العار يلاحق «الموساد»
تفجير شركات ألمانية وسويسرية.. وانتحار ثلاثة عملاء.. وفضائح عاطفية لرئيسه السابق
كشف تقرير سويسرى حديث عن تورط جهاز الموساد الإسرائيلى فى عمليات تفجيرية استهدفت عددًا من الشركات الألمانية والسويسرية، مضيفًا أن تورط جهاز الاستخبارات الإسرائيلية فى عمليات عدائية ضد عددً من الدول الغربية ما هو إلا حلقة جديدة فى سلسلة الفضائح التى أصبحت تطارد الموساد الإسرائيلى خلال الفترة الأخيرة.
جدير بالذكر أن جهاز الموساد مسئول عن جمع المعلومات الاستخبارية والعمليات السرية ومكافحة الإرهاب، ومدير هذه الوكالة الأمنية مسئول مباشرة وفقط أمام رئيس الوزراء، وتقدر ميزانيته السنوية بحوالى ١٠ مليار شيكل (٢.٧٣ مليار دولار أمريكي)، وتشير تقارير إلى أن عدد موظفى الموساد يصل لنحو ٧ آلاف شخص، مما يجعله واحدًا من أكبر وكالات التجسس بالعالم على عكس الهيئات الأمنية الأخرى، مثل الجيش الإسرائيلى ووكالة الأمن الإسرائيلية، ولم يتم تحديد غرض الجهاز أو أهدافه أو أدواره ومهامه وصلاحياته أو ميزانيته فى أى قانون.
كشفت تقارير إعلامية حديثة عن تفاصيل مروعة حول معارضة إسرائيل للبرنامج النووى الباكستانى وجهودها الرامية إلى إفشال البرنامج النووى الباكستانى، فوكالة التجسس الإسرائيلية «الموساد» مشتبه بها فى تفجير قنابل وتوجيه تهديدات للشركات الألمانية والسويسرية التى كانت تساعد بنشاط برنامج الأسلحة النووية الباكستانى الناشئ فى الثمانينيات، وربما يكون الموساد الإسرائيلى قد قصف شركات سويسرية وألمانية ساعدت باكستان فى تطوير أسلحة نووية.
ذكرت صحيفة نويه تسورخر تسايتونج (NZZ) اليومية السويسرية الرائدة قبل أسبوع، أنه خلال الثمانينيات زُعم أن وكالة التجسس الإسرائيلية «الموساد» دمرت وهددت الشركات الألمانية والسويسرية التى ساعدت باكستان فى تطوير برنامج أسلحتها النووية.
ونقلت صحيفة جيروزاليم بوست عن الصحيفة السويسرية قولها إن «الاشتباه فى أن الموساد نفذ الهجمات وأصدر تهديدات سرعان ما أثيرت بعد التفجيرات الثلاثة عام ١٩٨١ التى استهدفت هذه الشركات بعد تدخل فاشل من قبل الولايات المتحدة لوقف الأنشطة».
حسب التقرير، فى الثمانينيات من القرن الماضى، تعاونت باكستان وإيران بشكل وثيق فى صنع أجهزة أسلحة نووية، حيث قدمت الشركات الألمانية والسويسرية مساعدة «مدروسة جيدا» لبرنامجها النووى، حاولت الولايات المتحدة لكنها فشلت، فى إقناع الحكومتين الألمانية والسويسرية، باتخاذ إجراءات صارمة ضد الشركات التى تساعد باكستان فى ضوء «الجهود السريعة» التى تبذلها باكستان لاستئناف تطوير أسلحتها النووية.
بالنسبة لإسرائيل، فإن احتمال أن تصبح باكستان أول دولة إسلامية تمتلك قنبلة ذرية يشكل تهديدا وجوديا، ثم يقال إن عملاء الموساد المشتبه بهم قد «تصرفوا» ضد الشركات والمهندسين الذين ساعدوا باكستان.
كتبت الصحيفة السويسرية: «بعد أشهر قليلة من التدخل غير الناجح لوزارة الخارجية الأمريكية فى بون وبرن، نفذ جناة مجهولون هجمات تفجيرية على ثلاث من هذه الشركات - فى ٢٠ فبراير ١٩٨١، على منزل موظف بارز فى شركة Cora Engineering Chur، فى ١٨ مايو ١٩٨١، على مبنى مصنع شركة Walischmiller بمدينة ماركدورف الألمانية، وفى ٦ نوفمبر ١٩٨١، بالمكتب الهندسى لـ Heinz Mebus فى مدينة إرلنجن بولاية بافاريا الألمانية»، وأضاف تقرير الصحفية السويسرية أنه لم تكن هناك أضرارً أخرى باستثناء تلك التى لحقت بالممتلكات.
