خبير يرصد الإبداع الحضاري للقاهرة بعد اختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية
قال الدكتور عبد الرحيم ريحان الخبير الأثري المعروف، إن الحضارة الإسلامية اهتمت بالنواحي الدينية والمدنية فكانت مزيجًا بين العقل والروح تحض على طلب العلم وعمارة الأرض لتنهض الأمم والشعوب.
وجاءت تصريحات ريحان إلى الفجر في ضوء اختيار القاهرة عاصمة للثقافة الإسلامية، حيث تحتفل مصر هذه الأيام باختيار "القاهرة" عاصمة للثقافة في العالم الإسلامى لعام 2022م، وستنطلق الاحتفاليات بداية من 10 أبريل الجاري بسور القاهرة الشمالي وتتضمن مجموعة متنوعة من الأنشطة والفعاليات الثقافية بالتعاون مع منظمة "إيسيسكو".
وتابع ريحان أن الانتاج الحضاري للقاهرة الإسلامية تنوع بين مجالات الفنون والعلوم والإبداع وظهرت منشآت مختلفة سواء دينية أو حربية أو مدنية، ويرصد ريحان نماذج من هذه المنشآت طبقًا لدراسة أثرية للباحث فى الآثار الإسلامية أبو العلا خليل.
الكُتَّاب
وأشار ريحان إلى أن طبيعة بعض هذه المنشئات كانت خيرية ومنها الكتاتيب لتعليم أطفال المسلمين القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، وقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بتعليم الأطفال والشباب، إذ أمر أسرى المشركين عقب غزوة بَدْر أن يُعلِّم كل واحد منهم "عشرةً من الغلمان الكتابة، ويخلِّي سبيله والتى ساهمت فى تعلم زيدُ بن ثابتٍ الكتابة.
وضمن تلك الكتاتيب كتّاب العلائى بشارع المعز لدين الله الفاطمى ويمثل الأثر بقايا كتاب الأمير أرغون العلائى الذى يقع على يسار الداخل إلى مجموعة السلطان المنصور قلاوون بشارع المعز لدين الله والتي تضم القبة الضريحية والمدرسة والبيمارستان ويتكون من بائكة من أربعة عقود متجاورة ومنشئ هذا الأثر هو الأمير أرغون العلائي الناصري عام 746هـ على عهد السلطان المملوكي الكامل شعبان بن الناصر محمد بن المنصور قلاوون، وهذه العقود هى بقايا كتاب أنشأه الأمير أرغون وخصصه لتعليم أيتام المسلمين القرآن الكريم وكان هذا الكتاب ضمن عدة أعمال أقامها أرغون حين كان مشرفًا على البيمارستان أى المستشفى المنصورى بداخل مجموعة السلطان المنصور قلاوون وكان أرغون أحد مماليك السلطان الناصر محمد بن قلاوون ولذا عرف بأرغون الناصرى وقد تهدم هذا الكتاب وبقى منه هذه العقود.
الأسبلة
وعرفوا أيضًا السبيل وتسمى أيضا السبيلخانه وهو وقف لسقي الماء لعابري السبيل والمارة، وكان المسلمون يعتبرون السبيل أعظم ما يثاب عليه المرء من أعمال البر عملًا بالحديث الشريف عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّ أُمَّهُ مَاتَتْ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ " سَقْيُ الْمَاءِ " وكانت السبيل تبنى ملحقة بمبان أخرى مثل المساجد أو المدارس أو الخانقاوات ثم أصبحت مستقلة ويلحق بها أحيانًا بناءً لتحفيظ القرآن الكريم.
وينوه الدكتور ريحان إلى سبيل لسقيا العطشى من المارة ومدفن لصاحب المنشأة وهو الفقيه حسن بازناده أفندي نقيب الأشراف بمصر من عهد الوالي العثماني محمد باشا رامى حين كانت مصر ولاية تابعة للسلطان العثماني باسطنبول عام 1116هـ / 1704م، وقد أقام الشريف حسن أفندى سبيله بشارع سيدى عقبة بالإمام الشافعى لسقى العطشى من المارة وهو من أقرب القربات لعل يصل إليه دعاء المرتوين من مائه له ولأجداده الراقدين بمدافنهم بجوارالسبيل، ويعلو شباك التسبيل النص الإنشائى التالى (أنشأ هذا السبيل ابتغاء مرضاة الله تعالى الفقيه السيد حسن بازناده نقيب الأشراف بمصر سنة 1116هـ)، والأشراف هم أصحاب الشرف بنسبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولى أمرهم "نقيب الأشراف" وهو المسئول عن حفظ قوائم المنتمين إلى السلالة النبوية الشريفة ويوزع عليهم المخصصات النقدية أو العينية المقررة لهم من الخزانة وكانت الدول العثمانية حريصة على تعيين نقيبًا تركيًا للأشراف فى مصر.
