٧ دور رعاية لاحقة تغلق أبواب الرحمة فى وجوه الأيتام
٣٢٣ شابًا وفتاة على ذمة الضياع بسبب تعنت «التضامن»
يعيش الأطفال الأيتام داخل دور الرعاية حياة صعبة يفتقدون خلالها حنان ودفء الأسرة والعائلة، يعيشون فى عزلة تامة عن المجتمع، لا يستطيعون التعبير عن مشاكلهم، يعانون من قهر فُرض عليهم بالقوة والجبروت من قِبَل العاملين بدور الرعاية الاجتماعية، الأهلية منها والحكومية، ففى مصر ٥١٢ دار أيتام خاصة وحكومية يعانى بها الآلاف، لا تتوقف معاناتهم عند مرحلة الطفولة فقط، بل يواجهون «شبح» أكبر عندما يُكمل أحدهم ١٨ عامًا، لُيصدم بقرار طرده من الدار التى قضى بها عمره ويواجه مصيره بالشارع، منتقلًا لمرحلة «الرعاية اللاحقة» للاندماج فى المجتمع.
يكفل القانون للطفل اليتيم أن تكون «الرعاية اللاحقة» له آمنة ويتم توفير سكن مناسب له إما تمليك أو إيجار، على أن تتولى الدار دفع الإيجار والتكفل بتعليم الشاب أو توفير فرصة عمل حال انتهاء فترة تعليمه، وتوفير الطعام ودفع المرافق «غاز وكهرباء ومياه» ويقيم معهم مُشرف، أما بالنسبة للفتيات لا يخرجن خارج أسوار مؤسسة الرعاية إلا فى حال الزواج «فقط» حتى لو تجاوزت أعمارهن الـ١٨، لأنهن غير مؤهلات للخروج؛ لذا عليهن أن يظللن تحت الرعاية الكاملة للدار، وحال طلاق الفتيات فإنهن يرجعن إلى الدار مرة ثانيةً.
حالة من الجدل أثيرت عقب طرد فتيات دار مصطفى عساكر، بالمخالفة للقانون رغم عدم زواجهن، لتتبادل الاتهامات بين الدار ووزارة التضامن حول مسئولية القرار، ولكن فى النهاية تم تنفيذه وفقدت ٢٧ فتاة المأوى وأصبحن مشردات بالشارع بعد هجوم «بلطجية» داخل الدار وطردهن، «الفجر» فتحت ملف «الرعاية اللاحقة» ومعايشة الأيتام الذين صدر ضدهم قرار خروج من الدور ويقيمون فى شقق رعاية وفرتها الدار أو انتهى بهم الأمر للشارع.
قبل ثلاث سنوات قرر مدير دار المدينة المنورة للأيتام، طرد هشام حسين طالب بكلية التجارة بجامعة عين شمس من الدار، بحجة وصوله لسن الـ ١٨ وبعد محاولات عديدة ودخول هشام الدار «خلسة» كما وصف لـ «الفجر» اضطر مدير الدار لتوفير شقة له بصحبة ٤ أطفال أتموا سن الطفولة، وكانت الشقة عبارة عن غرفة وصالة تم دفع الإيجار لمدة ٦ شهور فقط غير شاملة مصروفات المرافق، وتم إرسال أول شهر فقط «فرخة وكيلو أرز وكرتونة بيض» لأربعة شباب لمدة شهر، بعدها لم يحصلوا على أى مساعدات.
وأضاف هشام: «الدار رفضت دفع مصاريف تعليمنا وأجلنا سنة دراسية كاملة عام ٢٠١٩، وبعد تخلى الدار تمامًا عن مسئوليتنا، وحدوث مشاكل مع المشرف فى الشهر الأول ورفضه مساعدتنا فى المصروفات، قام صاحب المنزل بطردنا ونقيم الآن ١٠ شباب من دور مختلفة فى شقة غرفتين وصالة ونعتمد على أنفسنا ولا تعلم دار الأيتام أو التضامن أى معلومة عنا أو عن وضعنا الحالى، وهناك الآلاف مثلنا يسكنون فى شقق خاصة لا تنفق عليها التضامن مليمًا، ولكن للأسف يلجأون للإدمان أو عمل مشبوه للحصول على مصاريفهم».
