حروب الموساد السرية يعرض الأيام الأخيرة لمبارك ويكشف تفاصيل اغتيال عبد الناصر
يعرض تسجيلات المكالمات الهاتفية لعائلة مبارك في الأيام الأخيرة للنظام الأسبق
يكشف أسرارة مؤامرة اغتيال عبد الناصر وتفجير الإذاعة المصرية
يرصد أسرار عمليات الاغتيال التي قام بها الموساد
ويلقي الضوء على حقيقة قيام الموساد بتوفير الحماية لمسؤول جماعة الإخوان في ألمانيا وسر علاقة التيارات الإسلامية السنية في مصر بالوحدة 15 في المخابرات الإيرانية الفيفاك
في كتابه حروب الموساد السرية الصادر عن دار النشر الفرنسية نوفو-موند يقدم المؤرخ الفرنسى المتخصص فى أنشطة الاستخبارات ايفونيك دينويل، دليل لأهمية العمليات الاستخباراتية التي قامت بها الأجهزة الإسرائيلية ويكشف الستار عن كواليس العمل في هذا الجهاز الاستخباراتي.
الأصدقاء الفرنسيون
حمل الفصل الأول من الكتاب عنوان الأصدقاء الفرنسيون وتناول فيه الكتاب العلاقات الوثيقة التي جمعت بين فرنسا ودولة إسرائيل مؤكدا ان في الخمسينات من القرن الماضي كانت فرنسا وليس الولايات المتحدة الأمريكية الحليف الأقرب للدولة العبرية. في ذلك الوقت كان شيمون بيريز من الشخصيات المقربة من بن جوريون، وكان بيريز يلعب الدور الرئيسي في تحريك السفراء الرسميين من أجل التفاوض لشراء الأسلحة من أجل إسرائيل والتي لم تكن قد بدأت بعد مرحلة الاعتماد على العسكرية الأمريكية. كانت إسرائيل تشتري أغلب احتياجاتها العسكرية من فرنسا، وبفضل إجادته للغة الفرنسية كان شيمون بيريز مستقر في فرنسا ليدير عمليات شراء الأسلحة. كان بيريز في تكوين شبكة من العلاقات مع كبار المسؤولين في فرنسا وجمعته علاقة صداقة مع أيل توماي والذي كان يعمل مدير مكتب وزير الدفاع الفرنسي في حكومة بورجيه-مونوري، وقد توفى شقيق توماس الذي كان عضو في حركة فرنسا الحرة أثناء الحرب العالمية الثانية مما اكسب توماس تعاطف كبير من الحركة الصهونية العالمية ولهذا ساعد بيريز على اختراق الحكومة الفرنسية وتكوين شبكة من العلاقات القوية مع الكثير من المسؤولين الفرنسيين وبفضل هذه العلاقات اشترت إسرائيل من فرنسا طائرات ميراج ثلاثة وغيرها من المعدات العسكرية، كما تم تطبيق برنامج مشترك بين وزارة الدفاع الفرنسية والموساد الإسرائيلي من أجل استقبال الضباط الإسرائيلي في المدرسة العسكرية الفرنسية وبالقواعد العسكرية من أجل تلقي التدريب. ولم يتوقف نشاط بيريز في فرنسا على عقد الصفقات العسكرية، ولكنه في المقابل عمل على تكوين شبكة من العملاء الفرنسيين الغير يهود الذين يحتلون المناصب العليا وكان من ضمن هؤلاء العملاء بيار جويين القيادي في حزب تجمع الشعب الفرنسي والصديق المقرب من الرؤساء الفرنسيين شارل ديجول وفرانسوا ميتران.
هذه العلاقات الاستخباراتية بين فرنسا وإسرائيل سمحت للأخيرة بتنظيم تهجير اليهود من المغرب العربي عبر باريس، وقد التقي في 27 أبريل 1955 مدير مكتب الموساد في باريس إلياس ياكوف وكان اسمه الحركي جاك مع المفوض السامي الفرنسي في المغرب فرنسيس لاكوست واتفق الاثنيت على تهجير ما يقرب من 700 يهودي شهريا، وقد تضاعف هذا الرقم عشرات المرات حيث تشير الوثائق أن عدد اليهود الذين غادروا المغرب في الفترة من 1955 إلى 1956 قد وصل إلى 600 ألف شخص في الفترة ما بين 1955 إلى 1956. بعد ذلك أصدر الملك محمد الرابع قرار بإغلاق معسكرات التهجير مما دفع الموساد إلى العمل بشكل سري في تنظيم عمليات التهجير. بقدوم الملك حسن الثاني إلى الحكم في عام 1961 تغيرت الكثير من السياسات المغربية، وبحسب الكتاب بدأت مرحلة التعاون الاستخباراتي السري بين المغرب والموساد تحت إشراف السيديك أحد أجهزة الاستخبارات الفرنسية.
مؤامرة اغتيال عبد الناصر شكلت حرب تحرير الجزائر نقطة تحول جديدة في العلاقة بين فرنسا والموساد، وقد ركز هذا التعاون الفرنسي الإسرائيلي على مصر وجبهة التحرير الوطني الجزائرية. وكانت خطط المخابرات الفرنسية لاغتيال قادة جبهة التحرير قد صادفها فشل كبير، مما دفع جهاز المخابرات الحربية الإسرائيلية أمان إلى تقديم مساعدته إلى الفرنسيين باستخدام أحد مصادره القريبة من الثوار في تقديم معلومات دقيقة حول تحركات قادة جبهة التحرير الوطني. وبفضل المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية نجحت السلطات الفرنسية في اعتراض سفينة أتوس السودانية والتي كانت تحمل 70 طن من الأسلحة المتوجهة إلى الثوار في الجزائر، كما قامت المخابرات الفرنسي باعتراض طائرة بن بلا ورفاقه أثناء توجههم من المغرب إلى تونس. على ناحية أخرى قامت المخابرات الإسرائيلية بإرسال عمليها افرام بريسلي من أجل تجنيد وتسليح وتدريب اليهود الشباب من أجل محاربة جبهة التحرير الوطني.
