منال لاشين تكتب: ليه تكسب أكثر لما ممكن تكسب أقل؟!
كورونا تعيد ضريبة الثروة إلى الأضواء مرة أخرى
نائبة بالكونجرس: فرض ضريبة على الثروات الهائلة هو الحل للخروج من أزمتنا الاقتصادية
١٠٠ مليونير يطالبون بزيادة الضرائب على الثروة
تقدمت نائبة بالبرلمان الأمريكى مدموعة بزملاء لها بقانون لفرض ضريبة على الثروة
لم أتصور يوما أن حجم الخسائر يكشف ويكثف الثراء بهذا القدر، فيما كنت أحاول أن أتماسك وألا أنهار خوفا على فقدان وظيفة إضافية تدر لى دخلًا متواضعا، فيما كان ملايين البشر فى العالم كله ينتظرون سيف الاستغناء عنهم من أماكن عملهم، فيما كنا نواجهه المجهول استقبل برنارد نبأ خسارته بـ٦.٨ مليار دولار بهدوء مطمئن أنه لا يزال لديه ثروة تقدر بـ٨٨ مليار دولار، ولكن برنارد شأنه شأن زملائه فى نادى أغنى الأثرياء تجاوز خسارته فى عام ٢٠٢١ ووصلت ثروته إلى ١٩٨ مليار دولار، ربما لا يعرف البعض أن أعضاء أغنى أثرياء فى العالم زادت ثرواتهم خلال جائحة كورونا بـ ٥٤٪.
تذكرت هذه الأرقام والحقائق حين بدأ سيل التقارير والتحليلات حول الخسائر الاقتصادية جراء حرب روسيا وأوكرانيا، نسخة جديدة من التقارير عن خسائر العالم من جائحة كورونا وتوابعها، ولكن رغم الأرقام والخرائط والخبراء إلا أن كل هذه الضجة لم ولن تقول لك الحقيقة، إنهم يكذبون علينا لأن الحقيقة تؤكد أن هناك فئة لا تدفع أبدا ثمنا للدمار أو الكوارث.. نحن المواطنين والموظفين فى جميع أنحاء العالم هم من يسددون فواتير كل الأزمات الطبيعية أو البشرية.. فى الحقيقة فإن الحرب الأهم والأخطر بالنسبة لنا كمواطنين هى حرب هادئة وطويلة الأجل.. حرب بين أصحاب وملوك البيزنس فى العالم كله وبين رعاياهم من الموظفين والعمال لديهم فى إمبراطوريات قاسية دينها الأرباح أيًا كانت العملة دولارًا يورو جنيها مصريًا.. إمبراطوريات مستعدة للتخلى عن الرعايا عند أول مشكلة أو بالأحرى ملامح للخسارة، فالمهم هوالمليارات التى يجب أن تكنز لهم فى ظل أى ظروف مهما بلغت كآبة وخطورة هذه الظروف عالميا، بالنسبة لهم ليسقط العالم وكل سكانه فى الجحيم مقابل أن تظل أرباحهم الخرافية المحمية من لوبى المنتفعين السياسيين فى الأحزاب أو الحكومات.
فبالرغم من الدمار الذى أصاب الاقتصاد العالمى وضرب مستوى معيشة مئات الملايين من البشر وربما يصل الرقم إلى ٢ مليار على الأقل مضارين بقسوة من توابع كورونا، رغم هذا وذاك فقد استمرت الشركات الكبرى فى جميع المجالات فى تحقيق الأرباح الخرافية، لا تصدقوا أن شركات الطيران قد تأثرت كثيرا أو قليلا بإلغاء السفر لأزمة كورونا، ولا تصدقوا الصراخ الدائم لكبار رجال الأعمال لدينا، الكل تقريبا كسبان باستثناء المواطن.. الكل لعب على زيادة الأرباح فى عام ٢٠٢١، بل إن النسبة العظمى من الشركات دوليا ومحليا عوضت الخسائر بأرباح فى الربع الأخير من أول عام للأزمة، على أرض الواقع وصل الوضع إلى أن ثروة ٢٦ من أغنى أثرياء العالم توازى ثروة نصف سكان الأرض.