بمنطقة العجمى بالإسكندرية وتحديدًا الهانوفيل توجد شقة بها خمس غرف منها ثلاث مظلمة، ويصل غرفتان منها أسلاك كهرباء تتصل بأعمدة إنارة الطريق، ولا يوجد بها مياه أو غاز، وتفتقر للمرافق والأثاث، يسكن بها ٢٣ شابًا، للوهلة الأولى تعتقد أن من يسكنها «أشباح» بالرغم من أنها تحمل على بابها لوحة بعنوان «دار السلام» إلا أنهم يعملون كخلية نحل وينامون داخل الغرفتين المضيئتين ويستخدمون حمامًا مشتركًا يصله مياه أحد الجيران.
حدثنا علاء محمد، أحد الأيتام المقيمين بالدار، أنه صدر له أمر طرد منذ ٦ سنوات، هو وإخوته بالدار ١٠ آخرين، وبدار السلام فرع شارع مسجد الدوى صدر قرار طرد لـ ١٥ شابًا، واتفق الـ ٢٥ شابًا على الإقامة بمقر الدار بالهانوفيل وجعلها شقة رعاية لاحقة بعد تخلى الدار عنهم، وحاولت إدارة الدار طردهم بكل الطرق دون فائدة، وتم إخلاء الدار من الأثاث والمرافق، فأصر الشباب على الاحتماء بـ «حوائطها» وظلوا لمدة ٦ سنوات حتى الآن توفى منهم شخصان وتبقى ٢٣ شابًا يعيشون معًا وينفقون على أنفسهم ويساعدهم الجيران من حين لآخر، وعلى مدار السنوات الست الماضية لم يدخل الدار مشرف واحد بالرغم من مئات الشكاوى التى قدموها للتضامن لتوفير أى إعانات لهم.
لم ترحم دار أيتام إسماعيل سلام توسلات «فريد وأمير» منذ ثلاثة أشهر لتوفير شقة «آدمية» بعد طردهما، فبعد شكاوى عديدة وفرت الدار لهما شقة بمنطقة شبرا الخيمة مساحتها ٤٠ مترًا، وزارتها «الفجر» فوجدنا أنه لا يُحتمل المعيشة بها فلا يوجد بها مرحاض آدمى ولا يصل له المياه، وحرر الشابان محضرًا بالنيابة الإدارية حمل رقم ٢٧، ولكن لم يتم الحكم لصالحهما حتى الآن، وأكد فريد عوض أنه اجتمع مع وزيرة التضامن نيفين القباج منذ شهر ووعدت بتغيير الشقة وتوفير سكن كامل المرافق وإمدادهما بالطعام اللازم ومصاريف معهد النظم والمعلومات الملتحق به، إلا أنه وصف وعودها بـ «حبر على ورق».
واتفق معه «أمير أمين» مؤكدًا أنهما ظلا فى الشارع حتى اضطرا للسكن فى شقة أحد أشقائهما الذين خرجوا قبل سنوات ويستقلون شقة وفرتها التضامن ودفعت إيجارها لمدة ٣ أشهر ثم تركتهم بها ولم يعلموا عنهم شيئًا ويسكن بها ١٠ شباب.
«ممنوع دخول الرجال».. لافتة شاركت فى كتابتها ٧٠ فتاة يعلقونها على دار «أحباب الله» والتى تحولت لدار «إيواء» المطرودين من دور الأيتام والمطلقات بأطفالهم، مبنى مكون من دور واحد به كل الأعمار، ٧٠ فتاة لا تعلم الوزارة عنهم شيئًا يسكنون فى مبنى ملكا لها ولكن لا تشرف عليهم.
