رمضان من 50 سنة.. أوبرج الأهرام: السحور بعد «الرقص»
١٥ ساعة تقضيها أم كلثوم فى الاستوديو لتسجيل أغنية دينية
شادية وصلاح ذو الفقار فى الإذاعة بعد الانفصال
مصر أرض الفنون وقبلة الشرق الأوسط والعالم العربى لتبادل الثقافات، فيها يهتم القائمون على الفنون بإنتاج الأعمال ذات القيمة، ويعتبر الماراثون الرمضانى من أهم المواسم التى تتنوع بها الأعمال الفنية على اختلاف الأزمنة، وبالعودة بالزمن ٥٠ عامًا من الآن نجد أن أكثر ما يهم المصريين فى هذه الفترة هو إنتاج الأفلام والمسلسلات التى تعبر عنهم، فنجد الأعمال السياسية التى تمهد للحرب قبلها بعام، والاجتماعية التى تدعم الروح الإيجابية، واحتلت الإذاعة المرتبة الأولى لاهتمامات المواطنين.
واستكمالًا لـ بحث «الفجر» فى التاريخ المصرى عن رمضان قديمًا وأبرز ما يميزه من ٥٠ عامًا، نجد أن الفن المصرى ترك لنا خريطة شاملة من الأعمال التى نفتخر بها، وميزت رمضان عن باقى مواسم العام، فكانت الفوازير أكثر ما يهم الجمهور واحتلت المسابقات نصيب الأسد من مناقشات العائلات، وخلال السطور التالية نرصد شكل الحياة الفنية فى مصر عام ١٩٧٢.
كان اهتمام الجمهور فى هذا التوقيت بالراديو فتم تسجيل أولى المسلسلات الإذاعية وكان يقدمها البرنامج العام خلال رمضان بهذا العام تحت مسمى «السباعية» وهما مسلسل «النوم سلطان» بطولة تحية كاريوكا ومحمد رضا، ومسلسل «الأزمة الراقصة» من بطولة حسن يوسف ولبلبة.
بينما شاركت وردة الجزائرية فى هذا الموسم ببطولة مسلسل «دندش» مع عبد الرحمن أبو زهرة وتوفيق الدقن وصلاح قابيل الذى التقى بـ «وردة» لأول مرة فى هذا العمل الفنى، وكان يُعرض حينها على إذاعة الشرق الأوسط بعد منتصف الليل.
كما تم عرض مسلسل «أشياء لا ننساها» على الإذاعة المصرية من بطولة نبيلة عبيد ومجدى وهبة، والذى يتألف من ١٠ حلقات عرضت فى النصف الأول من الشهر الكريم، وتناول المسلسل قصة شاب حصل على تعيينه كمدرس فى قرية ريفية ليتعرف خلال رحلة عمله على زميلته وتنشأ بينهما قصة حب تتخللها العديد من المشكلات بسبب عادات وتقاليد أهل القرية.
شهدت هذه الفترة أول تعاون فنى مشترك بين الإذاعة المصرية وإذاعة أبوظبى، حيث تم عرض أول مسلسل فكاهى برمضان والذى أطلق عليه «فل يا فل» من بطولة فؤاد المهندس وشويكار، ليتم عرضها بشكل يومى.
يعد مسلسل «كتائب الإيمان» ضمن أهم الأعمال الفنية الدينية التى انتشرت خلال هذه الفترة، حيث تم تقديمه على ١٥ حلقة حول حروب الردة بعد وفاة الرسول «صلى الله عليه وسلم» فى النصف الأول من رمضان، من بطولة محمود المليجى وسلوى محمود.
وسجلت أم كلثوم أغنيتها الدينية الشهيرة «الثلاثية المقدسة»، وأطلقتها فى رمضان منذ ٥٠ عامًا، واستغرق تسجيلها ١٥ ساعة فى استوديو «٤٦»، بعد العمل عليها لمدة ٣ أشهر من التحضيرات، وقررت أم كلثوم غناء تلك الأغنية بعد خطاب عبد العزيز كامل وزير الأوقاف وقتها، والذى كان يتحدث عن اختلاط الرسالة الروحية بالمبادئ السياسية، وحينها طلبت من محمد محمود شعبان رئيس قطاع الإذاعة أن يسمع الخطاب ويقول لها رأيه، وطلب من الشاعر صالح جودت أن يحول هذه المعانى إلى قصيدة لتقدمها أم كلثوم، ولحنها رياض السنباطى فى شهر واحد فقط.
ويعد مسلسل «المغامرون الخمسة» من أشهر الأعمال الفنية التى كانت تذاع بالتزامن مع وقت الإفطار خلال شهر رمضان لأول مرة فى هذا العام، والذى كان يلتف الصغار حوله للاستماع إلى إحدى المغامرات الجديدة، من بطولة صلاح ذو الفقار، وتم بعد ذلك عرضه على مدار السنوات بمجموعة مختلفة من السلاسل.
