الجانب الآخر من الأزمة.. هل أخطأ بوتين في حق أوكرانيا؟
تتصاعد الأزمة الروسية الأوكرانية يومًا بعد الآخر، وباتت الكرة الأرضية على أعتاب اندلاع حربًا وشيكة قد تمتد مخاطرها وتوابعها إلى أقصى مدى ممكن.
واشتدت الأزمة وارتفعت حدة التوترات وبلغت مدى آخر أكثر خطورة، وذلك بعد الاعتراف الرسمي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مساء أمس الإثنين، باستقلال إقليم دونيتسك ومناطق لوهانسك عن أوكرانيا.
ومنذ لحظة الإعلان الروسي باستقلال دونيتسك ولوهانسك عن أوكرانيا، اشتعلت الأحداث وتسارعت وتيرتها بشدة وتأهب العالم لسماع أي خبر مدوي في أي لحظة.
وفي هذا الإطار نتناول في سطورنا التالية، جانبًا آخر مختلفًا من الأزمة الروسية الأوكرانية، اعترافًا منَا بأن الإعلام العربي بشكل عام تناول وطرح القضية وفقًا للمنظور الغربي والرؤية الأمريكية الأوروبية.
وتتناول السطور التالية الأزمة المتشابكة وفقًا لمنظور المعسكر الشرقي والرؤية الروسية في تلك القضية، وذلك من خلال الإجابة على التساؤل:
هل تصرفات الرئيس الروسي تجاه أوكرانيا خاطئة؟
حسب رؤية ومنظور ووجهة نظر المعسكر الشرقي الروسي، تأتي تصرفات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أزمة أوكرانيا، بدافع الحفاظ على الأمن القومي الروسي.
فلكل بلد أمنها القومي التي تحدده طبقا للظروف والملابسات المحيطة بها، وقد تمتد المناطق الاستراتيجية للأمن القومي لأي دولة إلى خارج حدودها الجغرافية، وفقا للتهديدات الأمنية المحيطة.
تذكروا حديث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وإعلانه بأن الهجوم على سيرت والجفرة في ليبيا بمثابة "خط أحمر"، ويُشكِل تهديدا على الأمن القومي المصري.
وتطبيقا لتلك القاعدة، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى للحفاظ على الأمن القومي لبلاده، خاصة مع الاقتراب التدريجي لقوات وقواعد الناتو العسكرية من أراضيه.
فقد تشكَل حلف شمال الأطلسي الذي يُعرف اختصارًا بـ "الناتو" عام 1949، لمواجهة قوة الاتحاد السوفيتي، ثم روسيا بعد تفكك الاتحاد في ديسمبر 1991.
وبدأ الناتو الذي يضم في عضويته 31 دولة بقيادة أمريكا، بالتوسع والتوغل في أوروبا والاقتراب أكثر من الأراضي الروسية، مع نشر قواعد عسكرية محيطة ومهددة لروسيا.
وتوسع الحلف والولايات المتحدة الأمريكية عسكريا في دول تحيط بروسيا، مثل إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا ورومانيا، وتشكل تلك القواعد العسكرية خطرا كبيرا على روسيا، وتهديدا مباشرا على الأمن القومي الروسي، وعلى رأسهم قاعدة الناتو في بولندا.
وتضم تلك القواعد التي تحيط بروسيا، تشكيلة متنوعة من أحدث الأسلحة والأجهزة والعتاد والمعدات، على رأسها المقاتلات الأمريكية الحديثة، وعدد كبير من الصواريخ الباليستية متوسطة وقصيرة المدى القادرة على حمل رؤوسًا نووية، والتي تستطع ضرب العُمق الروسي في دقائق معدودة.
ومنذ وصول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إلى سُدة الحكم في مايو 2019، بدأت أوكرانيا في التقرب أكثر من الغرب الأمريكي والأوروبي، واتخاذ خطوات واسعة في سعيها نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ومن ثم الناتو.
ويعني انضمام أوكرانيا إلى الناتو، إنشاء قواعد عسكرية للحلف قرب الأراضي الروسية، واقتراب جيش الناتو بقيادة أمريكا من العُمق الروسي، وهو ما يُعد خطرا كبيرا على موسكو.
ولذلك، يسعى بوتين جاهدا لعرقلة انضمام أوكرانيا إلى الناتو، إما بالتأثير على القرار الأوكراني، أو جلب إدارة تميل للجانب الشرقي وليس الغربي.
أو بإعادة ضم أوكرانيا إلى روسيا، وتشكيل الدولة الموحدة القديمة، حيث كانتا دولة واحدة قبل حتى إنشاء الإمبراطورية الروسية بقرون طويلة وكانت تسمى كييف روس.
هل انتهك بوتين سيادة أوكرانيا؟
قبل الإجابة على هذا التساؤل، يجب الإشارة إلى أن إقليم دونيتسك ومناطق لوهانسك، أعلنا الانفصال بالفعل عن أوكرانيا، في عام 2014.
واتخذت تلك المناطق خطوات جادة للاستقلال، حيث أجروا استفتاء شعبيًا في 11 مايو 2014.
وصوَت 96% من مواطني لوهانسك لصالح الاستقلال عن أوكرانيا، كما أيَد 89% من مواطني دونيتسك الانفصال.
ونتج عن الاستفتاء استقلال إقليمي دونيتسك ولوهانسك عن أوكرانيا، وتأسيس جمهورية دونيتسك الشعبية، وجمهورية لوهانسك الشعبية.
وقوبل هذا الاستفتاء بالتنديد الشديد من قبل الحكومة الأوكرانية والبلدان الأوروبية والأمريكية.
ومضى مواطني الإقليمين في طريقهم نحو الاستقلال الفعلي، حيث اختاروا قيادات تتولى شؤونهم، وشكلَوا حكومات تتولى إدارتهم، وكونوا برلمانا خاصا بهم، وفرق أمنية تحافظ على أمنهم بعيدًا عن أوكرانيا.
وبالأمس فقط، اعترفت روسيا، رسميًا، باستقلال الأقليمين عن أوكرانيا، ومن ثم ميلاد جمهوريتين جديدتين يضافان إلى خريطة الكرة الأرضية.
وفور الإعلان الروسي، دخلت تشكيلات عسكرية روسية ضخمة في أراضي دونيتسك ولوهانسك.
ويأتي ذلك بعد ساعات من أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بدء عملية لحفظ السلام في الأقليمين بعد الاعتراف بهما جمهوريتين مستقلتين.
وبات مسموحا لروسيا إنشاء قواعد عسكرية وإدارتها شرقي أوكرانيا، بعد إبرام اتفاقيات صداقة جديدة مع جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين.
وتشير الاتفاقيات التي نشرها موقع البرلمان الروسي، إلى حماية الحدود المشتركة، لمدة 10 سنوات على أن يتم تمديدها تلقائيا.
وبعد هذا الطرح، ووفقًا للمنظور والرؤية الروسية، فإن الرئيس الروسي يحافظ على الأمن القومي لبلاده، كما لم تنتهك روسيا سيادة أوكرانيا، حيث توغلت القوات الروسية أراضي جمهوريتين منفصلين تمامًا عن أوكرانيا وتطبيقًا لاتفاقيات أمنية مشتركة.