مي سمير تكتب: أسبوع الفضائح بالمملكة المتحدة
تجريد نجل ملكة بريطانيا من ألقابه العسكرية بعد اتهامه بالاعتداء الجنسى.. و«مهزلة بارتيجيت» تلاحق «جونسون».. رئيس الحكومة حضر حفلًا صاخبًا أثناء الإغلاق
يعد هذا الأسبوع سيئًا بشكل خاص لمؤسستين بريطانيتين هما مكتب رئيس الوزراء والنظام الملكى، فكان على الأمير أندرو، الابن الثانى للملكة إليزابيث، أن يتخلى عن واجباته الملكية وألقابه العسكرية والجمعيات الخيرية بينما يستعد لمحاكمة مدنية محتملة فى الولايات المتحدة تتعلق بادعاءات أنه اعتدى جنسيا على امرأة شابة، فى هذه الأثناء، اضطر مكتب رئيس الوزراء بوريس جونسون إلى الاعتذار عن حفلتين تمت إقامتهما أثناء إجراءات الإغلاق الخاصة بجائحة كورونا، حيث عقدت إحدى هاتين الحفلتين فى الليلة التى سبقت جنازة الأمير فيليب، زوج الملكة.
تعكس أزمة الأمير أندرو، المتورط فى محاكمة بالولايات المتحدة تزعم اعتداءه جنسيا على فتاة قاصر، الكثير من الكواليس الغامضة التى أصبحت تحيط بالعائلة المالكة البريطانية، للفضيحة تداعيات أوسع على العائلة المالكة، التى تواجه موجة من الانتقادات بشأن قضية أندرو.
كانت العائلة المالكة قد تعرضت سابقًا لانتقادات كبيرة بسبب ادعاءات العنصرية من قبل الأمير هارى وميجان، دوقة ساسكس خلال العام الماضى، ووصف قصر باكنجهام فى وقت لاحق الادعاءات بأنها «مثيرة للقلق»، تأتى كل هذه الفضائح فى وقت تسيطر فيه حالة من انعدام اليقين على مستقبل الملكية خاصة بعد رحيل الملكة إليزابيث، وتؤكد التقارير أن الملكة التى تجاوزت التسعين من عمرها ترفض التنازل عن العرش لولى العهد الذى لا يحظى بشعبية بين الشعب البريطانى، كل هذه المشاكل جعلت أزمة أندرو الأخيرة تحتل مكانة خاصة حيث دفعت بالكثير من التساؤلات حول مستقبل الملكية البريطانية.
أعلن قصر باكنجهام، الخميس الماضى، تجريد الأمير أندرو البريطانى من ألقابه العسكرية وإشرافه على الجمعيات الخيرية، وذلك بعد يوم من حكم قاض بإمكانية متابعة دعوى مدنية ضد نجل الملكة تتعلق بالاعتداء الجنسى، وصرح مصدر ملكى لشبكة سى إن إن، بأن أندرو لن يستخدم لقب «صاحب السمو الملكى» بأى صفة رسمية، وقال المصدر إن القرار «نوقش على نطاق واسع» بين العائلة المالكة.
وقال قصر باكنجهام فى بيان: «بموافقة الملكة، أعيدت الانتماءات العسكرية والرعايات الملكية الخاصة بدوق يورك إلى الملكة»، مضيفًا أن «دوق يورك سيستمر فى عدم القيام بأى واجبات عامة، وهو يدافع عن نفسه فى هذه القضية كمواطن عادى».
وقال مصدر إن جميع ألقاب الأمير أندرو أعيدت إلى الملكة بأثر فورى، وسيعاد توزيعها على أعضاء آخرين من العائلة المالكة، متابعًا أن القضية نوقشت على نطاق واسع مع العائلة المالكة.
الأربعاء الماضى حكم قاض فى نيويورك ضد طلب قدمه فريق أندرو القانونى لرفض دعوى مدنية رفعتها ضده فيرجينيا جوفرى، التى تزعم أنها تعرضت للاستغلال الجنسى من قبل رجل الأعمال الأمريكى جيفرى إبستين وأجبرت على ممارسة الجنس مع الأمير فى سن السابعة عشرة، نفى أندرو بشدة هذه الادعاءات، وقالت جوفرى إنها سعيدة بالحكم ومسرورة لإتاحة الفرصة لها لمواصلة كشف الحقيقة فى سلسلة من التدوينات المترابطة على تويتر، معربة عن امتنانها لفريقها القانونى، قائلة: «تصميمهم يساعدنى على السعى لتحقيق العدالة من الذين يؤذوننى وآخرين كثيرين، كان هدفى دائما إظهار أن الأغنياء والأقوياء ليسوا فوق القانون ويجب محاسبتهم»، مضيفة: «أنا لا أسير فى هذا الطريق بمفردى، ولكن إلى جانب عدد لا يحصى من الناجين الآخرين من الاعتداء الجنسى والاتجار بالبشر».