اتسم أداء ثروات أغنى الأثرياء فى العالم بتوجه تصاعدى، باستثناءات قليلة زادت ثرواتهم فى عامى أزمة كورونا، أما عن أرباح الشركات فحدث ولاحرج.
فقد أظهرت بيانات أعمال الشركات فى ٩ أشهر من عام ٢٠٢١ العودة إلى الأرباح بالمليارات رغم الحديث المتكرر عن تأثير أزمة كورونا.
خذ عندك مثلا شركة إيرباص الأوروبية للطائرات فقد أعلنت أنها حققت أرباحا صافية فى ٢٠٢١ تقدر بـ ٤.٢ مليار دولار.. والأرباح الصافية تعنى أرباح الشركة بعد دفع الضرائب وكل الالتزامات الأخرى، بينما أعلنت شركة طيران أمريكية أنها حققت أرباحا فى ٣ أشهر فقط من ٢٠٢١ تصل إلى ١٣٣ مليون دولار، وأظهرت شركات طيران أخرى فى أمريكا عودة الانتعاش بالإعلان عن إعادة التوظيف من جديد، وكانت التوقعات من الاتحاد الدولى للنقل الجوى (اياتا) بتحقيق خسائر مجمعة بـ٤٨ مليار دولار، لكن حدثت انتعاشة مفاجئة لعدد من شركات الطيران، وكان الاتحاد قد قدر أرباح شركات الطيران بـ٣٥ مليار دولار فى عام ٢٠١٩، تصوروا قطاعًا واحدًا أو بالأحرى شركات تعمل فى مجال واحد تحقق ٣٥ مليار دولار.
وإذا كانت شركات الطيران قد تأثرت فى العام الأول من وباء كورونا فالحقيقة أنها لم تتأخر عن تحميل الموظفين والعمال نصيبًا وافرًا من الخسارة، وذلك سواء من خلال تصفية وظائف أو وقف التعيين أو تخفيض المرتبات والمزايا.
من الطيران للتعدين حيث حصدت شركة واحدة للتعدين هى انديفور أرباحا صافية بـ٤٢٩ مليون دولار فى ٩ أشهر فقط، وهذه الشركة هى واحدة من أكبر ١٥ شركة تعدين فى العالم، وبالطبع متوسط أرباح هذه الشركات لا يقف عند نصف مليار فى عام الأزمة.
العقارات أيضا تحقق مكاسب خرافية حتى داخل اقتصاد محلى مثل دولة مصر، فى عام ٢٠٢١ وفى ظل استمرار متحورات كورونا حققت شركة عقارات واحدة فى تسعة أشهر ١،٩ مليار جنيه تليها شركة أخرى بـ١.٢ مليار جنيه فى تسعة أشهر، بينما انهارت أعصاب أصحاب شركة عقارات أخرى لأنها حققت أرباحًا صافية عن ٩ الأشهر ٦٦٥مليون جنيه.
بالطبع شركات الأدوية والأغذية والاتصالات بأنواعها استفادت من الأزمة والكارثة لتضاعف أرباحها.. شركة واحدة مصرية صدرت كحولًا ومنتجات التطهير وكمامات للعالم بـ٣ مليارات دولار.
شركة ثانية للمعامل والتحاليل حققت أرباحًا فى عامين ٧٠٠٪ من رأس مالها، شركة عالمية أخرى (أمازون) المتخصصة فى مجال التسويق الإلكترونى حصدت أرباحا فى عام ٢٠٢١ ب ٣٣ مليار دولار.
بينما حصدت أكبر ٥ شركات للتكنولوجيا فى ٣ أشهر فقط من عام ٢٠٢١ أرباحا بـ٧٥ مليار دولار.
فى الحقيقة فإن الخاسر فى جائحة كورونا أو أى حرب هو المواطن العادى موظف، أو عامل، أو صاحب مشروع صغير والأموال العامة، فاقتصاديات الدول تتأثر، ومن ثم فإن الخدمات العامة التى تقدمها الحكومات للمواطنين سوف تتأثر على المدى المتوسط والبعيد، وبذلك يكون الناس العادية اللى زى وزيك قد دفعوا فواتير مضاعفة سواء من أموالهم الخاصة أو من الخدمات التى تقدمها لهم الحكومة.
