"طبيب النفوس".. لأول مرة كتاب باللغة العربية عن حياة البابا فرنسيس
رحلة بحث طويلة خاضها إبراهيم ناجي في كتابه "طبيب النفوس" ليتحدث فيه عن دروس عملية من مسيرة حياة خورخيه ماريو بيرجوليو البابا فرنسيس رأس الكنيسة الكاثوليكية، قال ناجي أن الكتاب يعتبر السيرة الذاتية الأولى عن البابا فرنسيس باللغة العربية، هناك بعض الكتب الصادرة عن البابا في دار المشرق بلبنان وعن الاباء الفرنسيسكان ودار توما الاكويني بمصر، ولكن "طبيب النفوس" هو الأول باللغة العربية عن السيرة الذاتية لفرنسيس، والذي صدر عن دار الجزويت للنشر والإعلام. يقع الكتاب في (450) صفحة ويتضمن مسيرة حياة البابا فرنسيس منذ نشأته حتى اعتلائه السدة الباباوية. يشتمل الكتاب على (71) مقالة موزعه على تسعة أبواب رئيسة هي "النشأة، الرسالة، ربان في العاصفة، الاختبار القاسي، الطريق إلى المنفى، أسقف برائحة الخراف، الكاردينال، خادم الآخرين، وأخيرا الحبر الأعظم" في رحلة راعت الترتيب الزمني التصاعدي لمحطات التكوين الروحي والإنساني لخادم خدام المسيح، والذي يروق للمؤلف بأن يصفه بالبابا الاستثنائي.
وفي مقدمة الكتاب رسم ناجي مشوار البابا فرنسيس فبدأ بعبارة "أنا ذاهب لدراسة الطب، لعلاج النفوس"، هكذا تحدث الفتى الشاب خورخيه ماريو بيرجوليو؛ مداعبًا أمه ريجينا؛ وهو على مشارف إنهاء دراسته الثانوية، وكاشفًا عن رغبته في الالتحاق بالكلية الإكليريكية، بدلًا من دراسة الطب، كانت بغيته هذه هي نقطة انطلاق هذا الشاب الأرجنتيني إلى أن يصبح حبر الفاتيكان فرنسيس.
وأضاف ناجي أن "صحة النفوس" هو هدف هذا الرجل، أن يكون مؤمنو الكنيسة ذوي عافية روحية وإنسانية؛ تقودهم إلى تحرير أنفسهم وتحرير الأخرين، هذه هي الفكرة المُحركة لشخص بيرجوليو الشاب والراهب ورئيس الجماعة الرهبانية اليسوعية بالأرجنتين والأسقف ورئيس الأساقفة والكاردينال وبابا الكنيسة.
وأوضح الكاتب أن أبرز ما يثيره البابا فرنسيس في جميع كلماته وأفعاله التي تبدو للوهلة الأولى غير تقليدية هو أنه "يتحدى إيماننا"، حيث يجعلنا نتساءل عن كيفية ترجمة الإيمان النظري إلى أسلوب حياة عملي، إلى الانتقال من خبرات الوعظ والتعليم إلى خبرات المعايشة الفعلية للإيمان، من الكنيسة الموجودة على منابر الوعظ إلى الكنيسة المُهملة بالشارع حيث الأقل شأناً وحيث من لا يهتم بهم أحداً، حيث الفقراء والمهمشين والمنبوذين والغير قادرين. البابا فرنسيس "يستفز إيماني بالمسيح"، عندما أراه يعيش بنفس طريقة المسيح، ويتحدث مع الناس بنفس طريقة المسيح، ويعظ بنفس طريقة المسيح، انا أريد أن أفعل مثلما يفعل البابا الذي يفعل مثلما فعل المسيح.
وعلق ناجي قائلا: بيرجوليو يقدم نموذجاً إنسانياً وروحياً لتقبل التجارب والضيقات والرفض ومواجهة أوقات اختفاء الرب التي كان يحياها وقت الأزمات القادمة من طرف شركاء الرهبنة وقادتها، ومن طرف الطغمات السياسية والعسكرية الحاكمة في أثناء الحرب القذرة بالأرجنتين بسبعينيات القرن العشرين، حتى عندما أصبح كاردينالاً في العِقد الأول من القرن الحادي والعشرين ظل يعاني من تحرش الكوريا الرومانية الغنية بالكنائس المحلية الفقيرة على مثال كنيسة أمريكا اللاتينية.