جدير بالذكر أن السلطات الأمريكية ألقت القبض على المليونير الأمريكى جيفرى ابستين بتهمة الاتجار بالبشر فى ٦ يوليو ٢٠١٩ أثناء عودته من باريس وقد قتل نفسه فى الشهر التالى قبل أن يواجه المحاكمة.
كانت المزاعم ضد أندرو - إلى جانب علاقته مع المدان الراحل إيبستين - قد شوهت بالفعل سمعة الأمير، لكن احتمالية إجراء محاكمة علنية تجذب الانتباه العالمى يمكن أن تضع أندرو - الطفل الثالث (ويقال أنه الابن المفضل) للملكة إليزابيث الثانية - فى موقف غير مسبوق لأحد كبار أفراد العائلة المالكة البريطانية.
كان أندرو قد تخلى عن واجباته العامة فى عام ٢٠١٩ نتيجة تلك المزاعم، بصرف النظر عن الأيام التى أعقبت وفاة والده الأمير فيليب فى أوائل عام ٢٠٢١، نادرا ما ظهرعلنا منذ ذلك الحين، حتى إنه كان غائبًا عن الصور التى تم نشرها علنًا لحفل زفاف ابنته الكبرى بياتريس عام ٢٠٢٠.
رفعت جيوفرى قضيتها ضد أندرو بموجب قانون ضحايا الاستغلال الجنسى من الأطفال بنيويورك، وهو قانون ولاية صدر عام ٢٠١٩ وسّع قانون التقادم فى قضايا الاعتداء الجنسى على الأطفال لمنح الناجيات مزيدًا من الفرص للسعى إلى العدالة، وقال محامى جوفرى لشبكة سى إن إنه تم رفع الدعوى المدنية لإظهار أنه «يجب محاسبة جميع مرتكبى الانتهاكات».
تقول جوفرى إن إبستين قام بالاتجار بها وأجبرها على ممارسة الجنس مع أصدقائه - بما فى ذلك الأمير - فى وقت كانت فيه دون السن القانونية (١٧ عاما) فى الولايات المتحدة، وقالت إن الاعتداءات وقعت فى لندن ونيويورك وجزر فيرجن الأمريكية،متابعة أن أندرو كان يعلم أنها كانت قاصرًا فى ذلك الوقت، وأن إبستين قام بالاتجار بها.
وقالت الدعوى إنها تسعى للحصول على تعويضات «بالمبلغ الذى سيتم تحديده فى المحاكمة»، بالإضافة إلى أتعاب المحاماة وغيرها من التعويضات الأخرى «كما تراه المحكمة عادلة ومناسبة».
قدم محامو أندرو طلبًا برفض الدعوى فى أواخر العام الماضى، لكن المحاولة باءت بالفشل الأسبوع الماضى، وعليهم الآن إعداد الأمير لمواجهة محكمة فى نيويورك، ولا يزال بإمكانه محاولة التفاوض على تسوية مع جوفرى لتجنب إحالة القضية للمحاكمة.
قدمت محامية جوفرى الجمعة الماضى، رسالتين لموافقة قاض فيدرالى على إرسالهما للمملكة المتحدة فى قضيتها ضد أندرو، وفقا لقواعد اتفاقية لاهاى، يجب تقديم الطلبات، بمجرد الموافقة عليها فى المحكمة الفيدرالية بمانهاتن، للموافقة عليها من كبار مسئولى المحاكم الملكية بلندن، تطلب الرسائل الإذن بالحصول على إفادة شخصين: امرأة، تُدعى شورى ووكر، قالت فى تقارير إعلامية إنها شاهدت أندرو فى ملهى ليلى يمتلكه رئيس أمريكا السابق دونالد ترامب مع فتاة صغيرة فى عام ٢٠٠١، وروبرت أولنى، مساعد أندرو السابق، تطلب الخطابات استكمال الإفادات بحلول ٢٩ أبريل المقبل.
الخميس الماضى، وقع أكثر من ١٥٠ من قدامى المحاربين فى البحرية الملكية وسلاح الجو الملكى والجيش على رسالة، من مجموعة الضغط المناهضة للنظام الملكى «ريبابليك»، تطالب الملكة بتجريد الأمير أندرو من ألقابه العسكرية البريطانية الثمانية، وعمل دوق يورك لمدة ٢٢ عاما فى البحرية الملكية، كما كان قائدا لطائرة مروحية أثناء حرب الفوكلاند، وكعضو سابق فى القوات المسلحة، تمت ترقيته من قبل البحرية بما يتماشى مع أقرانه الذين ما زالوا يخدمون فى البحرية إلى رتبة نائب أميرال فى عيد ميلاده الخامس والخمسين فى عام ٢٠١٥، وأكد القصر أنه سيحتفظ بتلك الرتبة.
