طارق الشناوي يكتب: "فرحة" أردنية في "مالمو"

الفجر الفني

طارق الشناوي
طارق الشناوي

 


حققت السينما الأردنية في السنوات الأخيرة قفزات. صار لها مساحتها محليًّا وعربيًّا ودوليًّا. طرقت حتى باب (الأوسكار) لأفضل فيلم أجنبى، ووصلت للقائمة القصيرة، هناك إرادة للمملكة تمنح الضوء الأخضر للإبداع، وأيضًا دعم وغطاء يحمى الحرية، وقطاع خاص يتحرك بثبات تحت هذه المظلة.

لم نتعود هذا المذاق الأردنى، الافتتاح بفيلم (بنات عبدالرحمن) وداخل المسابقة والفعاليات أكثر من فيلم بينها (فرحة) للمخرجة دارين سلام، في أولى تجاربها الروائية الطويلة.

الفيلم يتناول نكبة 48، العنف الإسرائيلى يغتال جلال التاريخ وينتهك حرمة الجغرافيا، مؤيدًا من القوة الأوروبية الغاشمة، على حساب أصحاب الأرض، السينما هي الذاكرة التي توثق الحياة، أجادت إسرائيل استخدام هذا السلاح وزيفت الحقيقة، وقبل 48 بدأت في تقديم أفلام تسجيلية تروج للأساطير الكاذبة التي ترمى إلى تأكيد حقهم في فلسطين باعتبارها أرض الميعاد.

(فرحة) مشروع عمره تجاوز خمس سنوات، حصلت الكاتبة والمخرجة دارين سلام في البداية على دعم للسيناريو من جهات متعددة منها مهرجان (دبى)، وهناك أيضًا دعم سعودى من مهرجان البحر الأحمر، وسويدى من مهرجان (مالمو)، وآخر من الاتحاد الأوروبى، والمخرجة في النهاية قدمت حكايتها ووجهة نظرها، وهو درس مصيرى، مهما تعددت جهات الإنتاج، يظل من يحمل الفيلم اسمه هو المبدع والمسؤول عن التوجه الفكرى، نجحت المخرجة في المزج بين كفاح الوطن من أجل الحفاظ على الهوية والاغتصاب الإسرائيلى لفلسطين، عروس قادمة لابنه لم تكمل بعد السادسة عشرة، لم تحلم أبدًا بالزفاف، ولكن بأن تواصل دراستها بالمدينة، ويشارك في البطولة مع كرم طاهر كل من تالا جموح وعلى سليمان وأشرف برهوم.

كيف تستعيد الزمن؟ واحدة من أهم المفردات التي تحكم بها على صدق الموهبة، الزمن ليس مجرد تفاصيل شكلية ديكور وإكسسوار وملابس، ولكنه وقع نفسى، وهو ما نجحت المخرجة في استعادته. المساحة الزمنية يجرى أغلبها داخل غرفة مظلمة تحت الأرض والبطلة كرم طاهر تتابع الأحداث من خلال ثقب في الجدار، وفتحات ضيقة من الباب الخشبى الذي يفصلها عن الشارع.



الأب يرفض أن يترك الأرض ويحمل على كتفه بندقيته العتيقة، وهناك سيدة تحتفظ في صدرها بمفتاح الشقة، والإسرائيليون يعتبرونها جريمة تستحق القتل، وشاهدنا القسوة والعنف، سنتابع عجلة الزمن مجددًا وهى تتحرك صوب الماضى لنستعيد معًا صورًا للحاضر، ما أطلقنا عليهم أطفال الحجارة، هؤلاء الذين يرشقون الآن الإسرائيليين بالطوب، هم الأحفاد جينات المقاومة انتقلت عبر الأجيال، سنستمع إلى مكبرات الصوت وهى تطلب من السكان مغادرة ديارهم، إذا أرادوا البقاء على قيد الحياة، هناك من يضع قناعًا على وجهه من الفلسطينيين، ويتحول إلى مرشد للأعداء يشى بأهله، استمعت إلى أنات الطفل الرضيع الذي يبكى بعد أن قتلوا أهله، وبطلة الفيلم تتابعه من ثقب الغرفة وتحلم بإنقاذه ولكن هؤلاء لا يرحمون حتى الرضع.



تنفيذ لقطات الحصار الإسرائيلى والاستخدام الموحى للصوت والإضاءة، في تلك الحفرة نرى من خلالها كل تفاصيل المأساة، في زمن أقل من ساعتين، والمكان الذي تتحرك فيه هو أمتار قليلة، شاهدت مأساة فلسطين بإطلالة إبداعية تحمل خصوصية للمخرجة دارين سلام.

اليوم تعلن أسماء الأفلام الفائزة في كل الأقسام، والمهرجان استقطب أهم الأفلام العربية التي أنتجت هذا العام، وهو ما سوف يجعل لجان التحكيم في مأزق، لاختيار الأجمل. الجمال الإبداعى يواجه جمالًا إبداعيًّا؛ وتلك هي المشكلة!.

[email protected]

المقال: نقلًا عن (المصري اليوم).