روت لنا هند كامل فتاة عشرينية أنها تم طردها من دار أحباب الله بعد رفضها الزواج من شخص غير مناسب وإصرارها على إكمال تعليمها، فلجأت للسكن الخاص ولكنها لم تستطع الإنفاق على الطعام والإيجار والتعليم، فعادت للدار هى ومجموعة من الفتيات المطرودات ودخلت الدار بالقوة، وعندما تركت الإدارة الدار تحول المبنى لشقة «إيواء» للمطرودين من الدور الأخرى ووصل عدد الفتيات لـ ٧٠ فتاة منهن مطلقات بأبنائهن، يقمن بالعمل للإنفاق على أنفسهن، ولا يوجد أى موارد من التضامن نهائيًا أو أى تواصل معهن، وتحرسهن «الكلاب» فقط، وبعد شكاوى متعددة قابلت هند وزيرة التضامن ووعدتها بإرسال الطعام لهن عن طريق «بنك الطعام» وبالفعل وفر بنك الطعام الغذاء يومًا واحدًا فقط من أجل التقاط الصور ولم تتكرر مرة أخرى.
كانت «كورونا» حجة دار العجوزة للتخلى عن رعاية سمر ودفع إيجار الشقة التى تسكنها مع ٦ فتيات بمنطقة المعادى، فبعد طرد سمر من الدار طرقت كل أبواب الوزارة والشئون الاجتماعية لكن دون جدوى، لتجد منفذًا للدخول عبر سور إحدى الدور الخاصة لعدة شهور للمبيت فقط وتقضى نهارها كاملًا بالشارع، وبعد تدخلات عديدة من بعض المشرفات وفرت دار العجوزة لها شقة بشرط أن تتولى مسئولية الطعام والمرافق والأثاث ووافقت سمر بمشاركة ٦ فتيات على هذا العرض دون وجود مشرفة، والتزمت الدار بدفع الإيجار لمدة ٤ أشهر حتى تخلت عنهن بحجة كورونا.
وبدموع حارقة روت لنا سمر مشاهد طردها من الشقة وزميلاتها من صاحب العمارة لعدم قدرتهن على دفع الإيجار منذ ٢٠٢٠ حتى الآن، فلم تستطع توفير سكن بديل وتعتمد على تسلق أسوار الدور المختلفة للمبيت أو الجلوس مع المشرفات اللاتى يتعاطفن معها، بالرغم من قيامها بتقديم عدة شكاوى بالوزارة، التى أكدت أنها بعد نجاحها فى اختبارات الموافقة على منح الشقق سوف يتم منحها شقة بمشاركة مجموعة من أصدقائها، ولكن لم تفلح فى حل مشكلتها وعشرات من أخواتها بالدار اللاتى يواجهن شبح التشرد.
أكد رامى الجبالى المسئول عن صفحة أطفال مفقودة، أن وزارة التضامن تخالف القانون مع الأيتام ولم توفر لهم رعاية لاحقة لتحميهم من التطرف والانحراف، فبالرغم من كل جهود الدولة لحماية شبابها إلا أن التضامن تفسد كل شىء بقراراتها الخاطئة باندماج الشباب والفتيات دون توفير فرص عمل وسكن آمن ومساعدات حتى يعتمدون على أنفسهم، حيث إنها تستمر فى دفع إيجارات شقق الرعاية لمدة ٦ أشهر على أقصى تقدير ثم تتنصل من مسئولياتها كاملة، ولا يوجد أى قاعدة بيانات لدى الوزارة عن أوضاع شباب الأيتام بعد خروجهم من الدور.
وأضاف الجبالى، أنه يطالب بفتح ملف الرعاية اللاحقة ومحاسبة الوزارة على مصير الشباب المبهم وإلزامها بالمحافظة عليهم، بجانب تعنتها مع ٣٢٣ شابًا ليس لهم هوية أو أوراق لاستخراج بطاقات الرقم القومى كعقاب لهم على رفضهم قرارات الطرد، وتلك الأزمة لم يتم حلها بالرغم من تكرار الشكاوى للوزيرة دون رد، فحال دور الأيتام يحتاج ليد من حديد للقضاء على كوارثه الفادحة ولكن قرارات الطرد التى لا يعلم عنها الكثير أكثر فداحة وتخالف القانون والشرع.
من جانبه رفض المتحدث الرسمى لوزارة التضامن الاجتماعى محمد عبد المنعم، الرد على تلك الأزمة.