وفي عام 1956 أصبحت مصر هي الملعب الجديد للتعاون الاستخباراتي بين إسرائيل وفرنسا. قبل حرب بورسعيد، خططت فرنسا لتدمير محطة الإذاعة المصرية بسبب قيامها بتشجيع الثورة الجزائرية، واعتمدت الخطة إلى قيام المخابرات العسكرية الإسرائيلية بإرسال 15 كيلو من المتفجرات في حقيبة إلي باريس ثم تم إرسال هذه المتفجرات في حقيبة دبلوماسية إلى سفارة فرنسا في القاهرة حيث كان ينتظرها عميل للمخابرات الإسرائيلية من أصل ألماني وصل للقاهرة باعتباره ممثل لشركة تليه فنكن الألمانية المتخصصة في البث الإذاعي. وبفضل هذا الغطاء نجح العميل الإسرائيلي في زيارة مبنى الإذاعة مما أتاح له الفرصة لكي يدرس المكان بشكل جيد ويحدد أفضل الأماكن لوضع المتفجرات. ولكن قبل تنفيذ العملية أعلن جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس لتتصاعد حدة التوتر السياسي ويصدر أمر نهائي بإلغاء العملية ومغادة عميل الموساد القاهرة. مع العدوان الثلاثي على بورسعيد من جانب فرنسا، بريطانيا وإسرائيل اتسع نطاق التعاون الاستخباراتي العسكري بين إسرائيل وفرنسا، ولكن العدوان انتهى بانسحاب الدول الثلاثة تحت ضغط أمريكي وسوفيتي وانتصار عبد الناصر.
بعد الانتصار أعلن جمال عبد الناصر استعداده لإلقاء خطبة في قلب بورسعيد، وكرد فعل على الهزيمة بدأ الموساد والمخابرات الفرنسية في التخطيط لعملية اغتيال لعبد الناصر أثناء القاء هذه الخطبة. اعتمدت الخطة على قيام ثلاثة من عملاء موساد بعبور قناة السويس ليلا ومعهم متفجرات تي ان تي على أن يسقبلهم فريق عمل من المخابرات الفرنسية في سيارة جيب قبل أن ينتقلوا جميعا ليلا إلى بورسعيد. المشكلة الوحيدة التي حالت دون تطبيق هذه الخطة هو أن عبد الناصر لم يأتي إلى بورسعيد من أجل القاء الخطبة التي أعلن عنها،ثم تم إلغاء العملية بعد ذلك بسبب الخوف من حجم الضحايا من المدنيين. إلغاء هذه العملية لا ينفي حقيقة أن الموساد خطط كثير لاغتيال جمال عبد الناصر ولكن هذه الخطط لم تصل إلى حيز التنفيذ النهائي، أما فيما يتعلق بمتفجرات التي ان تي فقد ظلت مدفونة في بورسعيد لعدة سنوات.
عملية جبل كا كا
أما علاقة المخابرات الأمريكية مع الموساد الإسرائيلي فقد احتلت الفصل الثاني من الكتاب، وبدأت بشكل جدي في النصف الثاني من خمسينات القرن الماضي من خلال عمليات يقوم بها الموساد لصالح امريكا في المناطق التي تواجه فيها المخابرات الأمريكية بعض الصعوبات، أو في المناطق التي لا تريد المخابرات الأمريكية التورط فيها بشكل مباشر. تم هذا التعاون في إطار ما عرف بأسم برنامج جبل كا كا وتضمنت المرحلة الأولى من هذا البرنامج تعاون الموساد مع المخابرات التركية لصالح الشرطة السرية لشاه إيران السافاك في نهاية عام 1958. استهدف هذا التعاون تقديم معلومات وتسليح الشرطة الإيرانية السرية وضمان لتبادل المعلومات الاستخباراتية بين مخابرات هذه الدول. هذا التعاون الاستخباراتي مهد لتعاون اقتصادي فيما بعد ثم لوجود عملاء على حدود الاتحاد السوفيتي. في مقابل الخدمات التي قدمها الموساد للولايات المتحدة على الجبهة التركية والإيرانية قامت امريكا بتقديم تمويل سري للموساد، وتراوحت الميزانية السنوية لهذا البرنامج ما بين 10 إلى 20 مليون دولار. وسمح برنامج جبل كا كا بتأسيس تحالف استراتيجي مع إيران وتركيا. كما استفاد من هذا التحالف الإيراني التركي رجل الأعمال الإسرائيلي القريب من الموساد ياكوف نيموردي والذي كان يجيد اللغة العربية وقام بالعديد من العمليات السرية لصالح الموساد في الأردن حيث التقى هناك بأرييل شارون وأصبح صديقا مقرب له. في الفترة من 1955 إلى 1968 تم تعيين ياكوف نيموردي كملحق عسكري في إيران، حيث كان مهندس العلاقة الاستخباراتية بين إسرائيل وطهران، كما ساهم في اشعال الغضب التركي ضد النظام العراقي بالتوافق مع المخابرات الأمريكية.
شكل عام 1966 بداية مرحلة جديدة للتعاون بين الموساد والمخابرات الأمريكية، حيث اقنع الموساد طيار سوري بالهرب بطائرته ميج 21 إلى إسرائيل، مما أتاح الفرصة لأمريكا للقيام بدراسة عميقة للطائرة السوفيتية الصنع. وبفضل هذه العملية امتلكت إسرائيل المعلومات الكافية التي ساعدتها للتفوق في مجال الطيران العسكري في حرب 1967، وبعد انتصار إسرائيل تغيرت شكل العلاقة بين إسرائيل وأمريكيا، فقد تحولت إسرائيل من مجرد معاون لأمريكا إلى حليف استراتيجي لأمريكا.
الملعب الأفريقي
كانت أفريقيا ملعب واسع للمخابرات الإسرائيلية وبحسب الكتاب فأن اثيوبيا كانت مركز مهم للهذه العمليات الإسرائيلية منذ الستينات والسبعينات من القرن الماضي. شهدت أثيوبيا تأسيس إسرائيل لشركة استيراد وتصدير تحمل اسم إنكودا والتي تعد القاعدة الأساسية لعمليات الموساد في أفريقيا، حيث كانت الشركة تستخدم كغطاء لكافة عمليات الموساد بدءا من عمليات بيع الأسلحة إلى ارسال العملاء في مختلف الدول العربية. مع اتساع نطاق حركات الاستقلال في القارة السمراء زادت مخاوف الولايات المتحدة من اتساع المعسكر الشيوعي في الدول المستقلة حديثا، وكان لتواجد المستشارين الإسرائيليين سواء العسكريين أو الزراعيين في تلك الدولة دورا كبيرا في مساعدة أمريكا على الحد من النفوذ السوفيتي في الدول الأفريقية. وقد امتد نفوذ الموساد في العديد من الدول الأفريقية مثل السنغال، كوت ديفوار، روندا، أوغندا، وزائير حيث كان يتم استقبال الإسرائيلين بأذرع مفتوحة.
