بطرس دانيال يكتب: مزيج الحياة
يقول السيد المسيح: «كُلُّ مَملكةٍ تَنْقَسمُ على نَفْسها تَخَرب، وكَلُّ مدينةٍ أو بيتٍ ينقَسمُ على نفسِه لا يثبُت» (متى ٢٥:١٢). إن المحبة الحقيقية هى جعل جميع الناس أخوةً لنا، واضعين فى الاعتبار أن الله خلقنا على صورته ومثاله، وفى الوقت نفسه كل شخصٍ منّا فريدًا ومختلفًا عن الآخر، لذا يجب علينا أن نستثمر هذا الاختلاف وهذه الفرادة من أجل أن نكتمل ببعضنا البعض. لنتعلّم من الطبيعة التى منحنا إياها الله والغنية بالعجائب المذهلة، حتى أنها تحيّر العقل. لنتأمل الملح الذى لا تخلو منه مائدة الطعام فى كل مكان، هل نعلم أنه يتكون من عنصرين هما الصوديوم والكلور، وكلاهما من العناصر السامة جدًا التى تقضى على الإنسان؟ وننظر إلى الماء الذى لا حياة بدونه، كم هو عجيب أيضًا، فكل جزيء منه يتكون من ذرتى هيدروجين وذرة أكسجين، الهيدروجين غاز يشتعل، والأكسجين يساعد على الاشتعال، ومع ذلك فنحن نستخدم المياه لإطفاء الحرائق والنيران. ونحن أمام مثال ثالث عجيب ومُحيّر، ألا وهو سبيكة ألنيكو Alnico، إنها أقوى السبائك المغناطيسية والتى تدخل فى صناعة المحركات الكهربائية ذات المغناطيس الدائم. والتى تتكون من ثلاثة معادن غير مغناطيسية وهى الحديد والنيكل والكوبلت، لقد حان الوقت لنتعلّم من الطبيعة هذا الدرس المهم والمفيد، لذلك يجب أن نضع فى اعتبارنا أن اتحادنا معًا، يعطينا قدرات وطاقات وامتيازات جديدة، لن تتوفر لنا ونحن نعمل أو نعيش بمفردنا، كما أنه يساعدنا على تخطى ضعفاتنا. إذًا كل أسرة متحدة بالحب، ستكون لها القدرة للتغلب على الصعوبات والمشاكل التى تواجهها، كما أنها ستحصل على ثمارٍ وافرة ورائعة، وتصبح ناجحة وصامدة طوال أيام حياتها. لذلك يجب علينا أن نطبّق هذه الأمثلة فى المجتمع الذى نعيش فيه، كل شخصٍ يقوم بواجبه بإخلاص، ومِنْ ثَمَّ يصل إلى درجة الكمال والتفوق والامتياز باتحاده بالآخرين، لأننا لا نستطيع أن نستغنى عن الغير. إن عالمنا الذى نعيشه فقير من الحُب والقوة والنجاح، نتيجة السعى وراء مصالحنا الشخصية، حتى أننا صرنا عبيدًا للمادة ولو فى سبيل خيانة الأقارب والأصدقاء. كم من صراعات وحروب وقتل وتدمير نتيجة السعى للحصول على المال والسلطة مع احتقار الغير، معتبرين أنفسنا قادرين على الاستغناء عن الآخرين والاكتفاء بقدراتنا فقط؟ لكن من يريد أن يحيا فى سلام وطمأنينة ونجاح وازدهار، عليه أن يتغذّى بالحُب الحقيقى المبنى على الاتحاد بالآخرين والتضامن معهم والعمل برفقتهم. فالمحبة هى الكنز الوحيد الذى ينمو ويزداد بالعطاء والمشاركة مع الآخر. فإذا أردنا أن نقيس الحُب بمعادلة الربح والخسارة، لن نحب أبدًا، والشخص الذى ينتظر من الآخر أن يبادله بالتساوى ما يفعله معه ويقدّمه له؛ لن يعرف معنى الحب، لأن المحبة لا تسعى إلى منفعتها. كما أن قوانين الاقتصاد لا تصلح فى المحبة، فمن يعطى بحُب لا يفقد؛ وإنما يزداد غنى، لأن معادلة الحب صعبة ودرسها عسير الفهم، بينما إذا طبّقناها فى حياتنا اليومية سنربح كثيرًا، وستكون نبعًا صافيًا لسعادتنا وسلامنا، كما أنها تمدّنا بالقوة والقدرة للتغلب على الصعوبات التى تواجهنا كل يوم، وستزداد عجلة الإنتاج فى كل ما نقوم به، سواء داخل الأسرة أو فى المجتمع. أى سنصبح متفوقين على الصعيدين الفردى والجماعى. لكن إذا وقع المجتمع فى خطأ اعتبار الأشخاص مجرد آلات وأدوات فقط، سيصل به المطاف لزرع العنف والبغض واحتقار الآخر. كم من المجتمعات التى تُزيل وتمحو وجه الإنسان، وتحرمه من النعمة التى وهبه إياها الله، وهى التميّز عن الآخرين وفرادته عن الجنس البشرى؟ كما أنها تعتبر أفرادها مجرد عدد أو رقم من الناس فقط، كقطيع منعزل عن البشرية، وتقودهم إلى العبودية. لذلك يحثّنا الفيلسوف Italo Mancini: «إن عالمنا سيحيا حقًا ويُحب ويتقدّس، ليس من النظريات اللا محدودة أو أحداث التاريخ وظواهر الطبيعة؛ ولكن من تقدير مراكز الحياة المذهلة ألا وهى وجوه الأشخاص. وجوه بحاجة إلى رؤيتها واحترامها وملاطفتها». نستطيع أن نكتشف فى عين كل إنسان أسرار نفسيته ومعنى حياته، كما أننا إذا نظرنا بكل حُب فى وجه الآخر، ونمد أيدينا له ونتعاون معه، لن نجد أى وسيلة تدفعنا إلى احتقاره، بل سننمو ونزدهر ونقوى به وبوجوده فى حياتنا. ونختم بكلمات الشاعر الفرنسى ڤيكتور هوجو: «إذا كُنت نباتًا فكُن حساسًا، وإن كُنت حديدًا فكُن مغناطيسًا، وإن كُنت حجرًا فكُن ماسًا، وإن كُنت إنسانًا فكُن حُبًَّا».