الأمير الذي هوى فتنازل عن الحكم.. "إن القُبلة من شفتيها تساوي ألف عرش"
“إنني مقتنع كل الاقتناع بأن بقائي على حالتي الآن يمكنني من خدمة بلادي بأكثر مما يمكن أن أخدمها به في حالة أخرى” و“أرجو من حسن تعطفاتكم أن تأذنوا لي بالتنازل عن كل حق أو صفة كان من الممكن أن أتمسك بها في عرش السلطنة المصرية بصفتي ابنكم الوحيد”
بهذه الكلمات وفي رسالة موجهة إلى والده عظمة السلطان حسين كامل اعتذر الأمير كمال الدين حسين بتاريخ 20 ديسمبر 1874 / 6 أغسطس 1932 عن قبول عرش السلطنة المصرية في رسالة أرسلها لوالده في 8 أكتوبر 1917 أي قبل يوم واحد من وفاة السلطان حسين
وقال الدكتور ولاء الدين بدوي مدير عام قصر الأمير محمد علي توفيق بالمنيل، إن تلك الرسالة جاء فيها، “يا صاحب العظمة السلطانية ذكرتمونى عظمتكم بما اتفقتم عليه مع الحكومة البريطانية الحامية وقت ارتقاء عظمتكم عرش السلطنة المصرية من تأجيل وضع نظام وراثة العرش السلطاني إلى ما بعد بحثه، وقد تفضلتم عظمتكم فأعربت لي عن رغبتكم في أن تكون وراثة عرش السلطنة المصرية منحصرة في الأكبر من الأبناء ثم من بعده لأكبر أبنائه وهكذا على هذا الترتيب وإني لأذكر عظمتكم هذه المنة الكبرى لما في هذه الرغبة من التشريف لي على أنى مع إخلاصي التام لشخصكم الكريم وحكمكم الجليل مقتنع كل الاقتناع بأن بقائي على حالتي الآن يمكنني من خدمة بلادي بأكثر مما يمكن أن أخدمها به في حالة أخرى، لذلك أرجو من حسن تعاطفكم أن تأذنوا لي أن أتنازل عن كل حق أو صفة أو دعوة كان من الممكن لى أن أتمسك به في إرث عرش السلطنة المصرية بصفتى ابنكم الوحيد وأنى لا أزال لعظمتكم السلطانية النجل المخلص والعبدالكثير الاحترام”، و"إني بهذه الصفة أقرر الآن بتنازلي عن كل ذلك، توقيع الأمير كمال الدين حسين"
توفي السلطان حسين كامل في التاسع من شهر أكتوبرعام 1917 فى تمام الساعة الثانية عشرة ظهرا وعشرة دقائق، بعد أن حكم مصر لمدة سنتين وتسعة أشهر وسبعة عشر يومًا، وتوفي نتيجة تأثره بالمرض عن عمر 65 عامًا، ودُفن في مسجد الرفاعي بالقاهرة، وترك ابنه الوحيد وهو الأمير كمال الدين حسين وقد تنازل هذا الابن عن حقوقه في تولي السلطة.
وكان حسين باشا رشدي رئيس الحكومة أول من نعى السلطان حسين إلى الأمة فى عبارات مؤثرة صادقة ومما جاء فيها، "داهمت مصر مصيبة عظمى إذ فقدت مليكها المحبوب، فقد اختار ذو العرش والجلال إلى جواره فى دار النعيم المقيم صاحب العظمة السلطانية المغفور له حسين الأول فلا غرو أن بكته مصر بكاء من يندب كارثة وطنية "
فى ذات الوقت وصلت رسالة اخرى من المعتمد البريطاني السير" ريجنلد وينجت " إلى الامير احمد فؤاد بصفته الوارث الشرعي المتعين تبعا لوراثة العرش تعرض عليه هذا العرش على ان يكون لورثته من بعده حسب النظام الوراثي.
وأشارت مجلة المصور في عددها رقم 393 الصادر في 22 إبريل 1932 م عن تنازل الامير كمال الدين حسين عن عرش السلطنة، ولم تذكر المجلة سبب تنازل الأمير يوسف كمال عن لقبه ( كان الامير قد تزوج سيدة فرنسية سرا وإعترف قائلا ) ان القبلة من شفايفها تساوى الف عرش.
سر تنازل الأمير
وعن تنازل الأمير كمال الدين حسين ولي عهد سلطنة مصر وابن السلطان حسين كامل عن عرش مصر قال الدكتور ولاء الدين بدوي إن وراءه أسبابًا رومانسية ومشاعر صادقة وقصة حب حقيقية لسيدة فرنسية تدعي "مدام فيال ديمنييه".