أشرف مروان
بعد استعراض دور الموساد في أفريقيا، تعرض الكتاب لحرب أكتوبر 1973 وذلك تحت عنوان احتمال ضعيف للحرب . بحسب الكتاب، قبل 36 ساعة من بدأ الهجوم المصري تلقت المخابرات الإسرائيلية معلومة من مصدر على درجة عالية من الأهمية، وهي المعلومة التي كان من الممكن أن تغير مجريات الأمور تماما. في 5 أكتوبر وفي تمام الثانية ونصف صباحا، تم ايقاظ رئيس الموساد زفي زامير من النوم لإبلاغه برسالة طارئة ارسالها واحد من أهم عملاء الموساد. تضمنت الرسالة كلمة واحدة ألا وهي تسنون وكان ذلك هو الكود المستخدم للإشارة لوقوع حرب وشيكة. أبلغ زامير عدد من العاملين معه ونظيره في المخابرات العسكرية إيلي زيرا، واتفق الاثنين على عدم إبلاغ جولدا مائير رئيسة الوزراء على الفور، فقد كانت المعلومة ينقصها تحدد الميعاد والمكان بدقة.
قرر زامير السفر سريعا إلى أوربا من أجل مقابلة صاحب الرسالة، وكان مدير مكتب زامير قد وصف هذا العميل بأنه واحد من أفضل العملاء الذين يمكن أن تحظى به دولة في حالة حرب ، وأضاف أنه يمكن وصفه بالعميل المعجزة. في الفترة ما بين منتصف الليل والواحدة صباحا من يوم السبت اتصل زامير برئيس المخابرات العسكرية زيرا وأبلغه بأن الهجوم سوف يشن في نفس اليوم قبل غروب الشمس. ولكن زيرا تردد قبل أن يقوم بالفعل بالإفصاح عن هذه المعلومة في الثالثة وخمسة وأربعين دقيقة صباحا ولكنه اخطأ في نقلها وأشار أن الهجوم سيكون وقت غروب الشمس. من جانبهم شكك القادة العسكريين الإسرائيليين في دقة هذه المعلومة، لأن نفس المصدر قد أبلغ في أكثر من مرة سابقة عن استعداد مصر لشن هجوم دون أن يحدث أي هجوم. وبحسب الكتاب قد يرجع ذلك إلى أن السادات كان ينوي بالفعل شن الحرب ولكنه كان يتراجع في اللحظات الأخيرة، أو أن هذا العميل كانت تصل إليه معلومات غير سليمة أو يتم التلاعب به.
من هو هذا العميل المعجزة؟ سؤال يطرحه الكتاب ويقدم اجابته مؤكد أن العميل الذي سافر رئيس الموساد زامير لمقابلته في بريطانيا لم يكن سوى أشرف مروان صهر عبد الناصر ومستشار أنور السادات، واسمه الحركي ملاك . ويضيف الكتاب أن مروان عرض خدماته على الموساد في عام 1969، وكان لديه قدرة على الوصول إلى معلومات شديدة الأهمية في الحكومة المصرية وكانت هذه المعلومات تصل إلى إسرائيل فور صدروها، كما قدم لإسرائيل معلومات عن ترتيبات المعركة التي يحضرها الجيش المصري، والتبادلات الاستراتيجية ما بين مصر والسوفيت.
لم يتوقف الأمر عند أشرف مروان الذي حذر إسرائيل من استعداد مصر لشن حرب قبل يوم واحد من حرب أكتوبر، ولكن أحد المحللين بالمخابرات الأمريكية يدعي فريد فاير قام بدراسة حول قيام مصر بشراء كميات من الجسور المتحركة، واستنتج في تحليله أن مصر تستعد لشن هجوم على إسرائيل، وتضمنت دراسته تحليل لعدد الجنود المصريين القادرين على عبور الجسر خلال أول أربعة وعشرين ساعة. لم يلفت هذا التقرير انتباه قادة فاير في المخابرات الأمريكية ، لكن عندما شنت مصر حربها في أكتوبر كان هذا التقرير هو أهم المعلومات الاستخباراتية التي تملكها المخابرات الأمريكية عن الوضع في مصر، وقد تم تقديم هذا التقرير إلى البيت الأبيض حتى يستطيع الرئيس الأمريكي متابعة ما يحدث على أرض الواقع.
وبحسب الكتاب فأن هنري كسنجير كان قد تم ابلاغه من قبل الملك حسين العاهل الأردني و كذلك من مبعوث للرئيس المصري أنور السادات أن الدول العربية تستعد لشن هجوم على إسرائيل، ويبقى السؤال لماذا لم يتحرك كسينجر بناء على المعلومات التي وصلت إليه، خاصة وأن إدارة نيكسون تعد أكثر الإدارات الأمريكية حرصا على المصالح الإسرائيلية ، بحسب الكتاب قد يرجع ذلك إلى حرص نيكسون على عدم الدخول في مواجهة مع الاتحاد السوفيتي من جهة، ورغبته من جهة أخرى إلى الوصول لمرحلة يمكن فيها عقد مصالحة بين مصر وإسرائيل ودفع مصر خارج المعسكر السوفيتي.
في 9 أكتوبر كان السفير الإسرائيلي في واشنطن يتعرض لضغوط كبيرة من رئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائير التي تحدثت مرتين مع هنري كسنجير وأبلغته أن إسرائيل معرضة لهزيمة ساحقة إذا لم تتدخل الولايات المتحدة وتقدم لها يد المساعدة. خلال أول 62 ساعة من بدء الحرب كانت إسرائيل قد فقدت بالفعل 49 طائرة مطاردة وما يقرب من 500 دبابة وكانت إسرائيل تريد استخدام السلاح النووي ضد مصر.