المزملة
كما عرفوا المزملة وهى دخلة عميقة مستطيلة الشكل توجد على أحد جانبى الدهليز المؤدى إلى صحن المساجد والمدارس الإسلامية ويغطى تلك الدخلة حجاب من خشب الخرط يتوسطه باب ذى مصراعين ويوضع داخل هذه الدخلة قدور فخارية مملوءة بالماء وتكسى هذه القدور أو تلف أو تزمل بالقماش المبلول لحفظ الماء من العفن.
الخانقاوات
وأشار ريحان إلى الخانقاه، بالقاف والكاف، جمعها خوانق وخانقوات، وهى كلمة مركبة من أصل فارسي ومعناها دار التعبد الذى يقيم بها مجموعة من المسلمين منقطعين للعبادة معتمدين على ما يوقفه عليهم الأغنياء من مأكل وملبس والتى تغير مسماها فى العصر العثمانى لتصبح تكايا تؤدي الوظيفة نفسها لإقامة المنقطعين للعبادة من المتصوفة مع إضافة دورًا آخر وهو علاج المرضى الدور الذي كانت تقوم به البيمارستانات في العصر الأيوبي والمملوكي، ومع بداية العصر العثماني أهمل أمر البيمارستانات وأضيفت مهمتها إلى التكايا.
المستشفيات
أما البيمارستانات منذ بداية ظهورها تقوم على علاج العديد من الأمراض حتى تضاءلت مواردها، وأغلق أو تهدم الكثير منها مع الزمن وتحول بعضها إلى مكان لعلاج الأمراض النفسية فقط.
ولفت الدكتور ريحان إلى مجموعة السلطان المنصور قلاوون الصالحى الذى أنشأها فيما بين عامى 683 - 684هـ، 1284- 1285م على أطلال القصر الفاطمى الغربى، وتتكون من مسجد وبيمارستان (مستشفى) زودت بالأطباء والصيادلة فى جميع التخصصات، وقبة دفن بها السلطان تعد من أجمل قباب القاهرة تعكس أروع العناصر الزخرفية الخشبية والرخامية والجصية والزجاجية الملونة فى العصر المملوكى، ومدرسة لتدريس المذاهب الفقهية الأربعة ومئذنة تعد من أضخم مآذن مصر.
وأشار إلى بيمارستان قلاوون الذى بناه للعامة والخاصة للفقراء والأغنياء وكان به أول مستشفى للطب النفسى فى العالم ومن هنا تحولت كلمة بيمارستان إلى مورستان وكان العلاج بالمجان وهدم جزء من المستشفى وبنيت على أطلاله مستشفى العيون والأسنان التى تعمل حتى الآن
ويتكون البيمارستان من بناء كبير فقد أحد أجزائه بسبب الزلازل بمنتصفه إيوانين بينهما مجرى مائي كشكل جمالى فى المستشفى ولأن صوت الماء يعمل على تهدئة الأعصاب المبانى ويضم غرفًا لإقامة المرضى، وكان بقسم الطب النفسى بالمستشفى فناء بمنتصفه حوض يحوى مياه كبريتية لتهدئة الأعصاب وعددًا من الغرف متصلة ببعضها ومفتوحة كانت تستخدم لجلوس المرضى مع الأطباء للاستماع اليهم وكان هناك جزءًا مخصص للرجل وآخر للنساء، وأن سبب بناء البيمارستان أن السلطان قلاوون مرض وسافر للعلاج فى بيمارستان السلطان محمود الدين زنكى عم صلاح الدين الأيوبى وندر ندرًا إذا تم شفاه سيقوم ببناء بيمارستان لعلاج العامة والخاصة الغنى والفقير.