كانت المطاعم والبارات تقيم فى هذا الوقت سهرات غنائية وفنية وتقدم المشروبات الروحية بمصر، وحرص أوبرج الأهرام فى رمضان على تعديل قائمة الطعام من عشاء إلى توافر وجبة سحور خفيفة بعد فقرة الرقص الشرقى لإحدى الراقصات مع وجود عروض هائلة بمناسبة شهر رمضان وتخفيض على الفاتورة للعائلات.
كما حرص نادى اليخت على إقامة سهرات رمضانية طوال الشهر بدار سينما قصر النيل والتى كانت عادة ما تبدأ فى تمام الثامنة مساءً بعد الإفطار، استضاف خلالها أشهر المطربين أبرزهم فايزة أحمد ومحمد قنديل، والراقصة آمال شوكت، والمطرب محمد حمام، والسيدة مهدية الجزائرية والفنانة مها صبرى، فضلًا عن عروض المونولوجست الشهيرة.
وكان أيضًا لفوازير التليفزيون جمهورًا عريضًا من المشاهدين منهم فزورة «مين يفهم» بطولة سعاد حسنى، وأحمد مظهر، وكمال الشناوى، وليلى فوزى، وتدور فكرتها حول عرض مشهد من أحد الأفلام، ومع انتهاء عرضه تُعرض صورة أحد الممثلين المشاركين بالعمل مقسمة وغير واضحة ويتوقع الجمهور من هو النجم، وكان أفراد الأسرة يتبارون ويراهنون لمعرفة من هو البطل.
كانت الإذاعة فى رمضان منذ ٥٠ عامًا هى المتنفس الأول لكل المصريين وملاذ كل الأسر سواء فى المحافظات أو القاهرة، وكان يلتف حولها المصريون بعد الفطار للاستماع إلى المسلسلات والبرامج الإذاعية ويتفاعلون مع مسابقاتها وفوازيرها، واحتلت فوازير آمال فهمى الإذاعية المعروفة الصدارة فى هذا الوقت، حيث قدمت ٣٠ فزورة عبارة عن تقديم أصوات مختلفة للمستمعين من أجل تخمين مصدرها، وكانت هى صاحبة الفكرة، وتلقت نصف مليون رسالة خلال شهر رمضان عن حلول الفوازير.
وكانت فوزية المولد الإذاعية الراحلة من أشهر من قدموا فوازير فى رمضان عبر الإذاعة حول أصناف الطعام، وكانت الجائزة عبارة عن ١٥٠ جنيها لمن يخمن اسم الوجبة.
كانت العروض المسرحية تفتتح موسمها الجديد خلال رمضان، فعاد مسرح العرائس بمجموعة من أشهر الأعمال الفنية والتى كان على رأسها «الليلة الكبيرة» والمعروف بوصفه للموالد الشعبية فى هذه الفترة، و«حكاية سقا» عن صلاح السقا مبتكر العرائس، بالإضافة إلى «على بابا» وقصة حمار شهاب الدين.
كما تم إعادة العرض المسرحى «موسيقى فى الحى الشرقى» لثلاثى أضواء المسرح فى هذه الفترة على مسرح البالون، والتى كانت تدور حول قبطان له ٧ أبناء توفيت والدتهم، وتولى مسئولية تربيتهم، ما دفعه لتوظيف مربية لهم وكان يذاع أيضًا على الإذاعة المصرية فى نفس الوقت.
بعد انفصالها عن زوجها؛ قررت شادية أن تعود إلى الساحة الفنية خلال شهر رمضان فى هذا العام، بالمسلسل الإذاعى «صابرين» ويشاركها البطولة صلاح ذو الفقار، وعادل إمام، وسميحة أيوب، ويوسف شعبان وعماد حمدى.
ويعد العمل من أنجح المسلسلات الفنية التى قام الروائى يوسف السباعى بكتابتها، وتم تحويله بعد ذلك إلى فيلم سينمائى باسم «نحن لا نزرع الشوك»، تدور أحداثه حول شابة تهرب من منزل والدها وتعمل خادمة فى المنازل هربًا من زوجة أبيها، ومن ثم تلتقى بعد ذلك بشاب جامعى تعيش معه قصة حب تشوبها العديد من المفارقات حتى ينتهى المسلسل بوفاتها بسبب إصابتها بعدوى التيفود.
والجدير بالذكر، أنه حدثت مفارقة خلال تجهيزات اللحن للعمل الفنى، حيث اختفى بليغ حمدى لفترة من الوقت ولم يجب على الاتصالات الهاتفية وحاولوا البحث عنه لفترة طويلة حتى اكتشفوا أنه انعزل فى مكان خاص به لينهى اللحن فى أسرع وقت.