الإخوة الأعداء
على الرغم من علاقة الصداقة والتعاون المشترك التي جمعت بين الموساد والمخابرات المركزية الأمريكية إلا أن هذه العلاقة شهدت عدد من الخلافات والتوترات ترجع أغلبها إلى تأسيس وزارة الدفاع الإسرائيلية لمكتب العمليات الخاصة والذي عرف بأسم لاكام ، وقد تأسس المكتب على يد شيمون بيريز في عام 1957 لمساعدة وزارة الدفاع في عمليات التسليح، وكان المكتب يمتلك شبكة واسعة من العملاء الذين يعملون في مجال البحث العلمي المنتشرين في كل دول العالم من الولايات المتحدة إلى اليابان مرورا بمختلف الدول الأوربية. كانت المهمة الرئيسية لهؤلاء العملاء هي مراقبة أي تطورات علمية جديدة ورصد أي فرصة من الممكن أن تستفيد منها الدولة العبرية. ولكن في السبعينات من القرن الماضي لاحظ عملاء المباحث الفيدرالية زيادة حجم الزيارات التي يقوم بها العلماء ورجال الأعمال الإسرائيليين إلى الأراضي الأمريكية ، مما دفع الاف بي اي إلى اتخاذ قرار بإخضاع عدد منهم للمراقبة وذلك ضمن برنامج عرف بأسم سكوب . لم تقم المباحث الفيدرالية بإبلاغ المخابرات المركزية الأمريكية عن هذا البرنامج بسبب العلاقة القوية التي تربط بين الموساد والسي اي ايه. أحد أهم العملاء الأمريكان الذين عملوا لصالح لاكام كان موظف في البحرية الأمريكية يدعى جوناثان بولارد وهو أمريكي يهودي التقي أثناء دورة تعليمية في نيويورك بضابط في سلاح الطيران الإسرائيلي وعرض عليه معلومات تهم الدفاع الإسرائيلي ولكن الولايات المتحدة تحتفظ بها لنفسها. وقد سلم بولارد لإسرئيل كم كبير من المعلومات العسكرية السرية بشأن الشرق الأوسط والتسليح الأمريكي وغيرهم من المعلومات الهامة. نشاط بولارد جذب إليه الأنظار وبدأت المباحث في الفيدرالية في ملاحقته مما دفعه إلى الذهاب لسفارة إسرائيل لطلب حق اللجوء، ولكن الضابط المسؤول عن الأمن في ذلك اليوم لم يكن يعرف بولارد ورفض السماح له بالدخول للسفارة، وعند خروجه من مبنى السفارة وجد المباحث الفيدرالية في انتظار حيث ألقي القبض عليه. نتيجة هذه الفضيحة السياسية والإعلامية التي نتجت عن هذه القضية في نهاية عام 1985، أعلنت الحكومة الإسرائيلية حل مكتب العمليات الخاصة لاكام. بحسب الكتاب فأن لاكام استمر في العمل ولكن بشكل أكثر سرية ودون أن يلفت الانتباه، ووفقا لهيئة مكافحة التجسس الأمريكية بلغ عدد العملاء الإسرائيلين في الولايات المتحدة في فترة الثمانينات من القرن الماضي ما يقرب من 35 عميل في واشنطن، نيويورك، ولوس انجلوس.
باريس عاصمة الاغتيالات
يتعرض الفصل الرابع للكتاب لعمليات الاغتيال التي قام بها جهاز الموساد في أوربا بشكل عام وفي باريس بشكل خاص. بدأ الكاتب ايفونيك دينويل هذا الفصل بالإشارة أن باريس تحولت إلى عاصمة عربية بسبب سياسة شارل ديجول الشهيرة نحو العالم العربي والتي تبناها الرؤساء الفرنسيين من بعده، وبفضل ارتفاع أسعار البترول في السبعينات من القرن الماضي والذي افرز طبقة من رجال الأعمال المهووسين بطابع الحياة الباريسية. في هذا الفصل يتعرض الكتاب لأهم الاغتيالات التي قام بها الموساد في القارة العجوزة، كما يستعرض كيف تعاون الموساد مع المخابرات الفرنسية من أجل مراقبة الجماعات الفلسطينية في أوربا. وإذا كان هذا الفصل يركز على اغتيالات الموساد إلا أنه يبدأ باستعراض الدور الذي قام به الموساد في منع بعض عمليات الاغتيالات التي كانت تعد لها الأنظمة العربية وعلى رأسها النظام السوري. بحسب الكتاب فأن عملية اغتيال صلاح البيطار رئيس الوزراء السوري الأسبق والمعارض لنظام الأسد في باريس في 21 يوليو1980 لفتت أنظار جهاز الموساد إلى عمل النظام السوري في أوربا. هذه العمليات السورية السرية كانت من تخطيط رفعت الأسد شقيق الرئيس السوري حافظ الأسد وذلك بمساعدة القائد علي حسن الملحق العسكري في السفارة السورية بباريس. بالتعاون بين المخابرات الفرنسية والموساد تم ايقاف مثل هذه العمليات التي كان يتم التخطيط لها، ومنها ابلاغ المخابرات البريطانية بخطة لاغتيال الملك حسين أثناء زيارته لبريطانيا، وقد تحركت المخابرات البريطانية وقامت بالقبض على القائد السوري المكلف بعملية الاغتيال. وبحسب الكتاب كانت سوريا تخطط لاغتيال مسؤول تنظيم الإخوان المسلمين في ألمانيا ولكن الموساد نجح في ابلاغ السلطات الألمانية التي حالت دون تنفيذ المخطط.
ومن أشهر عمليات الاغتيال التي قام بها الموساد في باريس، عملية اغتيال محمود همشري ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في فرنسا والذي كان يعيش في باريس مع زوجته الفرنسية آن ماري وطفلتهما الصغيرة، و قامت وحدة كيدون التابعة للموساد بمراقبة منزل عائلة همشري، وانتحل احد أفراد هذه الوحدة صفة صحفي إيطالي وطلب مقابلة همشري، وعندما ذهب همشري لمقابلته صعد عدد من أفراد الوحدة وقاموا بزراعة قنبلة في مكان الهاتف، وعندما عاد همشري إلى المنزل قام أحد افراد الوحدة بالاتصال بالهاتف وعندما رفع همشري السماعة انفجرت القنبلة لتصيبه بجروح بليغة وقد مات في المستشفى متأثرا بجراحه. كما قام الموساد باغتيال عبدالله الحير عضو منظمة التحرير وذلك بتفجير غرفته في إحدى فنادق نقوسيا التي كانت ملعب للصراع بين المخابرات الإسرائيلية ومنظمة التحرير الفلسطينية.
علماء مصر
أحد أكبر الهواجس التي تسيطر على العقلية الإسرائيلية هو ضمان احتكارها للسلاح النووي في الشرق الأوسط. أكبر تهديد لهذا الحلم كان المفاعل النووي العراقي والذي يعد ثمرة للتعاون النووي بين فرنسا والعراق. بحسب الكتاب لم يكتفي الموساد بتدمير المفاعل العراقي من خلال فريق من العملاء الإسرائيليين الذين تسللوا إلى الأراضي العراقية ضمن مجموعة سياحية، ولكن قام الموساد ايضا بممارسة حرب نفسية ضد كل العلماء الفرنسيين الذين كانوا على استعداد للتعاون مع العراق. تضمنت هذه الحرب النفسية مكالمات تليفونية لتهديد العلماء وكذلك تفجيرات أمام منازل البعض لإثارة مشاعر الرعب والخوف.