وبحسب ما ورد أعقبت الانفجارات سلسلة من المكالمات الهاتفية باللغة الإنجليزية والألمانية من غرباء كانوا يهددون شركات أخرى، كما أشار التقرير السويسرى إلى أن منظمة عدم انتشار الأسلحة النووية بجنوب آسيا-وهى هيئة غير معروفة من قبل- ادعت مسئوليتها عن التفجيرات، «لم يسمع عنها أحد» بعد وقوع الحادث، وفقا لأدريان هانّى، المؤرخ المعاصر والخبير فى عمل وكالات المخابرات، فإن تورط الموساد فى التفجيرات مرجح، لكن لا يوجد دليل دامغ لإثبات ذلك.
بعيدا عن فضيحة تورط إسرائيل فى عمليات تفجيرية بدول غربية، أتت فضيحة أخرى عن انتحار عملاء الموساد لتهز أركان جهاز الاستخبارات الإسرائيلى وتلقى بظلال من الشك حول ما يدور فى أروقته.
كشفت قناة إسرائيلية عن وقوع ٣ حالات انتحار لبعض ضباط جهاز الأمن الخارجى الإسرائيلى «الموساد» خلال العام الماضى، وأفادت القناة ١٢ العبرية عن وقوع ٣ حالات انتحار لضباط من الموساد الإسرائيلى خلال العام الماضى، انتحر أحدهم داخل مقر الموساد.
وأكدت القناة الإسرائيلية أن الجهاز قد شهد ٣ حالات انتحار ضباط من بين أعضائه، فى وقت لم تكشف القناة نفسها ملابسات حوادث الانتحار الثلاثة، مكتفية بالقول بأنهم انتحروا على خلفية العمل داخل الجهاز، خلال الـ١٢ أشهر الماضية.
فيما نقلت على لسان والد أحد الضباط المنتحرين السابقين، قبل عام ونصف العام، متسائلة، كيف يمكن لأفضل جهاز استخباراتى حول العالم من المفترض أن يعرف ما هى الحالة العقلية الخاصة بنجل الأمين العام لحزب الله اللبنانى، حسن نصر الله، ألا يعرف الحالة النفسية لموظفيه.
ونقلت المحطة عن عائلات ضباط آخرين منتحرين، أن العمل داخل جهاز الموساد نفسه هو ما يسبب اتخاذ الضابط المنتحر قرار الانتحار، مشيرة إلى أن هذه العائلات تكافح من أجل أن يعترف جهاز الموساد بمسئوليته.
لعل الفضيحة الأشهر التى هزت أركان الموساد هى تلك المتعلقة بالعلاقات العاطفية لرئيسه السابق، حيث زعم تقرير تلفزيونى إسرائيلى أن رئيس الموساد السابق، يوسى كوهين، كشف أسرار الدولة الإسرائيلية لمضيفة طيران كان على علاقة بها، وكذلك لزوجها.
وأفاد برنامج HaMakor الاستقصائى التابع للقناة ١٣ الإسرائيلية أن العلاقة الغرامية بدأت فى أواخر عام ٢٠١٨، خلال هذه العلاقة العاطفية كان كوهين يتفاخر للزوجين حول تفاصيل سرية مختلفة من عمليات وكالة التجسس حول العالم، بالإضافة إلى تزويدهم بمعلومات عن رحلاته العالمية.
قال جاى شيكر، وهو شخصية معروفة فى أسواق رأس المال الإسرائيلية، وزوج المضيفة-التى لم يذكر اسمها- للبرنامج: «لقد روى الكثير من القصص، بما فى ذلك عن الموساد، إنه ثرثار، بدأ يخبرنى أن الموساد كان يستهدف طبيبا لزعيم عربى معروف»، مضيفًا أن كوهين شارك أيضا تفاصيل حول أسلوب إدارته، وحسب اعترافات الزوج، قال كوهين له: «عندما تم تعيينى رئيسا للموساد، استمع جيدا، فى غضون ١٠ أيام، قمت بفصل ستة من كبار المسئولين لأنهم لم يكونوا مخلصين للنظام، لم يكونوا جيدين، ظنوا أننى أفضل صديق لهم عندما كنا متساوين، فى اللحظة التى تم تعيينى فيها طردتهم دون رحمة».