وذكر ناجي أن هذا رجلاً لم يسعى إلى سلطة أو إلى منصب أو إلى تأثير، لا بل بالأكثر فهذا رجلاً أختار طوال مسيرة خدمته وخبرته أن يبقى مختفياً وغير معروفاً وبعيداً عن غوغاء الإعلام وفوضويته، كان هذا تجرداً نابعاً من وعي ذاتي ونذر رهباني وأسلوب حياة بسيط، بداية من إتباع نمط يومي منظم ودقيق وقت الدراسة، وصولاً إلى كاردينالاً طالب أخوته الكرادلة في مجمع انتخاب البابا التالي ليوحنا بولس الثاني في مايو 2005، متوسلاً إليهم أن يمنحوا أصواتهم للكاردينال راتزينجر– لاحقاً البابا بنديكتوس- بدلاً من التصويت له لتجنب انقسام المجمع وربما الكنيسة حينها، وهو بحسب ذات الكرادلة الدرس الذي احتذى به الكاردينال سكولا في مجمع العام 2013، حين طالب الكرادلة الذين منحوه أصواتهم بأن يصوتوا لأجل اختيار الكاردينال بيرجوليو.
هذا التجرد هو ما دفعه للتخلي عن الوشاح القرمزي والحذاء البابوي الأحمر يوم انتخابه، ورفض الإقامة بالقصر البابوي ليكتفي بجناح بسيط بفندق سانت مارتا الذي أقام به يوم جاء لحضور مجمع انتخاب البابا حتى اليوم، وحيث فضل الرجوع إلى فندق سانت مارتا برفقة الكرادلة بالحافلة التي أقلتهم في ذات ليلة انتخابه بدلاً من استقلال سيارة البابا الليموزين.
أكد ناجي في كتابه أن الملايين تتابع البابا فرنسيس على منصة التغريدات تويتر في زمن تُشكل فيه وسائل التواصل الاجتماعي الحاكم الأقوى على عقول وأبصار البشر.
بابا الفاتيكان فرنسيس يواجه هجوم ضاري من الكرادلة والأساقفة والتيارات المحافظة بالكنيسة الكاثوليكية باعتباره مهرطقاً، ويُطالب بأن تصبح الكنيسة مستشفى ميداني تخرج إلى الشارع لملامسة وعلاج جروح المشردين. كما أنه اختير في عام انتخابه 2013 كشخصية العام من طرف مجلة التايم الامريكية، ولم يسبقه في ذلك أياً من باباوات الكنيسة سوى القديس يوحنا بولس الثاني.
حيث أصر بابا الفاتيكان فرنسيس على المجيء إلى أرض مصر عقب أسبوعين من تفجير كنيستين قبطيتين ليؤكد على أن وحدة دم الشهداء هو ما يوَّحد كنيسة المسيح ويدعوها للتغاضي عن خلافاتها النظرية، وقام بإعلان سابقيه يوحنا الثالث والعشرين، ويوحنا بولس الثاني قديسين في الكنيسة الجامعة في الوقت الذي تزعم فيه بعض التيارات اليمينية والمتشددة بكنيسة الولايات المتحدة الامريكية بأن جميع باباوات الكنيسة الكاثوليكية الذين جاءوا بعد أعمال المجمع الفاتيكاني الثاني العظيم هم هراطقة، إلى الحد الذي دفع مجموعات من القساوسة الكاثوليك والأكاديميين والمثقفين إلى كتابة رسالة مفتوحة إلى الأساقفة يطلبون منهم إعلان البابا فرنسيس مهرطقاً بحسب ما أوردته شبكة اليورو نيوز في شهر مايو من العام 2019.
يختم ناجي كلامه بأن ما سيقدمه هذا الكتاب هو محاولة الاطلاع على تاريخ نشأة وتكريس وخدمة الأب اليسوعي خورخيه ماريو بيرجوليو بالأرجنتين، وعلاقته بجماعته الرهبانية والسلطة الحاكمة والفئات المهمشة هناك، وكيف بدأ البابا فرنسيس الطريق إلى علاج النفوس، بداية من إلحاقه بالرهبنة اليسوعية حتى انتخابه حبراً أعظم، كيف كان يدير الجماعة الرهبانية، كيف عمل على تدبير أحوال أسقفيته في عاصمة الأرجنتين بيونيس ايريس، كيف تعامل مع مهام رئيس الأساقفة، كيف تابع خدمة الكنيسة الجامعة عندما أصبح كاردينالاً، وكيف اختير حبراً أعظم للكنيسة.
ما هي السمات الشخصية لهذا الرجل؟ ما هي عاداته اليومية؟ ما هي اهتماماته؟ كيف يصلي؟ ومتى؟ كيف يدير وينظم برنامجه اليومي؟ كيف يتخذ قراراته؟ كيف يواجه الأزمات؟ كيف يحتفل مع الأخرين ويفرح معهم؟ كيف يحزن مع الأخرين ويحزن بشأنهم؟.