وارتبطت الحرب الإسرائيلية ضد المشروع النووي العراقي بعملية اغتيال عالم الفيزياء المصري الدكتور يحي المشد الذي عثر على جثته في 14 يونيو 1980 بفندق الميريديان في باريس. اكشفت عاملة الغرف الفرنسية جثة الدكتور المصري الذي كان يعد الرجل الأهم في مشروع المفاعل العراقي. وبحسب الكتاب فأن عملية اغتيال يحي المشد تتشابه كثيرا مع عمليات الاغتيال للعلماء الألمان الذين كانوا يتعانوا مع النظام المصري في الستينات في مشروع تطوير الصواريخ المصرية. ووفقا للسلطات الفرنسية فأن هناك فتاة ليل تواجدت في غرفة الدكتور يحي المشد وعندما غادرت الغرفة دخلها شخص ويبدو انه هو من قام بعملية الاغتيال، وقد تعرفت عاملة التنظيف على هذا الشخص وتأكدت السلطات الفرنسية أنه من الشخصيات التي تعمل في السفارة الإسرائيلية. لكن المعلومات التي توصلت إليها الشرطة الفرنسية لم تكن كافية من أجل التقدم بطلب لرفع الحصانة عن هذا الشخص واستجوابه، ولهذا قررت الشرطة الفرنسية التركيز في عملية البحث على فتاة الليل، ولكن قبل الوصول إليها كانت الفتاة قد لقت حتفها في حادثة سيارة، وعثرت الشرطة الفرنسية في مفكرة الفتاة الخاصة على رقم هاتف السفارة الإسرائيلية. كانت تلك المعلومات كافية لفضح تورط السفارة الإسرائيلية في عملية اغتيال الدكتور المشد، ولكن لم يرغب الرئيس الفرنسي في ذلك الوقت جيسكارد ووزير خارجيته جون فرنسوا بونسيه في صنع أزمة دبلوماسية مع إسرائيل.
في أعقاب اغتيال المشد قررت السلطات الفرنسية تشديد الرقابة على العلماء المصريين ومنهم عالم الفيزياء عبد الرشيد، ونجحت السلطات الفرنسية في منع الموساد في إعادة تنفيذ عملية المشد ضد الدكتور رشيد مما دفع الموساد إلى تبني أسلوب جديد وقامت باغتياله بالسم.
بحسب السلطات الفرنسية فأن عملية اغتيال المشد وتسميم الرشيد تمت تحت إشراف الفتاة الشابة الإسرائيلية تسيبي ليفني التي أصبحت فيما بعد وزيرة خارجية إسرائيل وزعيمة حزب كاديما، وبحسب جون باكلوتي والذي كان يعمل كنائب لرئيس الاستخبارات الفرنسية، فأن الشخص الذي خرج من غرفة المشد وتعرفت عليه عاملة النظافة لم يكن شخص غريبا عنه، هذا الشخص لم يكن سوى تسيبي ليفني التي كانت تعمل كحارسة شخصية له أثناء زيارته لإسرائيل. في حوار أجرته ليفني عام 1995 مع صحفي إسرائيلي ولم ينشر إلا في عام 2009 بسبب الرقابة العسكرية، اعترفت ليفني بأنها عملت لمدة أربع سنوات في وحدة بايونيت المتخصصة في عمليات الاغتيال. إلى جانب اغتيال العلماء المصريين شاركت ليفني في عملية اغتيال مريش مأمون مسؤول منظمة التحرير الفلسطينية في أثينا والذي تعرض لإطلاق النار عليه من قبل اثنين يستقلان موتوسيكل.
فتح، حزب الله وحماس
خصص الكتاب فصل للحديث عن منظمة فتح، وآخر لاستعراض الحرب مع حزب الله و ثالث للحديث عن منظمة حماس. يركز الفصل الخاص بمنظمة فتح على عمليات الاغتيال التي قام بها الموساد ضد قيادات المنظمة والحرب الشرسة التي شنت ضد قيادات حركة التحرير الفلسطينية. في هذا الاطار يشير الكتاب إلى قيام الموساد بتأسيس وحدة اغتيالات خاصة للقيادات الفلسطينية حملت أسم سيزارا أو القيصرية. تولت هذه الوحدة تنفيذ العديد من عمليات الاغتيال منها على سبيل المثال عملية اغتيال القيادي في حماس فتحي الشاكي عام 1995 والذي كان مسافر إلى ملطة مستخدما أسم مستعار، وأثناء خروجه من الفندق أطلق عليه عملاء الوحدة سيزارا خمسة طلقات رصاص. كما كشف الكتاب عن تفاصيل عملية اغتيال علي حسن سلامة والذي منحته رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولد مائير لقب الأمير أحمر، وكان سلامة واحدة من أهم مهندسي العمليات ضد إسرائيل و قد حاولت المخابرات الإسرائيلية اغتياله كثيرا إلى أن نجحت في اغتياله في نهاية السبعينات عن طريق تفجير سيارته أمام منزل زوجته ملكة جمال الكون اللبنانية جورجينا رزق، وذلك بعد أن نجحت إريكا عملية الموساد في انتحال شخصية سيدة بريطانية وقامت باستئجار منزل بالقرب من منزل سلامة ونجحت في رصد كل تحركاته ومعرفة مواعيد خروجه وعودته للمنزل.
في الفصل الخاص بحزب الله يشير الكتاب أن في بداية تأسيس حزب الله في لبنان، لم تعطي له المخابرات الإسرائيلية أو الأمريكية تلك الأهمية الكبيرة، وكانت إيران قد قررت في أعقاب الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، تأسيس ميليشية شيعية بهدف إشعال ثورة إسلامية في لبنان، وقدمت إيران بحسب الكتاب 10 ملايين دولار شهريا من أجل تدعيم هذه المليشية الجديدة حيث كان يتم تجنيد أعضائها ومنح كل عضو مرتب شهريا كبير يكفي لإعالة عائلته بالكامل. من جانبها تمتعت سوريا بسيطرة وتأثير كبير على المليشية الجديدة. أحد أهم العمليات التي قام بها جهاز الموساد ضد حزب الله كانت عملية مطاردة القيادي عماد مغنية. يشير ملف مغنية في الموساد أنه ولد في عام 1962 في قرية صغيرة بجنوب لبنان في منطقة كانت تمثل محور للمخيمات اللاجئين الفلسطينين، وأنضم مغنية في نهاية السبعينات إلى منظمة فتح، ولكن عندما انتقلت المنظمة إلى تونس عام 1982 فضل مغنية البقاء في لبنان وذلك بعد أن التقى في مدينة بعلبك بمبعوث للحرس الثوري الإيراني حمل أسم حركي هو الشيخ حسين. في هذا اللقاء عرض الشيخ حسين على مغنية فكرة أن يصبح ضابط في الحرس الجمهوري الإيراني ولكن بشكل سري، والانضمام لحزب الله وتولي قيادة وحدةعمليات خاصة تحت أسم حراس الأمن تتولى القيام بعمليات عسكرية عالية المستوى ضد الغرب بشكل عام وإسرائيل بشكل خاص. لم يتردد مغنية في قبول العرض الإيراني. وفي منتصف عام 