أسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك: في الذكرى 107 للإبادة الجماعية للأرمن لن نيأس من المطالبة بحقوقنا
أحتفل الأرمن بإحياء الذكرى ١٠٧ للمجازر التي ارتكبها العثمانيون بحق أسلافهم إبان الحرب العالمية الأولى، وجابت مسيرة المشاعل والشموع الشبابية بمشاركة جماهيرية متوجهين إلى النصب التذكاري للإبادة الارمنية (تسيتسيرناكابيرد) في العاصمة الارمنية يريفان، وشارك في المسيرة رئيسي ارمينيا الثاني والثالث.
كما استخدم الرئيس الأميركي جو بايدن مجددا مصطلح "إبادة جماعية" لوصف ما حدث لمليون ونصف مليون من الأرمن قُتلوا على أيدي جنود السلطنة العثمانية في 1915، بعد سنة من استعماله هذا التوصيف للمرّة الأولى مثيرا حفيظة تركيا.
وكان بايدن قد أثار سخط أنقرة العام الماضي عندما بات أوّل رئيس أميركي يستخدم مصطلح الإبادة الجماعية خلال ولايته الرئاسية.
وقال في بيان بمناسبة إحياء ذكرى الإبادة الجماعية للأرمن: "في 24 نيسان/أبريل 1915، اعتقلت السلطات العثمانية المفكرين الأرمن وقادة المجتمع في القسطنطينية. وهكذا بدأت الإبادة الجماعية للأرمن - وهي واحدة من أسوأ الفظائع الجماعية في القرن العشرين. اليوم، نتذكر مليون ونصف المليون أرمني الذين تم ترحيلهم أو ذبحهم أو ساروا نحو موتهم في حملة الإفناء، ونرثي الخسائر المأسوية بهذا العدد من الأرواح".
وأشار بايدن في بيانه: "بينما نتذكر الإبادة الجماعية الأرمنية، نجدد تعهدنا بالبقاء يقظين ضد التأثير المدمر للكراهية بجميع أشكالها. نجدد التزامنا بالتحدث علانية ووقف الأعمال الوحشية التي تترك ندوبًا دائمة في العالم. وبينما نحزن على ما فقد خلال ميدز يغيرن، دعونا نضاعف جهودنا نحو التعافي وبناء عالم أفضل وأكثر سلاماُ نتمناه لأطفالنا. عالم تُحترم فيه حقوق الإنسان، وحيث لا تؤثر شرور التعصب وعدم التسامح على حياتنا اليومية، وحيث يتمتع الناس في كل مكان بحرية ممارسة حياتهم بكرامة وأمان.
وأكد أن هذه أيضًا لحظة للتأمل في قوة ومرونة الشعب الأرمني. بعد تعرضهم للإبادة الجماعية كان الشعب الأرمني مصممًا على إعادة بناء مجتمعهم وثقافتهم، غالبًا في منازل جديدة وأراضي جديدة، بما في ذلك الولايات المتحدة. الأمريكيون الأرمن جزء حيوي من نسيج الولايات المتحدة. إنهم يجعلون أمتنا أقوى وأكثر ديناميكية، حتى وهم مستمرين بحملهم المعرفة المأساوية لما عاناه أسلافهم. نحن ندرك آلامهم ونكرم قصتهم.
وختم بيانه قائلا: "اليوم، بعد 107 سنوات، يواصل الشعب الأمريكي تكريم جميع الأرمن الذين لقوا حتفهم في الإبادة الجماعية".
من جانبه أكد نيافة المطران كريكور اوغسطينوس كوسا أسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك في تصريحات لـ "الفجر" أن مذابح الأرمن تعتبر من جرائم الإبادة الجماعية الأولى في التاريخ الحديث والباحثون يشيرون بذلك إلى الطريقة المنهجية المنظمة التي نفذت من عمليات قتل هدفها القضاء على الأرمن، وتعتبر مذبحة الأرمن ثاني أكبر قضية عن المذابح بعد الهولوكست وكلمة الإبادة الجماعية صيغت من أجل وصف هذه الأحداث، مضيفا أن الكونغرس الأمريكي اعترف رسميًا في أكتوبر عام ٢٠١٩ في تصويت رسمي بأغلبية ساحقة بهذه الإبادة، كما واعترفت نحو أكثر من ثلاثين دولة والإتحاد الاوروبي ب "الإبادة الجماعية"، وفي مقدمتهم دولة الفاتيكان.
