابا مكاريوس الثالث – البابا يوساب الثاني ). وفي عهد قداسة البابا المعظم الأنبا شنودة الثالث - نيح الله نفسه في فردوس النعيم - نقل الكرسي المرقسي إلي أرض الأنبا رويس بالعباسية وما زال بها حتى الآن.
إنجيل مرقس:
أجمع معظم علماء الكتاب المقدس أن أنجيل القديس مرقس هو أقدم الأناجيل ؛ ولقد ذكر ابن كبر إنه كتب في سنة 45م ؛ والقديس ايريناوس أسقف ليون يذكر أنه كتب بعد استشهاد بطرس وبولس الرسولين أي بعد سنة 67م ؛كما ذكر القديس يوحنا ذهبي الفم أن الإنجيل كتب في مصر ؛ ولقد كتب القديس مرقس انجيله للأمم ؛والأدلة على ذلك هي:-
أ- ترجمته للكلمات الآرامية التي كان يستخدمها مثل:- بوانرجس "ابني الرعد " " (3: 17 ) وطليثا "صبية ( 5:14 ) وأن كلمة "أفثا "معناها "أنفتح " والوي الوي لما شبقتني ومعناها "إلهي إلهي لماذا تركتني " ( 15:34 ) و"جلجثة "معناها "جمجمة "
ب- شرح عادات اليهود وأماكنهم وطوائفهم:
مثل أيدي نجسة معناها "غير مغسولة " وعندما تكلم عن الصدوقيون قدمهم للقاريء الروماني بمعني "الذين يقولون ليس قيامة "
ج- قلة اقتباسه من العهد القديم
د- عندما علم أن الرومان أهل عمل لا فكر ؛قدم لهم المسيح في عمله وقوته ؛واهتم بتسجيل أعماله أكثر من أقواله فسجل (سلطانه علي الشياطين – سلطانه علي الأمراض – سلطانه علي الطبيعة.... الخ ).
ومن أحدث الكتب التي صدرت أخيرا عن القديس مارمرقس الرسول ؛ كتاب " مارمرقس كاروز الديار المصرية " والصادر عن "مؤسسة القديس مرقس لدراسات التاريخ القبطي " وهو مجلد ضخم يقع في نحو 259 صفحة تقريبا من الحجم الكبير . ويضم العديد من الأبحاث والدراسات القيمة مثل "( سيرة مارمرقس وكرازته في العالم للدكتور أشرف إسكندر صادق – مارمرقس والهوية القبطية للدكتور صموئيل قزمان معوض – النسخة القبطية في إنجيل مرقس الرسول للأستاذ هاني تكلا – العلم اللاهوتي في إنجيل مرقس الرسول – للأب باسيليوس المقاري – القديس مرقس في الليتورجية القبطية للدكتور يوحنا نسيم يوسف – القديس مرقس الإنجيلي في التقلييد الأثيوبي الأريتري للأب تادرس أبرها – القديس مرقس في التراث العربي المسيحي للأب وديع عوض – مارمرقس في الفن القبطي للدكتور جودت جبرة – مارمرقس الرسول والخمس مدن الغربية للدكتور إسحاق إبراهيم عجبان ) وتتصدر الكتاب مقدمة لقداسة البابا تاوضروس الثااني – أطال الله حياته وثبته علي كرسيه سنين عديدة وأزمنة سالمة مديدة.
أما أحدث خبر أثلج صدر جميع المصريين عموما والأقباط خصوصا ؛ هو افتتاح مزار القديس مارمرقس الرسول بعد تجديده بأرض الأنبا رويس بالكاتدرائية الجديدة بالعباسية ؛ وكان ذلك صباح يوم السبت 7 نوفمبر 2020 م بحضور الآباء الأحبار الأجلاء ( نيافة الأنبا دانيال أسقف المعادي – وسكرتير المجمع المقدس – نيافة الأنبا أرميا الأسقف العام ومدير المركز الثقافي القبطي – نيافة الأنبا يوليوس الأسقف العام لكنائس قطاع مصر القديمة وأسقفية الخدمات – نيافة الأنبا ميخائيل الأسقف العام لقطاع حدائق القبة والوايلي ووكيل الكلية الإكليركية ). ولقد ذكر قداسته في كلمته أن هذه التجديدات تأتي بعد إنشاء المزار في عام 1968 علي يد قداسة البابا المتنيح القديس البابا كيرلس السادس ؛ لكن بعد مرور 52 سنة المزار إلى تجديد ؛فقام ابونا مكسيموس الأنطوني ومعه فريق عمل كبير بتجديد وترميم الأيقونات الموجودة بالمكان.