1983 أصبح حزب الله من المنظمات التي تحتل أهمية كبيرة لدى الموساد والمخابرات الأمريكية، وانضم مغنية لقائمة أكثر الشخصيات المطلوب القبض عليها في المباحث الفيدرالية الأمريكية. قضت الموساد 25 عاما في مطاردة مغنية قبل أن تنجح في اغتياله، ويصفه الكتاب بأنه كان باختصار فنان، اسوأ عدو يمكن أن تحظى به إسرائيل، فهو شخصية ذات تفكير استراتيجي، مبدع، مدمر، قاسي، ومن غير الممكن التنبأ بخطواته. بحسب الكتاب فأن حزب الله على العكس من فتح يتمتع بقدر كبير من الانضباط والشدة ومن الصعب اختراقه، كما يتم تجنيد أعضائه بناء على اعتبارات عائلية وقبلية ودينية لضمان الولاء. ولم يكن مغنية يمنح ثقته لأي شخص، وكان يغير خططه ومحل اقامته بشكل دائم، حتى الدائرة المحيطة به من المساعدين كانت دائما التغير. بمرور الوقت وبفضل الدعم الإيراني نجح حزب الله في تطوير إمكانياته العسكرية. وقف الموساد عاجز عن اختراق أسوار حزب الله، ولهذا تمت الاستعانة بوحدة 504 وهي وحدة استخبارات عسكرية عالية مستوى كانت تعمل في جنوب لبنان ونجحت في تجنيد أحد أعضاء حزب الله، ولكن بفضل إجراءات المراقبة الصارمة التي فرضها حزب الله لم ينجح هذا العميل سوى في تسريب عدد قليل من المعلومات. وفقا لديفيد باركي الضابط السابق في وحد 504 فأن هذا المصدر قدم للوحدة معلومات بشأن التخطيط لعملية اختطاف ويليام بكلي مدير مكتب المخابرات المركزية الأمريكية في بيروت في مارس 1984، وقامت الوحدة بتبليغ الموساد من أجل تحذير المخابرات الأمريكية، ولكن بسبب التنافس القديم بين المخابرات العسكرية وبين الموساد قرر الأخير عدم نقل هذه المعلومة باعتبارها معلومة مشكوك في صحتها. وقد قام حزب الله بالفعل باختطاف ويليام بكلي الذي توفي وهو في قبضة حزب الله بعد أن أفشى عن الكثير من المعلومات المهمة بشأن المخابرات الأمريكية.
كما استعرض الكتاب في هذا الفصل العلاقة التي جمعت بين حزب الله وتنظيم القاعدة. بحسب الكتاب فأن المخابرات الإسرائيلية لاحظت في الثمانينات تقارب بين الحركات الإسلامية السنية في مصر وبين الوحدة 15 في المخابرات الإيرانية الفيفاك ، وكان أيمن الظواهري هو حلقة الوصل التي رصدها الموساد بين الحركة الإسلامية في مصر وإيران. استخدم الظواهري الأسلحة التي حصل عليها من إيران في شن هجماته ضد مصر في التسعينات من القرن الماضي. كما اعتبر الموساد أن محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في أديس أبابا عام 1995 هي نقطة تحول في طبيعة عمل الجماعات المتطرفة الإسلامية، فهذه العملية كانت تعكس درجة عالية من التخطيط والإمكانيات. في ذلك الوقت كان أيمن الظواهري قد أصبح الطبيب الشخصي لأسامة بن لادن، وفي عام 1998 انضمت جماعة الظواهري بشكل رسمي لتنظيم القاعدة، واستمر الظواهري في لعب دور حلقة الوصل مع إيران وحزب الله، وكان الظواهري هو من رتب لزيارة مغنية للسودان في عام 1995 للاستفادة من الإمكانيات العسكرية لحزب الله. دفعت هذه العلاقة بين التنيظم السني والمليشية الشيعية الموساد إلى تأسيس وحدة خاصة حملت اسم الجهاد العالمي من أجل مطاردة أعضاء هذه التنظيمات.
أحد أهم العمليات التي أتاحت الفرصة للموساد من أجل اختراق تنظيم القاعدة كانت عملية تجنيد سكرتيرة شابة تعمل في إحدى شركات بن لادن للبناء في السودان، وكانت الفتاة تنتمي لدولة عربية يتعاون جهاز مخابراتها مع الموساد. تعاون جهازي المخابرات في تنفيذ خطة لتجنيد هذه الفتاة بدأت بالضغط على عائلة الفتاة في الدولة العربية من أجل مطالبتها بالعودة إلى وطنها وزيارة عائلتها، وفي مقابل خدمات تقدم لعائلتها وافقت الفتاة على جمع معلومات عن أسامة بن لادن لصالح بن لادن. وقد تم ايقاف هذه العملية بعد وقوع خلافات بين الموساد وجهاز المخابرات الخاصة بهذه الدولة العربية.
بعد أحداث 11 سبتمبر تم قطع العلاقات بين حزب الله والقاعدة، وحرصت إيران على الحفاظ على مسافة تفصل عن تنظيم بن لادن، ولكن على الرغم من عدم وجود دليل على تورط إيران في أحداث 11 سبتمبر إلا أن العديد من أجهزة المخابرات لاحظت الزيارات المتكررة التي قام بها سيف العدل أحد أبناء بن لادن لإيران، والزيارات العديدة التي قام بها أعضاء القاعدة بما في ذلك أيمن الظواهري لإيران في الفترة من عام 2001 إلى 2003.
رجال أعمال الموساد
علاقة متشبعة الخيوط ربطت بين الموساد وعدد رجال من الأعمال من مختلف أنحاء العالم، وعن تلك المصالح المشترك بين عالم المال ودنيا الاستخبارات تناول الفصل الثامن الكتاب أهم رجال الأعمال والشركات العالمية الذين ارتبطوا بالموساد.
يفتتح الكاتب هذه الفصل بقصة شراء الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي لطائرة خاصة من شركة زيمكس السويسرية ، وكانت هذه الشركة متخصصة في بيع الطائرات لرؤساء وملوك في مختلف أنحاء العالم وبشكل خاص في العالم العربي. وقد نجح الموساد في تجنيد مدير عام هذه الشركو هانز زيجلير والذي كان عميل مخلص لإسرائيل وقام بتركيب ميكروفونات تسجيل في طائرة القذافي وفي طائرات العديد من أمراء الدول العربية مما وفر لإسرائيل مصدر هام للمعلومات. ويعتبر الموساد هذه العملية واحدة من أكثر عملياته نجاحا. شركة طيران أخرى كانت تقوم بنفس الدور الذي تقوم شركة زيمكس السويسرية ولكن هذه المرة كانت الشركة إسرائيلية وهي شركة اتاسكو والتي قامت ببيع طائرات بوينج 707 لرئيس أوغندا عيدي أمين دادا، وتعود ملكية شركة اتاسكو إلى رجل الأعمال الإسرائيلي شاؤول إيزنبرج والذي كان يتعاون مع المخابرات الإسرائيلية في عمليات بيع الأسلحة.