على الجانب الآخر، شهدت الحكومة البريطانية فضيحة جديدة تهدد مستقبل رئيس الوزراء بوريس جونسون، حيث يعانى جونسون من أزمة بسبب مزاعم حول إقامة العديد من الحفلات التى عقدت فى ١٠ داونينج ستريت (مقر رئيس وزراء بريطانيا) بينما كانت بقية المملكة المتحدة فى حالة إغلاق، مما أثار غضبًا وطنيًا، فى فضيحة أصبحت تُعرف فى وسائل الإعلام باسم «مهزلة بارتيجيت»، لأسابيع، حاول جونسون وأنصاره الانتظار حتى تمر العاصفة من خلال رفض الإجابة حتى على أبسط الأسئلة المتعلقة ببعض الحفلات التى حضرها رئيس الوزراء.
لكن الأخبار عن حفل «أحضر الخمر الخاص بك» الذى أقيم فى حديقة داونينج ستريت فى ذروة أول إغلاق لفيروس كورونا بالمملكة المتحدة أجبر رئيس الوزراء على الاعتذار هذا الأسبوع والاعتراف بأنه حضر الحفل بالفعل بصحبة زوجته.
وتفاقمت الفضيحة حيث تم الكشف إقامة حفلة بداونينج ستريت فى الليلة التى سبقت جنازة الأمير فيليب، ولوحظ فى ذلك الوقت أنه بسبب قيود فيروس كورونا، اضطرت الملكة إلى الحداد بمفردها على زوجها فى كنيسة سانت جورج بقلعة وندسور، حيث شوهدت أثناء جلوسها وحيدة بالكنيسة، واعتذرت الحكومة للملكة، لكن المزيد من الخطر يلوح فى الأفق.
تمسك جونسون والحكومة إلى حد كبير بموقفهم المتمثل فى أنه يجب حجب أى تعليق إضافى على الحفلات حتى يكتمل التحقيق من قبل سو جراى، وهى موظفة حكومية كبيرة تم تكليفها بإصدار تقرير حول ما حدث بالضبط.
فى غضون ذلك، فى بيان صدر فى وقت متأخر من يوم الاثنين الماضى، قالت شرطة لندن إنها تجرى تحقيقات بشأن الانتهاكات المحتملة لقوانين الإغلاق فيما يتعلق بتلك الحفلات، وقالت الشرطة: «إن دائرة شرطة العاصمة على علم بالتقارير الواسعة النطاق المتعلقة بالانتهاكات المزعومة للوائح حماية الصحة فى داونينج ستريت خلال ٢٠ مايو ٢٠٢٠ وهى على اتصال بمكتب مجلس الوزراء».
وكانت رسالة بريد إلكترونى، كشفت عنها قناة «آى تى فى نيوز» الإخبارية، قد وجهت دعوة لمجموعة من الأشخاص إلى «تناول مشروبات مع الحفاظ على التباعد الاجتماعى فى حديقة ١٠ داونينج ستريت هذا المساء»، وأُرسلت تلك الرسالة عندما كانت البلاد لا تزال تطبق تدابير الإغلاق الأولى.
وقالت قناة «آى تى فى نيوز» إن حوالى ٤٠ عاملًا انتهى بهم الأمر بالتجمع فى الحديقة ذلك المساء، وقالت بى بى سى نيوز إنها تلقت رسائل بريد إلكترونى من بعض موظفى داونينج ستريت تشكك فى حكمة الدعوة، حيث قال إدوارد أجار، وكيل وزارة الصحة ببريطانيا، لببرنامج بى بى سى بريكفاست إنه يتفهم قدر «الغضب والحزن والانزعاج الذى يشعر به الكثيرون إزاء تلك الادعاءات»، وقال حزب العمال إن رئيس الوزراء سيواجه «أسئلة جدية» إذا ثبت حضوره الحفل، وقال إد ميليباند، زعيم حزب العمال، فى تصريح لنفس البرنامج إن جونسون سيتورط فى «موقف صعب للغاية» إذا تبين أنه «خالف القواعد وربما انتهك القانون»، مضيفًا: «يتعين عليه أن يقدم أدلة، عليه أن يشرح موقفه، لا أن يختبئ خلف التساؤلات»،
وكان جونسون يأمل فى بدء العام الجديد بإعادة ضبط حكومته المحاصرة، تاركًا وراءه ما يسمى بفضائح «بارتيجيت» التى زادت الضغط على منصبه، بعد سلسلة من الادعاءات الأخرى بالفساد.