شهداء الخارجية فى ثلاث قارات
لم يتأخر فرسان الدبلوماسية المصرية عن المخاطرة بحياتهم فى سبيل الرسالة التى آمنوا بها وقدمت الخارجية شهداء ضحوا بحياتهم أثناء تأدية عملهم، من إفريقيا لآسيا ومن آسيا لأمريكا قدمت مدرسة الدبلوماسية المصرية شهداء الواجب، من سقط منهم شهيدا بعدما توقف قلبه وهو يؤدى لآخر لحظة فى حياته عمله، ومن راحوا ضحية جرائم الإرهابين الذين يدعون القتل باسم الله، ومن استشهد دفاعًا عن حق الأشقاء الأفارقة فى دولة مستقلة حرة ومؤهلة لممارسة مهام الحكم.
من أبرز الشهداء السفير محمد صلاح كمال الدين الذى اختارته الأمم المتحدة عضوًا فى المجلس الاستشارى فى الصومال، وهو المجلس الذى أشرف على إكمال استقلال الدولة الإفريقية وقد اغتيل عام ٥٧ وتحديدا فى إبريل، وقد قدم مع جثمان الشهيد وفد صومالى وقدم العزاء إلى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وقد اتهمت مصر القوى الاستعمارية باغتيال شهيد الدبلوماسية المصرية، وقد كانت جنازته فى الصومال جنازة شعبية، فقد صنعت الحشود جناحين لوداع الشهيد، واختير يوم اغتياله «يوما للشهيد» فى الصومال، وأطلق اسمه على أحد الشوارع المهمة وعلى عيادة طبية، وقد كان الشهيد يعمل فى الأمم المتحدة، وبعد استشهاده ظلت الصحف الصومالية تنعيه وتعدد أفضاله على الصومال وأخلاقه الرفيعة حتى إن قيادات الصومال كانوا يعتبرونه أن من أفضل وأشرف ما حدث لهم فى حياتهم هو اللقاء بالبطل المصرى والتعلم منه.
الدكتور محمود عزمى شهيد من نوع مختلف وفارس من نوع نادر، ومن المؤسف أن هذا الرجل العظيم لم ينل حظه من التكريم ولا الشهرة التى حظى بها قريبه زكريا عزمى الرجل القوى فى عصر مبارك، الشهيد «محمود» هو شهيد الواجب وقد رحل فى الأمم المتحدة وكان عزمى يلقى كلمة مصر فى مجلس الأمن فى ٣ نوفمبر ١٩٥٤، فى مناسبة وطنية فقد كان يندد ويهاجم إسرائيل بسبب أحد أعمالها الإرهابية ضد مصر.
و«عزمى» لم يكن من فرسان الخارجية، بل كان من رواد الصحافة، وأنشأ صحيفة الاستقلال وترأس تحرير مجلة «روزاليوسف» فى أوج مجدها، وهو أول مدير لمعهد الصحافة وصاحب فكرة إنشائه لتخريج صحفيين مؤهلين، وكان عزمى قد عمل مراسلًا حربيًا فى الحرب العالمية الأولى والثانية، وعزمى كان معارضا برلمانيا ودافع عن هوية مصر اللبيرالية والديمقراطية وحقوق المرأة، وكان أول وأبرز السياسيين والمثقفين الذى اعترض على الزج بالدين فى تحديد هوية مصر، لأنه كان يؤيد أن تكون مصر دولة مدنية خالصة، وحتى بعد إقرار الدستور ظل عزمى على موقفه اللبيرالى، وكتب مقالات تهاجم التوجه الدستورى، وحوكم بسبب هذه المقالات، وتقديرًا لأدواره الوطنية اختير بعد ثورة ٢٣ يوليو مندوب مصر فى الأمم المتحدة.
لاشك أن أسوأ اعتداء على الدبوماسية المصرية والدولة المصرية هو الحادث الإرهابى ضد سفارتنا فى باكستان، وهو حدث تفجير السفارة بعربة ناسفة اقتحمت المبنى، سقط الدبلوماسى أحمد نمير أحمد بن خليل السكرتير الثانى فى سفارتنا شهيدا فى تلك الجريمة الإرهابية، ويعد هذا الحادث هو الأول والأكبر من جانب حركة الجهاد الإرهابية، والتى أعلنت عن مسئوليتها تفجير السفارة المصرية، وبررت فعلتها الإجرامية باتهامها للدبلوماسيين المصريين بنقل أخبار الإرهابيين وخططهم، وذلك فى ١٦ نوفمبر ١٩٥٥، ونتج عن هذه الجريمة الإرهابية استشهاد ثلاثة من ضباط أمن السفارة المصريين (حسين محمد فهمى، محمود محمد عبد المقصود، أيمن محمد على ) وقتل كل الإرهابيين وأصيب ٦٠ آخرين.
ورغم بشاعة الحادث الإرهابى لم يتوان دبلوماسيونا عن القيام بواجبهم فى كل بقعة من العالم بما فى ذلك أشدها خطرا غير مبالين بالمخاطر التى تحيط بحياتهم وشبح الموت الذى يطاردهم فى بعض المناطق الساخنة جدا فى عالمنا.
فى عام ٢٠٠٥ لم تكن العراق الشقيق قد وصلت إلى حد الاستقرار بعد، وكانت معظم دول العالم تبعد مواطنيها فضلًا عن دبلوماسييها عن بؤرة الخطر الدموية، ومع ذلك لم تتأخر مصر عن مساندة العراق والتواجد الدبلوماسى فى بغداد دعما لشعب العراق، وفى عام ٢٠٠٥ أرسلت مصر السفير إيهاب الشريف (٥١)، ويعد السفير إيهاب هو آخر شهداء الدبلوماسية المصرية حتى الآن، وقد اختطف السفير من أحد شوارع بغداد وتدخل شيخ الأزهر مناشدا خاطفيه بتركه وعدم اغتياله إلا أن الإرهابيين لم يستجيبوا لهذه الوساطة الدينية الكبرى.
وكانت حركة الجهاد فى بلاد الرافدين بقيادة أبو مصعب الزرقانى قد أعلنت مسئوليتها عن مقتل السفير وبررت الحادث الإرهابى بأن سجونه ملئية بالمجاهدين (وذلك حسب بيان الجهاد) وقد آثار الحادث الغضب الرسمى والشعبى، وتم القبض على المتورطين فى اغتيال سفيرنا فى العراق وإعدامهم. وبالطبع كان هدف الجهاد الإرهابية من ارتكاب هذه الجريمة هو معاقبة مصر على مساعدتها للشعب العراقى بإرسال بعثة دبلوماسية، لأن هذه الكيانات الإرهابية ومن يقفوا وراءها كانت تريد استمرار الفوضى وبحار الدم فى العراق.