بحسب الكتاب فان رجال أعمال الموساد لم يكونوا فقط عملاء سابقين اتجهوا إلى عالم المال وقرروا الحفاظ على علاقتهم بجهازهم السابق ولكن أيضا رجال أعمال عاديين تعاونوا مع الموساد في إطار تبادل للخدمات. ويكتسب رجال الأعمال أهمية خاصة لأنهم قادرون على الذهاب إلىى حيث لا يستطيع العملاء العاديين، والأكثر نفوذا منهم كان يلتقوا برؤساء الدول وكبار المسؤوليين.
أحد أهم رجال الأعمال الذي يستعرض الكتاب علاقته بالموساد كان رجل الأعمال الأمريكي اليهودي مارك ريش والذي وصفه الكتاب بأمير الظلام. ولد ريش في عائلة يهودية في بلجيكا وهاجر مع عائلته إلى أمريكا في ربيع 1940، وفي شبابه بدأ في العمل في مجال التجارة الدولية ونجح في تأسيس ما يعرف في تاريخ اقتصاد العالم بالسوق الفورية أو مارشيه سبوت. حتى الستينات من القرن الماضي كان سوف البترول يدار من خلال عقود طويلة الأجل بين الدول والشركات، ولم يكن هنك سوى سبع شركات كبرى هي من تتحكم بشكل فعلي في أسواق البترول. بدأ مارك ريش في محاولة كسر هذا الاحتكار مع قيام الثورة الكوبية، في ذلك الوقت كان ريش مجرد موظف في شركة الأشقاء فيليب عندما قرر الذهاب إلى كوبا وتقابل مع فيدل كاسترو وجيفارا الذي كان يشغل في ذلك الوقت منصب وزير الطاقة، وعرض عليهم استغلال مصادر التعدين لديهم في مقابل أعطائهم اموال نقدية كانت الثورة الكوبية في حاجة إليها. في تلك الفترة قامت العديد من الدول بتأميم صناعة البترول وبدأ ريش في العمل مع هذه الدول من أجل بيع منتجاتهم البترولية، وكان ريش وسيط بين أطراف لا تتعامل بشكل رسمي مع بعضها البعض.
في عام 1965 زارت جولدا مائير وكانت في ذلك الوقت وزيرة خارجية إسرائيل سرا إيران، وعرضت على الشاه الاشتراك في خط أنابيب، وقد وافق الشاه على العرض الإسرائيلي على شرط أن يتم تنفيذ خط الأنابيب بشكل سري حتى لا يؤثر سلبا على علاقته بالدول العربية. بالفعل تم تأسيس شركة البترول ترانس-اسياتيك في سويسرا، على السطح كانت ترانس اسياتيك شركة إيرانية خالصة ولكن في الواقع كانت إسرائيل تمتلك 90% من هذه الشركة. وبشكل موازي لتأسيس هذه الشركة بدأ مارك ريش في عقد صفقات مع النظام الإيراني لبيع البترول الذي يتم نقله عبر خط الأنابيب، وحصل ريش على ما يقرب من 60 إلى 70 مليون برميل سنويا. في تلك الفترة بدأت علاقة الموساد برجل الأعمال الأمريكي مارك ريش والذي أسس شركة خاصة به في سويسرا بفضل عقوده مع إيران.
مع قيام الثورة الإيرانية، شعر مارك ريش أن علاقته مع إيران في طريقها للانهيار لهذا سارع بالسفر إلى طهران ونجح في اقناع المسؤولون في الثورة الإيرانية بعدم التخلي عن العقود المبرمة في عهد الشاه بالفعل استمرت إيران في علاقتها بمارك ريش. في المقابل لعب ريش دور كبير في خدمة إسرائيل وكان يمدها بكل احتياجاتها من البترول حتى في أصعب الأوقات، لتعتمد إسرائيل بشكل كامل على البترول الإيراني بفضل ريش الذي نجح في تكوين شبكة معقدة لإخفاء حقيقة أن إسرائيل تشتري جزء كبير من البترول الإيراني وبأسعار أفضل من أسعار السوق. في هذا الاطار يشير إيفانير أزوالي الضابط السابق في الموساد والذي تم اختياره للعمل كحارس شخصي لمارك ريش إلى أن إسرائيل تدين لريش بفضل كبير. وقد وصلت حجم أعمال شركة ريش في الثمانينات من القرن الماضي إلى 17 مليار دولار، وصلت حجم أرباحه الصافية 260 مليون دولار. وفي التسعينات امتدت أعماله لتشمل 128 دولة بحجم أموال تصل إلى 30 مليار دولار.
لعب ريش دور في مصر بالثمانينات من القرن الماضي. بعد مقتل عدد من السياح الإسرائيليين على يد مجند مصري في سيناء، طالبت عائلات الضحايا الإسرائيليين بتعويضات مالية هائلة من الحكومة المصرية التي لم تظهر أي استعداد للتوصل إلى اتفاق في هذه القضية. أرادت الولايات المتحدة الأمريكية حل هذه القضية بشكل سريع حتى لا توتر العلاقات بين مصر وإسرائيل. وعرضت أمريكا تعويض على مصر من أجل حل هذه المشكلة، وقامت وزارة الخارجية بإرسال محامي ، وهو عضو سابق في فريق الدفاع عن الرئيس نيكسون، من أجل دراسة الحلول الممكنة للخروج من هذه الأزمة، وقد كان الحل في يد مارك ريش الذي عرض دفع 500 ألف دولار كتعويضات من أجل الخروج من هذه المشكلة.
امتدت خدمات ريش للدولة العبرية لتشمل الكثير من المهام خاصة في سوريا، إيران، ودول الخليج العربي. علاقات ريش على سبيل المثال ساعدت إسرائيل في استرجاع الجنود الإسرائيليين المسجونين سواء في إيران أو سوريا. وبفضل نفوذ ريش بالعديد من الدول نجحت إسرائيل في إخلاء رعاياها بأي دولة تشهد إضطرابات، وكان ريش يوفر للأجهزة الإسرائيلية الدعم المالي واللوجيستي للقيام بعمليات الإخلاء كما حدث في أثيوبيا واليمن.
