بطرس دانيال يكتب: ما أطيب المحبة
يقول السيد المسيح: «أحبّوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مُبغضيكم. وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم» (متى ٤٤:٥). طلب المعلّم من أحد تلاميذه أن يتلو على مسمع الجميع نصًا مضمونه أنه لو توقّف العالم المعاصر عن تبذير الأموال الطائلة على الأسلحة، لأمسى ممكنًا حلّ كافة المشكلات المادية والفقر والقضاء على الأمراض المنتشرة فى العالم كله. ولكن بعد الانتهاء من القراءة، كان ردّ فعل التلاميذ التلقائي: «لِمَ بلغ الجهل بالبشر إلى هذا الحد؟» فأجابهم المعلّم: «لأنهم تعلّموا قراءة الكتب المطبوعة، متجاهلين قراءة الكتب غير المطبوعة». فقالوا له: «أعطنا مثالًا عن كتابٍ غير مطبوع». فى البداية لم يعطهم مثالًا، ولكن من شدة إصرارهم، قال لهم: «تغريد الطيور وأصوات الحشرات، تتغنّى جميعها بالحقيقة، الأعشاب والزهور تدل على الطريق، اِصْغوُا! انْظُروا! هذه هى الطريقة المثلى للقراءة». إذًا لنتساءل: «لماذا كل هذه الحروب والدمار والخراب؟ مَن المسئول الأول عن هذه كلها؟ هل هم أشخاص لهم مصالح خاصة أم أوطان بأكملها؟ ما الهدف من هذه الحروب؟ كيف نستطيع أن نمنع الوقود عن النار حتى تهمد، ونكفّ اللسان عن العداوة لتخمد؟» كم هو مُحزن ومُخْزٍ أن نعيش عصر أنيميا الحُب وڤيروس الكراهية! لا نستطيع أن نتهم آلات الحرب المدمّرة، ولكن الإنسان الذى اخترع ماكينة الحرب، وينفق خيرات الأرض لا لسعادة البشرية، بل للدمار والبؤس والقضاء على حياة الآخرين وإبادة الأخضر واليابس، وكلّما تقدّم الإنسان فى علوم التكنولوﭼيا، كلما ازدادت نسبة الخسائر البشرية والطبيعية. وفى ظل هذه الحضارة المادية تجرّد الإنسان من معانٍ كثيرة، وخاصة الحُب والحياة، فصار معظم البشر بلا رحمة ولا شفقة ولا إنسانية. ما أطيب المحبة وما أجمل السلام، فلماذا يتخاصم ويتحارب الناس؟! لماذا لا يتمسّك الإنسان بالخير ويمتلئ بالفضيلة ويتحلّى بتقوى الله ومخافته، ويبتعد عن أسباب الشر الفساد التى تدفعه إلى الانتقام من الغير والقضاء على حياته؟ لا ننسى أن كلَّ حربٍ مهما كانت لها مبرراتها هى كارثة كبرى، يكفينا أن نتأمل الأطفال اليتامى الذين تشرّدوا، والأمهات الأرامل اللواتى فقدن أزواجهنّ! ألم يؤثّر فينا مشهد طفل برىء فقد حياته أو ذراعه أو قدمه أو عينيه أو تشوّه وجهه، بسبب هذه الحروب التى لا نهاية لها؟ يجب أن نعى جيدًا بأنه لايوجد فى الحرب منتصر وخاسر؛ فالجميع خاسرون مهما كانت المقاييس البشرية التى يقيّمون بها النتيجة. كما يعترف أحد الشباب: «لم أعرف فى حياتى قط سوى اليأس بسبب الموت والرعب أمام عينى، أرى شعوبًا مدفوعة للقتال فيما بينها دون سابق معرفة أو حديث، ولكنها منساقة خلف الطاعة العمياء التى تدفعها لذلك. أرى أذكى البشر فى العالم يتفنّنون فى اختراع الأسلحة والكلمات المنمّقة حتى لا تنتهى مثل هذه الحروب. أصبح القتل هو مهنتنا الأولى، كما أصبحت معلوماتنا وثقافتنا عن الحياة تتحدد بالموت». متى يندم ويتوب الإنسان عن هذه الأفعال؟ متى يشعر بأن لا أعداء له ولكن هو الذى يخلق أعداءه؟ منذ أن بدأت الحياة، والصراع قائم بين الخير والشر، فالله يهب لنا سلاح الخير، لكن يتجاهله الناس ويتصارعون ويسقطون موتى الكبرياء والعناد والحقد. وكما نقرأ: «ليس المهم أن نخاطب العالم بلغاته، بل أن نخاطب الناس بلغة الرباط المقدّس... الحُب». يجب على كل قاتل لأخيه أن يندم قائلًا له: «أخى العزيز، لم أقصد قتلك، وإذا عُدت مرةً أخرى للحياة، لن أؤذيك أبدًا، لأنك أنت على حق، كنتَ بالنسبة لى فى الماضى عبارة عن فكرة أو معلومة ترسّخت بعقلى، لكن الآن شعرت بأنك إنْسَانٌ مثلى، كنتُ فى الماضى أفكّر فى القنابل التى تمتلكها والأسلحة التى تحملها، ولكن الآن أرى أرملتك وأبناءَك ووجهك الذى يُشبهنى تمامًا. لذلك أطلب منك أن تغفر لى يا صديقى العزيز. للأسف، نحن نفهم كل هذه الأشياء بعد فوات الآوان. لم أفكّر أبدًا بأن لك أمًّا ستبكيك وتتألم لرحيلك وفقدانك كما يحدث معي. أغفر لى يا أخى العزيز، كيف تكون عدوًا لى؟ إذا ألقيتُ الأسلحة من يدى وتجردتُ من كل آلة حرب، سأكتشف بأنك أخى الحقيقى، ولكننى لا أعرف الآن ماذا أفعل حتى أكفّر عن هذه الكارثة!» لذلك دعونا نتكاتف معًا من أجل نشر ثقافة السلام والمحبة والإنسانية، فى كل مكان نحن نتواجد فيه، حتى تعمّ المسكونة كلها وتنطفىء الحروب. ونختم بالقول المأثور: «مِن أفكارنا يولد أعداؤنا، ومِن أفعالنا يولد أصدقاؤنا».