خبير أثري يكشف مقتنيات متحف "سانت كاترين": تعبر عن السلام بين الأديان
أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بوزارة السياحة والآثار ان هناك قاعة عرض متحفي دائم داخل دير سانت كاترين تضم مقتنيات الدير من أيقونات، ومخطوطات، وأدوات وملابس كهنوتية.
ومنذ إنشاؤه فى عام 2001 لم يحمل مسمى معين يعبر عن مكنونات مقتنياته الهامة ويكتفى بذكر كلمة زيارة المتحف لزوار الدير دون أن يحمل إسم معين ويطلق عليه فقط المتحف.
واقترح الدكتور ريحان أن يكون اسم القاعة "متحف السلام" وفقًا لمقتنياته الذى تحمل معنى التلاقى والتعانق بين الأديان والحضارات ويدخل ضمن أكبر مشروع بالمنطقة وهو مشروع التجلي الأعظم.
ويقع المتحف بأحد أبراج دير سانت كاترين بمنتصف الجدار الشمالى الشرقى وهو برج القديس جورج في أجمل موقع بالدير بالوادي المقدس مواجهًا لكنيسة التجلى، والكنيسة الرئيسية بالدير، وشجرة العليقة الملتهبة التي ناجى عندها نبي الله موسى ربه وتعانق برج كنيسة التجلي مع مئذنة الجامع الفاطمي داخل الدير لتتعانق الأديان فى بقعة واحدة.
وتم تحويل قاعة قديمة بالبرج يطلق عليها (سكيفو فيلاكيون) وهو المكان المخصص لحفظ الأغراض الدينية من أيقونات، وأواني مقدسة، وثياب مقدسة ومخطوطات إلى متحف حديث فهي عملية إحياء متحف الدير القديم.
وينوه الدكتور ريحان إلى أن مقتنيات المتحف تحمل معنى السلام من احتوائه على رموز اليهودية والمسيحية والإسلام وعلاقات الدير الحضارية بمعظم دول العالم حيث يضم المتحف مخطوط التوراة اليونانية المعروفة باسم "كودكس سيناتيكوس، وهى نسخة خطية غيرتامة من التوراة اليونانية كتبها "أسبيوس" أسقف قيصرية عام 331 تنفيذًا لأمر الإمبراطور قسطنطين.
ثم أهداها الإمبراطور "جستنيان" إلى "دير طور سيناء" عند بنائه للدير عام 560 م، الذى تحول اسمه إلى "دير سانت كاترين" بعد العثور على رفات "القديسة كاترين" على أحد جبال سيناء، الذي عرف باسمها.
واكتشف هذا المخطوط فى الدير "تشيندروف" (روسى الجنسية، وفى بعض المراجع ألمانى الجنسية) عند زيارته للدير أعوام 1844، 1853،1859، والجزء الأكبر من الوثيقة حصل عليه "تشيندروف" فى رحلته الأخيرة عام 1859، وهى التي قدمها إلى الإسكندر الثانى قيصر روسيا، وحفظت بمدينة "سان بطرسبورج بأمر القيصر الروسى، وفي عام 1933 باعتها الحكومة الروسية للمتحف البريطاني بمبلغ مائة ألف جنيه استرليني.
وتقدم الدكتور ريحان بمذكرة علمية تفصيلية إلى المجلس الأعلى للآثار عام 2012، مطالبًا بعودة مخطوط التوراة من المتحف البريطانى مستندًا إلى خطاب تعهد من قنسطنطين تشيندروف بإعادة هذا المخطوط السينائي إلى دير طور سيناء بتاريخ 16، و28 سبتمبر 1859م وكذلك قرار مجمع آباء دير طور سيناء المقدس بنفس التاريخ، بشأن الإعارة المؤقتة للمخطوط السينائي بعدتقديم خطاب ضمان من أ. لوبانوف وخطاب تعهد منقنسطنطين تشيندروف بإعادة المخطوط والخطاب محفوظ بمتحف الدير
ولفت الدكتور ريحان إلى أهمية الإنجيل السرياني بالمتحف وهو المعروف باسم (بالمبسست) يمثل نسخة خطية غير تامة من الإنجيل باللغة السريانية مكتوبةعلى رق غزال، قيل هي أقدم نسخة معروفة للإنجيل باللغة السريانية يعود إلى الفترة ما بين القرنين الخامس والسادس الميلاديين وهناك نص أحدث يعود إلى القرن الثامن أو التاسع الميلادى ومصطلح بالمبسست يقصد به المخطوط الذى يتكون من طبقتين بالكتابة أو أكثر
وتكتمل ثلاثية السلام بالمتحف بعهد الأمان لأهل الكتاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمنهم فيه على أرواحهم وأموالهم ومقدساتهم والمحفوظة صور منها بالمتحف باللغة العربية والتركية بعد أن أخذ السلطان سليم الأول النسخة الأصلية عند دخوله مصر 1517م وحملها إلى الأستانة وترك لرهبان الدير صورة معتمدة من هذا العهد مع ترجمتها للتركية وهي أول وثيقة تضع نظامًا لحرية الإدارة الكنسية بكل أنواعها سواءً في الأسقفية أو الكاتدرائية أو المطرانية الخاصة بالأديرة أو حتى المتعبد داخل صومعته وحددت ذلك بوضوح "لايغير أسقف من أسقفيته ولا راهب من رهبانيته ولاحبيس من صومعته".