وقد ظل السبب سرا لمدة 15 عاما إلى أن دخل الأمير كمال الدين حسين مستشفى الأنجلو أمريكان بالقاهرة، وكان في حالة صحية متدهورة وأصر الأطباء على بتر إحدى قدميه حيث كان مصابا بجلطة خطيرة في قدمه، ولكن الأمير طلب تأجيل العملية إلى حين يكتب وصيته التي أوصى فيها بقصره لزوجته ( نعمة الله ).
بعد إجراء العملية وقبل أن يتماثل للشفاء أصر على السفر إلى فرنسا رغم رفض الأطباء وسافر ضاربا بكل النصائح الطبية عرض الحائط، وتوفي هناك في 6 أغسطس 1932 بعد نحو 4 شهور من إجراء العملية. وبعد وفاته بدأ يتكشف سر تنازله عن العرش، حين أرسلت سيدة فرنسية تدعى فيال ديمنييه، تلغرافا إلى الملك فؤاد تخبره أنها زوجة كمال الدين حسين وأنجبت منه ابنًا وتبحث عن ميراثها هي وابنها، وكان الملك فؤاد قد ورث مليون جنيه عن الأمير كمال الدين حسين، حيث لم ينجب كمال الدين حسين من زوجته الأولى ( نعمة الله )، وكانت أصغر بنات الخديوي توفيق والتي توفيت عام 1955، كما جاء المحامي الفرنسي موكلا عن الزوجة الفرنسية مدام ( فيال ديمنييه )، وطلب مقابلة السلطان فؤاد وأخبره بزواج الأمير كمال الدين حسين من حبيبته الفرنسية مدام ( فيال ديمنييه ) في 5 مايو 1924، وأنها تعتبر الوريثة الوحيدة له بعد أن أنجبت منه ابنا.
ورفض الملك فؤاد الإعتراف بالزواج، وأخبر المحامي الفرنسي أنه لا يعترف إلا بالزواج الذي يقره مجلس البلاط الملكي وأي زواج سري لا قيمة له. ولكن المحامي الفرنسي لم يستسلم لما قاله السلطان فؤاد، وقرر اللجوء للمحاكم المختلطة بالإسكندرية ليطالب بميراث زوجة كمال الدين حسين التي تزوجها في فرنسا، وكانت المفاجأة حين تقدم المحامي بالخطابات الغرامية التي أرسلها ولي عهد السلطنة المصرية حينذاك إلى حبيبته الفرنسية، والتي يؤكد فيها أنه تنازل عن العرش من أجل أن يعيش عبدا لها.
كان الخطاب الأول في 3 أبريل عام 1915 وكتب لها، “أيتها الحلم ما أتعسني بعيدا عنك.. القصر الذي أعيش فيه أشد وحشة من كوخ صغير، المجد الذي حولي هو ذل وهوان بدونك.. إنني أكره كل شيء حولي لأنني لا أحب سواك، إن والدي السلطان حسين كامل عرض علي اليوم أن أكون ولي عهده.. أي سخافة هذه، إن معنى ذلك أن أفتقدك ولا أستطيع أن ألقاك كما أشاء وأين أشاء..، وحين قلت له ( لا )، ذهل ولم يفهم لأنه لا أحد في الدنيا يمكن أن يتخيل أن حبك عندي هو حلمي الوحيد في الحياة، حتى إنني بين ذراعيك أنسي أنني أمير وأشعر أنني عبد، أريد أن تنتهي الأزمة بيني وبين أبي لأحضر إليك، إن قيام الحرب لا يمنعني أن أترك مصر وأحضر إليك خصيصا لأعانقك”
توالت خطاباته الغرامية لها بعد ذلك والتي فسرت سر تنازله عن العرش وتهديده لوالده بالانتحار وإطلاق الرصاص على نفسه ، وسر سفره المفاجئ إلى فرنسا عقب الحرب العالمية الأولى.
توفي الأمير كمال الدين حسين بن السلطان حسين كامل بن إسماعيل باشا بن إبراهيم باشا بن محمد علي باشا والى مصر الكبير والاميرة عين الحياة ابنة الامير احمد رفعت باشا بن أبراهيم باشا بن محمد على باشا والى مصر الكبير فى 6 اغسطس عام 1932في تولوز في فرنسا عن عمر يناهز 58 عاما ، بسبب مضاعفات بتر ساقه ، وكانت رغبة الأمير كمال الدين الوحيدة أن يدفن في قبو بنيت خصيصا له في تلال المقطم بالقرب من سكن الدراويش فى مغارة كبيرة من طابقين خصصها الأمير لدفنه علي غرار مغارة الشيخ المغاوري او ضريح الشيخ عبد الله بكتاش المعروف باسم ضريح المغاورى ..وأقيمت له جنازة عظيمة بعد أن أعيد جثمانه على ظهر الباخرة " دارتينيان " من أوروبا وهى منكسة الأعلام ليدفن حسب وصيته ثم تنقلت رفات الأمير وعائلته الى مقابر الرفاعى