عبدالحفيظ سعد يكتب: الأخوة المجاهدون الجدد
ستنتهى الحرب فى أوكرانيا، وسيهدأ أزيز الأسلحة، وسيعاود السياسيون جولاتهم لتقسيم اللعبة من جديد وفقا لحسابات المكسب والخسارة.. لكن بعيدا عن نتائج الحرب، ومن يخسر أو يكسب، يبقى الخطر ممتدًا من إيقاظ مارد لم يكن أحد مهتم به ولم يشغل بال الكثير.
اليمين المتطرف، أو النازيون الجدد اسم يذكرنا بميراث أوروبا الكئيب من بقايا النازى، وهى الحركة العرقية التى تدعى التميز لعرقها وتدعولقتال من يختلف عنها فى العرق أو التوجه.
ومع بداية الحرب الأوكرانية بدأ ينتشر مرة أخرى اسم الجماعات اليمينية المتطرفة، خاصة تلك التى تدعوا للقتال الروس، ضد القوات الروسية، ليس من منطق صد العدوان، كحق أصيل فى الدفاع عن الوطن ولكن بصيغ فاشية سواء عرقية أو دينية.
صحيح أن الحرب الدعائية الروسية، تحاول أن تنفخ فى قصص الجماعات اليمينية المتطرفة فى أوكرانيا، خاصة أن عناصرها مثل منظمة «آزوف» أو «القطاع الأيمن» تشارك بضراوة فى التصدى للقوات الروسية المهاجمة.
وبعيدا عما تقوم به الدعاية الروسية ومحاولة شيطنة المقاومة الأوكرانية، لكن ذلك لا يمنع من حقيقة عودة انتشار الجماعات اليمينية المتطرفة، وزيادة صوتها وقوتها مرة أخرى فى أوروبا، بل وعودة خطابها الدموى فى محاولة فرض آرائها، خاصة أن هذه الجماعات التى تحمل الأفكار العرقية، حرصت على مدار عقود أن تخفى جوانب العنف فى خطابها، خشية أن تذكر بميراث بغيض تكرهه أوروبا كلها ويتمثل فى الأفكار النازية التى كانت السبب فى الحرب العالمية الثانية.
ولذلك أخفت الحركات اليمينية، توجهها العنيف خاصة تلك الحركات التى لها أحزاب سياسية، وكانت لا يتجاوز خطابها الأفكار الخاصة برفض المهاجرين وحصولهم على الجنسيات الأوروبية.
لكن الحرب، أعادت مرة أخرى الأفكار الفاشية لخطابات الحركات اليمينية، وبدء الحشود تتكلم فى أوروبا عن نغمة العرق والدين، فى محاولة لتأجيج الصراع بين روسيا والغرب، وتحويل الحرب إلى لغة الدين.
ومحاولة بورقة الدين ورقة قديمة، ففى صراعات القوى الدولية التى نجحت فى ضرب الاتحاد السوفيتى فى الحرب ضد أفغانستان، ومحاولة تجنيد المقاتلين أو المجاهدين من المسلمين لقتال الروس، وهى اللعبة التى استخدمتها بنجاح المخابرات الأمريكية فى هزيمة الاتحاد السوفيتى دون عناء المواجهة المباشرة فى أفغانستان.
لكن يبدو أن لعبة استخدام اليمين المتطرف، تدور رحاها مع روسيا فى محاولة إيقاظ اليمين المتطرف، بلعبة مختلفة هذه المرة عن طريق إثارة النعرات الطائفية مع روسيا الأرثوذكسية فى مقابل جماعات يمينية بروتستانتية أو كاثوليكية.
فمثلا طبقا لما أعلن عنه فى وسائل إعلام روسية، فإنه تم القبض على مجموعة أوكرانية متطرفة من جماعة «القطاع الأيمن» كانت تستهدف تفجير كنيسة أرثوذكسية فى جزيرة القرم التى تقع تحت الإدارة الروسية، كما أظهرت تقارير أخرى أن تلك الجماعات اليمينية تستهدف من لهم أصول أو عرقيات روسية خاصة الأرثوذكس منهم، وأن الأمر لا يقتصر على فكرة الدفاع عن بلدهم. ونجد نفس الجماعة توعدت القوات الشيشانية المسلمة لو شاركت فى الحرب بجانب روسيا، بأنها سوف تحشو الرصاص لهم بدم الخنازير!
ونجد أن خطاب اليمين المتطرف الأوكرانى بدأ ينتشر فى الدول الملاصقة لها فى شرق أوروبا ومحاولة تحويل الحرب إلى عرقية أو دينية ومحاولة حشد المجاهدين، مثلما حدث مع روسيا أيضا زمن الاتحاد السوفيتى فى حرب أفغانستان.
ومن التجربة نجد أن نيران اليمين المتطرف لن تتوقف حتى بعد الحرب، خاصة أن أفكاره لم تمت مع نهاية النازى كما كان يعتقد، بل كان مثل المارد فى القمقم، كانت تنتظر لحظة ترفع عنها الغطاء لتعود مرة أخرى، ولن يقتصر دورها فى الحرب الحالية مثلما لم يتوقف دور وتحرك الجماعات المتطرفة الإسلامية التى شاركت فى الحرب ضد السوفيت فى أفغانستان، والتى حورت نفسها بعد انتهاء الحرب، وتتحول لجماعات إرهابية انتشرت فى كل العالم، ولم يتوقف إرهابها بل طال من كان يقف وراءهم فى البداية، وكأنه حضروا العفريت وفشلوا أن يصرفوه، وهو ما ينذر بحدوثه مرة أخرى فى أوروبا وعودة الصليب المعقوف.