وردا على التقرير، قال كوهين إنه لم يُطلعه مطلقا على أى أسرار أمنية أو أى معلومات لم يكن من المفترض أن يعلنها، وفى مقطع منفصل من البرنامج، قال شيكر إن كوهين كان يرسل رسائل إلى زوجته أشار فيها إليها بعبارات مثل «أميرتى» و«جميلتى»، وتابع شيكر: «أنت تحب زوجتى وهى تحبك، أنت تدمر عائلتى الآن»، ونفى كوهين بشكل قاطع المزاعم فى ذلك الوقت، وقال للشبكة: «لا توجد مضيفة طيران، ولا توجد علاقة وثيقة».
قبل تلك الواقعة بفترة وجيزة، واجه كوهين انتقادات بسبب مقابلة ألمح فيها إلى أن الموساد فجر منشأة للطرد المركزى الإيرانية تحت الأرض فى نطنز، وقدم وصفًا دقيقًا لعملية تعود لعام ٢٠١٨ والتى سرقت فيها الوكالة الأرشيف النووى الإيرانى من الخزائن فى مستودع بطهران، وأكد أن العالم النووى الإيرانى الذى تم اغتياله مؤخرا محسن فخرى زادة كان يخضع لمراقبة الموساد منذ سنوات، وقال إن النظام بحاجة إلى فهم أن إسرائيل تعنى ما تقوله عندما تتعهد بمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية.
منذ مغادرته الموساد، واجه كوهين عدة اتهامات بانتهاكات أخلاقيات، بما فى ذلك تقرير فى وقت سابق من هذا الشهر قال إنه ساعد فى تأمين وظيفة لابنته فى شركة لها صلات مع مسئول إماراتى كبير بينما كان لا يزال يعمل كرئيس لأكبر وكالة استخبارات بإسرائيل.
فى أغسطس، بدأت الشرطة التحقيق فى عدة ادعاءات ضد كوهين، بما فى ذلك حصوله بشكل غير مشروع على مبلغ ٢٠ ألف دولار، اعترف كوهين بتلقى الهدية النقدية من رجل الأعمال الملياردير الأسترالى جيمس باكر لحضور حفل زفاف ابنته، كما ذكرت صحيفة هآرتس لأول مرة فى مايو الماضى.
خلال مقابلة تليفزيونية فى يونيو، بعد فترة وجيزة من تقاعده كرئيس لوكالة التجسس، تحدث كوهين لأول مرة عن الحادث، وادعى أنه قبل الأموال بعد استشارة المستشار القانونى للموساد، وقال إنه ملتزم بإعادة الهدية.
انتهت فترة كوهين كرئيس للموساد فى يونيو الماضى، وبعد أيام، تم تعيينه رئيسا لعمليات فرع «سوفت بنك» التابع للملياردير اليابانى ماسايوشى سون بإسرائيل، ولم يستبعد كوهين، الذى عينه رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، السعى لتولى منصب رئيس الوزراء يوما ما.
تؤكد كل هذه الفضائح والأزمات التى تحيط بجهاز المخابرات الذى تفتخر به إسرائيل أن الجهاز يعانى من تراجع كفاءته، إحدى أهم مزايا أى جهاز مخابراتى هو قدرته على إخفاء آثاره فى أى عملية، خاصة لو كانت هذه العملية تتم فى دولة حليفة له، ويعد الكشف تورط الموساد فى التفجيرات التى شهدتها ألمانيا وسويسرا خلال الثمانينيات بمثابة مصدر حرج كبير سواء للجهاز أو الدولة الإسرائيلية، بينما يأتى مسلسل انتحار ضباط الموساد ليؤكد حالة الخلل الداخلى داخل جهاز الاستخبارات الإسرائيلى، وهو الخلل الذى ظهر بقوة فى الفضيحة الأخلاقية التى تلاحق رئيسه السابق يوسى كوهين، إذا كان الرئيس السابق لأعلى جهاز أمنى فى إسرائيل يكشف أسرار الدولة العليا لعشيقته فماذا عن باقى أعضاء الجهاز؟.