وتضمنت حماية المقدسات المسيحية والمساعدة فى ترميمها بمنع التعدى عليها ولو تهدمت نتيجة عوامل أخرى يحظر على المسلم استخدام أحجارها فى بناء المساجد ومنازل المسلمين مما يعنى تركها لإعادة استخدامها فى أعمال الترميم "ولا يهدم بيت من بيوت كنائسهم وبيعهم ولا يدخل شئمن بناء كنايسهم فى بناء مسجد ولا فى منازلالمسلمين"، وقد تقدم الدكتور ريحان بمذكرة علميةتفصيلية إلى المجلس الأعلى للآثار عام 2012 مطالبًابعودة العهدة النبوية من تركيا
ويشير الدكتور ريحان إلى تنوع مقتنيات المتحف فمنها الأيقونات فهناك أكثر من 2000 أيقونة صغيرة وكبيرة،منها مجموعة فريدة ذات قيمة فنية رائعة وكلها محفوظةفي متحف الدير وكنيسة التجلى والكنائس الصغيرة والملحقة، وفي غرف ملابس الكهنة والصوامع وغيرهامن الأماكن المتعددة في الدير، وتغطي هذه الأيقونات فترة زمنية طويلة من القرن السادس حتى التاسع عشر الميلادي.
ولقد حفظت أيقونات دير سانت كاترين في العهد الإسلامى، بل أن هناك أيقونات رسمت في العهد الإسلامى من القرن السابع حتى التاسع عشرالميلادى، كما أن المسلمين لم يمنعوا جلب الأيقونات منخارج مصر إلى الدير، الذي جلب إليه عددًا كبيرًا منالأيقونات من مناطق كانت خاضعة للعالم الإسلامىفي ذلك الوقت، كما توفرت لأيقونات الدير الحماية فيفترة تحطيم الأيقونات التي انتشرت في القسطنطنيةوالعالم المسيحى في الفترة من 726 حتى 843م.
ويتابع الدكتور ريحان بأن المتحف يشمل عدة قاعات، منها قاعات للأيقونات وذخائر ومخطوطات الديروالملابس الكهنوتية، وهناك عدة أيقونات للقديسة كاترينتعود إلى فترات مختلفة وأيقونة السيدة العذراء تحمل السيد المسيح القرن 6م، أيقونة البانتوكراتور "ضابطالكل" القرن 6م، أيقونة القديس بطرس القرن 6م،أيقونة الميلاد القرن 8م، أيقونة النبى موسى "خلع نعليهأمام العليقة المقدسة" القرن13 م، أيقونة النبى موسىيتسلم الألواح القرن 13م، أيقونة البشارة القرن 13م،أيقونة سلم الفضائل من مخطوط يوحنا السلمى القرن13م
ويضم قاعات للمخطوطات تضم الإنجيل السريانىالقرن 4م، قانون الرهبان بالسريانية مكتوب على رقغزال ينظم حياة الرهبنة القرن 11م، إنجيل يوحنا باللغة العربية مكتشف حديثًا يعود إلى القرن 11م،مخطوط كوزماس الملاح القرن 12، 13م، مخطوط سفرأيوب، زمبيل من العصور الوسطى، وقاعة للتحف المعدنية من مقتنياتها مجموعة من الأوانى المقدسةتشمل 17 إناء منها 2 كأس مناولة، 1 مبخرة، 2 صندوق لحفظ رفات القديسين، 3 قلادات، صليبالمباركة، 1 قنديل، 2 تيجان للرهبان، حاملا لأرغفة "القربانة"، حافظة ذخائر خاصة بالقديسة كاترين.
ويطالب الدكتور ريحان بتعميم تجربة العرض المتحفي داخل دير سانت كاترين لتشمل بقية الأديرة والكنائسالتى تمتلك مقتنيات وذخائر نادرة وكذلك في المساجد الأثرية الكبرى والقصور التاريخية والوزارات والنقاباتوالنوادى العريقة والبنوك وغيرها وتتمثل فى معرضدائم للمقتنيات التذكارية الخاصة بالموقع تحكى تاريخ المكان وتبرز وجهه الحضارى على أن تكون تابعةللمكان نفسه أو الوزارة المعنية أو خاضعة لإشراف وزارة السياحة والآثار فى حال وجود مقتنيات أثرية وتكون هذه القاعات مؤسسات تعليمية تثقيفية لا تهدفإلى أى عائد مادى وتوضع على خارطة السياحة المحلية والعالمية مما يسهم فى تحويل مصر بأكملها لمعارض ثقافية وتعليمية وعلمية وتاريخية وأثرية دائمة تعيد لمصر دورها الريادى كمركز عالمى لنشر الثقافة والمعرفة بما يتواءم مع حضارتها العظيمة التى علمت العالم الهندسة والطب والفلسفة والرياضة والأدب والفن