منذ أشهر قليلة احتفل العالم بمرور عشر سنوات على حركة (احتلوا وول ستريت) التى انطلقت من نيوريوك إلى جميع أنحاء العالم، وكان أبرز وأخطر شعار لها (احنا ال٩٩٪) فى إشارة إلى الخلل فى توزيع الثروات، فـ١٪ يملكون الثروة ويستغلون ال٩٩٪، ورغم خفوت الحركة إلا أنها ساهمت فى لفت النظر إلى ضخامة ثروات الكبار جدا، والأرباح غير المعقولة التى يحصلون عليها، ولم تؤثر الحركة على اليسار فقط، بل وصلت إلى قلب الرأسمالية العالمية، فمناسبة توابع كورونا على العالم نشر ١٠٠ ملياردير من أغنى أغنياء العالم خطابا مفتوحا للحكومات طالبوا فيه بفرض مزيد من الضرائب عليهم وعلى أمثالهم لتحقيق العدالة، وقالوا فى خطابهم إن النظام الضربيى منحاز للأغنياء، ولا بد من فرض ضرائب على الثروة لتخفيض الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
فى الحقيقة خطاب المليارديرات يفتح الباب لسؤال اعتبرته الرأسمالية حرامًا وخط أحمر لا يجوز الوقوف عليه أو اختراق منطقته، السؤال هو لماذا يجب أن يحقق الأثرياء مكاسب هائلة إذا كانت نصف هذه المكاسب أو ربعها تكفى أن يعيشوا هم وأحفادهم حياة فاخرة جدا جدا؟ السؤال المحرم قد يبدو ضد مبدأ الرأسمالية الشهير الذى يصدعوننا به (العرض والطلب)، ولكن واقع الحال فى مصر وفى العالم أن نظرية العرض والطلب لا تعمل بكفاءة سواء فى الأسواق بما فى ذلك سوق العمل والرواتب التى يحصل عليها الجميع باستثناء الادارة العليا، فرغم الثراء الهائل والارباح الخرافية لم تحدث طفرات فى زيادة الرواتب، وكثرة المعروض من السلع المتنافسة لم يؤد إلى خفض حقيقى فى الأسعار، لأن قلة من الشركات تسيطر على الاقتصاد العالمى وتحركه وفقا لهواها وأسعارها وأرباحها ومصالحها، ولذلك تقدمت نائبة بالبرلمان الامريكى مدموعة بزملاء لها بقانون لفرض ضريبة على الثروة.. بموجب القانون إذا مرر سيكون على الأسر التى تملك اكثر من ٥٠ مليون دولار دفع ضريبة قدرها ٢٪، وتزيد الضريبة إلى ٣٪ على من يملكون مليار دولار أو أكثر، حسب وكالة بلومبرح سيتعين على أغنى رجل فى العالم جيف بيزوس دفع ضريبة لا تقل عن ٥.٤ مليار دولار، أما بيل جيتس فسيدفع ٤ مليارات دولار، ويدفع مؤسس فيسك بوك ٢.٦ مليار دولار، وقد استخدمنت النائبة الأمريكية خراب كورونا لتمرير القانون الذى يأخذ من الأكثر ثراءً لصالح الخدمات العامة المقدمة للفقراء والطبقة المتوسطة.
وعلى الرغم من قيام العديد من الدول الأوروبية بإلغاء ضريبة الثروة إلا أن تزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء وتراكم الثروات دفعت الضريبة للعودة من جديد، فهناك ٢٦ شخصا الأكثر ثراءً يملكون إجمالي ما يملكه ٣.٦ مليار شخص هم الأكثر فقرا.
السؤال المهم المباشر اللى هيخفف على المواطن المصرى أعباءه هو متى تفرض مصر ضرائب على الثروة فى مصر؟ متى يدفع الأثرياء ويأخذ الفقراء والطبقة المتوسطة؟
متى نحقق العدالة بحق وحقيقى؟