في مقابل هذه الخدمات الكبيرة لإسرائيل، قدمت الدول العبرية الكثير من الخدمات للرجل الأعمال الذي يعد واحد من أثرى أثرياء العالم. في عام 1983 اتهم النائب العام الأمريكي مارك ليش بواحد وخمسين جريمة من ضمنها جرائم تزوير وتهرب ضريب بقيمة 48 مليون دولار. أمام هذه الاتهامات قرر ريش الهرب إلى أوربا حيث استقر في سويسرا وأخذ يتنقل بين دول أوربا، وبفضل الحماية التي وفرها له جهاز الموساد فشلت كافة محاولات المباحث الفيدرالية للقبض عليه. كما لم يتردد رئيس الموساد شبتاي شافيت في عرض قضية مارك ريش على الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون ، كما تدخل شيمون بيريز أكثر من مرة لدى الإدارة الأمريكية من أجل العفو عن ريش. في عام 2001 وقبل مغادرته للبيت الأبيض أصدر بيل كلينتون قرار بالعفو عنه.
رجل أعمال أمريكي آخر خدم إسرائيل وكان عميل للمخابرات العسكرية الإسرائيلية، هذا الرجل هو ارنون ميلشان أحد أهم المنتجين في هوليوود وصاحب عدد من أشهر الأفلام مثل السيد والسيدة سميث لبراد بيت وانجلينا جولي. إلى جانب عمله السينمائي كان آرنون يعمل لصالح المخابرات العسكرية الإسرائيلية ويدير لصالحها الكثير من صفقات السلاح والتي كانت تتم عادة بشكل غير شرعي.
عائلة مبارك
يتطرق الكتاب في الأجزاء الأخيرة منه للحديث عن ثورات الربيع العربي. في الجزء المخصص لمصر، يشير الكتاب أن الوضع في مصر كانت مختلف عن تونس التي أطلقت الشرارة الأولى للثورات العربية، فقد كان للموساد علاقات قوية في تونس، أما في مصر فأن رئيس المخابرات المصرية عمر سليمان كان رجل يحظى بالاحترام والتقدير وكان يلعب دائما دور الوسيط والعالم ببواطن الأمور، وبحسب الكتاب فأن عمر سليمان كان يضع دائما المصلحة المصرية في المقدمة وكان حريصة على عدم المساس بمصر حتى عندما إضطرات المخابرات المصرية للتعاون مع المخابرات المركزية الأمريكية والموساد من أجل مكافحة الإرهاب.
وكشف الكتاب عن قيام جهاز المخابرات العسكرية الإسرائيلية أمان بتسجيل مكالمات هاتفية بين أفراد عائلة مبارك في الأيام الأخيرة التي سبقت التنحي. بحسب الكتاب فأن الرئيس الأسبق كان قد أدرك أن نظامه قد وصل إلى نهايته وكان السبب في تأخير اتخاذ قرار التنحي يرجع إلى رغبة عائلة مبارك في الحفاظ على ثروتهم الهائلة. يضيف الكتاب أن تقديرات الموساد والمخابرات المركزية الأمريكية تشير ان ثروة عائلة مبارك تصل بالفعل إلى 70 مليار دولار أغلبها يملكها جمال مبارك الذي نجح في الدخول كشريك في الكثير من الشركات المصرية في مقابل توفير الحماية وتقديم تسهيلات لأصحاب هذه الشركات. وفقا للتسجيلات الهاتفية التي يشير إليها الكاتب فأن عائلة مبارك كانت تبحث عن المكان المناسب لنقل هذه الثروة، خاصة أن دولة سويسرا أبدت استعدادها لتجميد أموال الرؤساء السابقين بناء على طلب السلطات الجديد. وكانت أسرة مبارك تميل إلى نقل أموال العائلة إلى دول الخليج العربي.
ويشير الكتاب أن ثورات الربيع العربي دفعت الموساد إلى إدراك أهمية مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت كمصدر مهم للمعلومات، وبدأت المخابرات الإسرائيلية في مراقبة المدونات ومواقع الانترنت المختلفة، خاصة أن ثورات الربيع العربي أتت كمفاجأة لدولة إسرائيل مما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي ينيامين نتنياهو إلى مطالبة رؤساء أجهزة المخابرات الإسرائيلية بإعادة تنظيم الأجهزة التابعة لهم.
الوضع في تونس كان مختلف عن مصر حيث كان هناك تواجد قوي لموساد في تونس وكان هناك تعاون استخباراتي مع أجهزة الأمن التونسية. وفقا لتقرير استخباراتي مصري تم نشره في مجلة المصور، امتلك الموساد ثلاثة قواعد في تونس نظرا لأهمية المجتمع اليهودي في منطقة المغرب العربي، قاعدة في تونس العاصمة معنية بالشأن الجزائري، وقاعدة ديبرا من أجل ليبيا، وأخيرا قاعدة في سوسة لمتابعة الوضع التونسي. ويضيف الكتاب أن في الغالب كان للموساد عملاء في الدائرة المحيطة بالرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي وزوجته ليلى الطرابلسي. بدون مساعدة هؤلاء العملاء لم يكن من الممكن أن يقوم الموساد بعمليات الاغتيال التي قام بها ضد قاد حركة فتح في تونس. على سبيل المثال عملية اغتيال أبو جهاد في 16 أبريل 1988 تمت في فيلته بسيدي بوسعيد على بعدة مئات الأمتار فقط من القصر الرئاسي، وكانت الشوارع خالية من المارة، كما تم قطع خطوط التليفون، ونجح عملاء الموساد في تنفيذ عملية الاغتيال في هدوء ودون مواجهة أي مصاعب.ويستعرض الكتاب بعض الشهادات التي تشير إلى توغل الموساد في تونس، ومنها شهادة عبد الرحم سوبير الحارس الشخصي لزين العابدين والذي أكد أن ليلى الطرابلسي كانت عميلة للموساد وتم تجنيدها عام 1990.
أما في ليبيا ، فالتواجد الأكبر كان من نصيب المخابرات الأمريكية والبريطانية التي ارتبطت بعلاقة وثيقة مع موسى كوسا رجل الأمن القوي في نظام القذافي الذي هرب من ليبيا بعد سقوط القذافي ويعيش في لندن حياة مرفهة. أم عبدالله السنوسي الصندوق الأسود لنظام القذافي أو جزار طرابلس كما يطلق عليه في ليبيا فأن قصته مع إسرائيل تحمل تفاصيل اكثر إثارة. شغل السنوسي زوج أخت القذافي منصب مدير أجهزة الأمن الخارجي وبعد سقوط نظام القذافي ألقي القبض عليه في وموريتانيا والمثير أن الكثير من الجهات تطلب تسليمه لها ومن ضمنها فرنسا. وقد نشرت بعض الأخبار أثناء الثورة الليبية عن قيام السنوسي بالإستعانة بشركة إسرائيلية تدعة جلوبال سي اس تي لتجنيد عدد من الجنود المرتزقة للتصدي للثوار الليبين، ويؤكد الكاتب أن هذه الشركة تعاونت بالفعل مع النظام الليبي قبل الثورة ولكن لا توجد أدلة على مثل هذا التعاون أثناء الثورة.
مي سمير