طارق الشناوي يكتب: اللمسة السحرية

الفجر الفني

طارق الشناوي
طارق الشناوي

اللمسة خاصة، مهما تطور العلم وأصبح (الروبوت) يلعب كل الأدوار، ستظل هناك ومضة إنسانية، أكمل (الروبوت) السيمفونية العاشرة لبيتهوفن، فهل هى بالضبط ما كان سيفعله بيتهوفن؟ حتى فى الجانب العقائدى الروحى استعانوا بكاهن (روبوت) فى عدد من الكنائس الغربية للقيام بمراسم الزواج والجنازات توفيرًا للنفقات.

 

هل ينتهى الأمر عند هذا الحد؟ لو أن بابا الفاتيكان فرانسيس هو الذى سيؤدى المراسم تفرق كثيرًا، مثلًا د. مجدى يعقوب يجرى جراحة القلب، نعم (الروبوت) تداخل فى أعقد العمليات وبدقة متناهية، ستظل يد الطبيب البارع مثل مجدى يعقوب لها سحرها.

 

تذكرت كل ذلك وغيره وأنا أتابع الطيار المصرى المدنى كابتن وليد مراد، الذى قهر عاصفة يونيس وأخضعها لسيطرته، فى وقت كان الحل أمام كل الطائرات الهبوط فى المطارات المجاورة لمطار (هيثرو) فى لندن.


لم يكن هناك احتمال ولو جزءًا من عشرة فى المائة يهدد حياة المسافرين، الطيار المصرى لن يُعرض حياة الركاب لأى احتمال للخطر من أجل (التريند)، وبعد أن درس كل التفاصيل والاحتمالات اطمأن لسلامة قراره.

 

كان وسيظل العنصر البشرى، مها تقدم العلم، هو الفيصل، كثير من الإنجازات العلمية تحققت إلا أنها من المستحيل أن تتجاوز قدرات البعض منا على استكمال التفاصيل.


قبل نحو 33 عامًا تواجد مهندس صوت عبقرى، وهو الراحل زكريا عامر، كان المطلوب أن يأخذ صوت عبدالوهاب على العود أثناء بروفات عبدالحليم حافظ فى أغنية (من غير ليه) عام 1977، ويقدمها منفردة مع فرقة موسيقية، وكأن عبدالوهاب يغنيها بصوته عام 1989، هذا هو الرهان لتقديم الأغنية بصوت عبدالوهاب الذى كان وقتها يقترب من التسعين.

 

وظل الجميع مصدقين أن هذا هو صوت عبدالوهاب، حتى مر زمن وأُعلنت الحقيقة، إلا أن مهندس الصوت الراحل لم يذكره أحد.

(النوتة) الموسيقية أمام العازف تضمن الضبط بدقة والكل يلتزم بها، أم كلثوم مثلًا لا ترتاح إلى وجود (نوتة)، ولهذا كانت تجرى عشرات البروفات على اللحن، وبعد الاستقرار النهائى لا مجال لأى إضافة.

تظل رغم كل الدقة هناك لمسة إنسانية تتجاوز القاعدة، فى حفل أعادت أم كلثوم تقديم (بعيد عنك) استمعنا إلى عازف الناى (السوليست) سيد سالم يقدم (اللزمة) المتفق عليها، إلا أنه عند الإعادة أضاف نغمة أحلى، وبينما كانت الجماهير فى نشوة، استمعنا إلى صوت أم كلثوم معقبة (إيه ده)، والمعنى يحتمل الاستهجان أو الاستحسان، قائد الفرقة الموسيقية عازف القانون عبده صالح اعتبرها استحسانًا، وأضاف إشارته بتكرارها، وأعادها سيد سالم وأضاف حتى على الإضافة، وصفقت الجماهير أكثر وأكثر للمبدع الذى خرج على (النوتة).


المخرج شريف عرفة يضع الديكوباج محددًا بالضبط حجم اللقطة والزاوية وحركة الكاميرا ولا يترك شيئًا للصدفة أو لفريق العمل من المساعدين أو الممثلين، وأثناء تصوير لقطة فى فيلم (عبود ع الحدود) اندمج حسن حسنى وأضاف فى مشادة مع ابنه علاء ولى الدين كلمة (يا ملتصق) وضحك الجميع، قال له مدير التصوير هناك مشكلة فى التنفيذ يجب إعادة اللقطة، جاء رد شريف مستحيل لن نحصل على ما هو أحلى وأصدق.

إنها اللمسة الخاصة التى تتجاوز القواعد، نجدها فى كل التنويعات وبكل اللغات، وهى التى دفعت الطيار المصرى للهبوط فى (هيثرو) مواجهًا (يونيس)، اللمسة الخاصة قلب وعقل، استجاب وليد مراد لنداء القلب بعد أن صدقه العقل.

[email protected]

المقال: نقلًا عن (المصري اليوم).