مفتي الجمهورية: التفاعل مع ثورة التكنولوجيا يجب أن يكون بأدوات العصر
قال الأستاذ الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: "إننا اليوم ونحن نشهد تلك الثورة التكنولوجية الهائلة نعلم يقينًا أن التفاعل مع تلك الثورة التكنولوجيا يجب أن يكون بأدوات العصر، وأنه لا سبيل لدينا سوى المواكبة الحقيقية والارتكاز على القطاع التكنولوجي لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة".
وأضاف أنه لا شك أن ذلك لا يمكن أن يتم إلا بقيام كل منَّا بدوره وواجبه، ولا سيما أن الدولة المصرية قد لحقت سريعًا بذلك القطار وأعلنت عن الأجندة الوطنية (رؤية مصر 2030) في عام 2016 لتعكس الخطة الاستراتيجية الطويلة المدى للدولة لتحقيق مبادئ وأهداف التنمية المستدامة في كل المجالات وتوطينها بأجهزة الدولة المختلفة.
جاء ذلك في كلمته التي ألقاها اليوم في مؤتمر "التطور التكنولوجي ودوره فـي تحقيق رؤية مصر 20/ 2030 فـي ضوء الفقه والقانون" الذي تنظمه كلية الشريعة والقانون بدمنهور، حيث أكَّد فضيلة المفتي أن هذا المؤتمر وغيره من المحافل العلمية المعنية بتلك القضية له أهمية كبيرة في إثراء البحث العلمي ونشر الوعي بأهمية التحول الرقمي ودوره في تحقيق رؤية مصر والموقف الفقهي منه سواء على الجانب المقاصدي أو الفروعي أو الأصولي.
وأكد فضيلة المفتي أن الله سبحانه وتعالى قد أنزل الإسلام ليكون خاتم الرسالات، وأنزل كتابه ليُهيمن على ما سبقه من كتبٍ وبشاراتٍ، ولذلك كانت أخص سمة لتلك الشريعة هي "العالَمية"؛ فلم تختص بجنس أو عِرق، ولم يتوقف تطبيقها على زمان أو مكان.
وأشار إلى أن إرثنا التشريعي الغزير يستطيع بكل تأكيد أن يتفاعل مع الوضع الحالي، حيث يتضمن بأصوله ومقاصده رؤية واضحة ومتكاملة للتطور التكنولوجي المعاصر، وما يترتب على ذلك من مسائل وقضايا.
وأكَّد أنَّ رؤية مصر 2030 تُركِّز على تحقيق نموٍّ اقتصادي مرتفع شامل ومستدام، وتعزيز الاستثمار في البشر وبناء قدراتهم الإبداعية من خلال الحث على زيادة المعرفة والابتكار والبحث العلمي في كافة المجالات، وتلك الأهداف تتوافق مع الحق الإنساني الأصيل في المعرفة والتعلُّم والحياة الكريمة، وهو مقصود شرعي وفقهي أساسي؛ فالارتقاء بالإنسان ومساعدته على الاستفادة مما سخَّره الله له في الأرض فيه تحقيقٌ لمراد الله تعالى كما قال: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ}.
وأوضح فضيلته أن التحوُّل الرقمي المنشود يستهدف تذليل كافة العقبات عن طريق إعادة هندسة الإجراءات وتبسيطها ورفع كفاءة الأداء الحكومي وسرعة إنجاز المعاملات وتقليص وقت وتكلفة الخدمات الحكومية وتوصيلها بقيمتها الفعلية للمستفيدين، بغضِّ النظر عن أماكن وجودهم وفي جميع الأوقات، وهو ما سينعكس على حفظ الطاقات المهدرة وتوجيهها في الأمور النافعة، وهو يتواءم مع مقاصد الشريعة ومبادئها العليا.
وأكَّد مفتي الجمهورية أنَّ الارتقاء بجودة حياة المواطن وتحسين مستوى معيشته في مختلف نواحي الحياة هدفٌ سامٍ نشترك جميعًا في الإيمان بضرورته، ونسعى معًا من أجل تحقيقه في إطار عملية تنموية شاملة ومستدامة، وقد رأينا بأعيننا الفارق الذي تُحدثه التكنولوجيا اليوم في سائر البلدان المتقدمة من إحراز معدلات نمو سريعة، وهو ما يحثنا على مواصلة السير بسرعة أكبر في الطريق نحو التحوُّل الرقمي التام في سائر القطاعات.
وأضاف أن إرثنا الفقهي الغزير والفريد كان -وما زال- قادرًا في كل وقت أن يقدم لنا رؤية ثاقبة لكافة القضايا، وقادرًا على احتواء كافة التغيرات أيًّا كانت حدتها واتجاهاتها ومجالاتها؛ وذلك لأن الفقه الإسلامي لم يكن مجرد تشريعات ومواد مقننة دون رابط أو جامع، بل إن مادة الفقه الإسلامي الغزيرة قامت على قواعدَ وأصولٍ استنباطيةٍ، وارتبطت بمقاصد ومصالح أساسية جُعلت مادةً خصبةً للنظر والاستنباط، وهو ما يجب علينا اليوم أن نفعله في ضوء التطورات التكنولوجية الحالية.
ولفت فضيلته إلى أنَّ الكثير من القضايا التي ترتَّبت على التحوُّل الرقمي في مجال الأحوال الشخصية كالزواج والطلاق الإلكتروني ونحوه، وفي المعاملات التجارية والاقتصادية؛ كأعمال البورصة والتسويق البنكي، وغير ذلك من القضايا المرتبطة بالتحول الرقمي ينبغي أن يتم دراستها وتوليد المسائل والقضايا المشابهة لها وبيان موقف الفقه منها حتى لا تتوقف عجلة التحول الرقمي عند حدٍّ معين.
وعلى الجانب التشريعي أكَّد فضيلة المفتي أن المُشرِّع ينظر إلى ذلك الواقع الجديد، إذ تقوم الجهات التشريعية بسن القوانين المناسبة لذلك التطور، فجريمة مثل جريمة التحرش الجنسي الإلكتروني وجرائم الاحتيال عن طريق الإنترنت ونحو ذلك يجب أن تُطوَّر التشريعات المتعلقة بها وتُحدَّد وتُبيَّن ويُعاد النظر فيها كل آنٍ، ويُنظَر إلى ما تحتاج إليه من تفصيلٍ أو زيادةٍ أو تطويرٍ.
واختتم فضيلة مفتي الجمهورية كلمته بقوله: "لقد استقرت قواعد الفقه الإسلامي على أن الأحكام منوطة بتحقيق المصالح ودفع المفاسد، وأنها جميعًا مشروعة لتحقيق مقاصد رئيسية، وهي الحفاظ على النفس والعقل والدين والنسل والمال"، مشيرًا إلى أن التطور التكنولوجي الحالي ما هو إلا أداة يمكن أن تساعد بشكل فعَّال في تحقيق تلك المقاصد الشرعية وتتوافق، بل تدعم الأجندة المصرية (رؤية مصر 2030)، وذلك عن طريق تجديد الخطاب الديني والفقهي بالاعتماد على الأصول المستقرة وتوسيع دائرة الاجتهاد والتطوير التشريعي فيما يخص سن القوانين والتشريعات اللازمة.