وبسبب هذه المذابح هاجر الأرمن إلى العديد من دول العالم من بينهم مصر والعراق وسوريا ولبنان والأراضي المقدسة.
و بالنسبة إلى مصر فقد استضافت بعد الإبادة الأرمن، حيث دعا سعد زغلول عام 1916م أيتام الأرمن واللاجئين منهم ليعيشوا بسلام في مصر مع الأرمن الذين كانوا متواجدين قبل الإبادة، حيث يعود تواجد الأرمن في مصر منذ القرن الثامن وتزايد أعدادهم في القرن الثاني عشر ثم السادس عشر وفي القرن التاسع عشر لعبوا دورا مهما، ففي عهد محمد على كان لهم دورا بارزا في الحياة السياسية والثقافية والصناعية، وعرفوا الأرمن في مصر بالتعاون الكبير مع المصريين، فقد عمروا الكنائس والمدارس والمؤسسات، كما دعا أيضا ملك السعودية وقت الإبادة جميع البلاد العربية أن تفتح أبوابها أمام الشعب الأرمني المضطهد.
ونعود إلى عام 1954م فقد دمرت تركيا جميع كنائس الأرمن وحولتها إلى اسطبل، فقرر الأرمن نقل جميع بطريركيتهم إلى أنطاكيا، وقد قامت منظمة اليونسكو في وقتا قريبا بترميم كنيسة للأرمن بتركيا.
وفي توضيح من نيافة المطران كريكور لمحاولات المصالحة بين الأرمن والأتراك وعودة الأرمن إلى أراضيهم وفتح كنائسهم وممارسة طقوسهم قال: "الحكومة التركية ترفض تماما أي كلمة تعبر عن المذابح الارمينية وعلى الأرمن ألا يتحدثوا عن مجازر 1915م حتى وصل الأمر بتركيا أن جعلت ذكرى يوم مذابح الأرمن يوم عيد الطفولة، وألغت واقعة المجازر من الكتب التاريخية ومن مراحلها التعليمية.
و أضاف نيافة المطران كريكور أنه في أكتوبر 2009م كان هناك توقيع اتفاقية للمصالحة ولكن الجانب التركي رفض التوقيع لعدم اعترافه بتلك المذابح وعدم رغبته في الاعتراف بحقوق الشعب الأرمني من مدارس واديرة وغيرها، وبعد أن فشلت اتفاقية المصالحة جاء إلى نيافة المطران كريكور بمصر ثلاثة مندوبين من السفارة التركية ويضيف نيافته أن المندوبين طلبوا منه استكمال مشوار السلام وقبول زيارة السفير التركي السابق له.
وعلق نيافته قائلا: أن البطريركية هي بيت الله ومفتوحة للجميع في أي وقت"، لكن المندوبين طلبوا عدم الحديث بشأن الإبادة الأرمنية مع السفير التركي السابق.
فأجابهم: "بإنه لا مانع لديه، ولكنه يريد أن يحمل السفير وردة حمراء ويضعها في مدخل البطريركية عند النصب التذكاري لشهداء الأرمن ويحني رأسه إجلالا لدمائهم ومكانتهم"، وبالطبع لم يأت السفير رافضا الاعتراف بالإبادة، متابعًا أن كل ما فعله الاتراك عبر التاريخ وخاصة مع الشعب الأرمني وما يفعلونه اليوم كل هذا أدى إلى رفض الاتحاد الأوروبي لانضمام تركيا إلى عضويته.
سيظل نضال الأرمن مستمر حتى تمحو الصفحة السوداء من تاريخ أمتهم. لن ييأسوا من محاولات إقناع العالم، وخصوصا تركيا، بالاعتراف بإبادة الأرمن التي وقعت عام 1915 وتعويضهم وإعادة حقوقهم.
إن أرمينيا والأرمن في كل انحاء العالم مستمرون في مطالبهم بالاعتراف الدولي بـ "الجريمة الكبرى" رغم مرور ١٠٧ عام منذ وقوعها.