د. نصار عبدالله يكتب: صاحب العدالة.. كوفيد- ١٩
صاحب العدالة: «كوفيد التاسع عشر» لايفرق بين إنسان وإنسان تبعا للون أوالجنس أو العقيدة أو العرق أو المكانة الاجتماعية.. تأمل قائمة الضحايا الذين تمكن كوفيد من إصابتهم، وإهلاك بعضهم..سوف تجد من بينهم من ينتمون إلى الجنس الأصفر فى شرق آسيا..لكنك سوف تجد كذلك من ينتمون إلى الأبيض أوالأسود أو ألوان أخرى فى أصقاع شتى من الأرض!!.. سوف تجد المسلمين والمسيحيين واليهود كما ستجد البوذيين والهندوكيين، وربما ستجد أيضا عددا معتبرا من الملحدين واللادينيين!..سوف تجد عددا من مشاهير الفن والسياسة ونجوم الكرة كما ستجد أعدادا غفيرة من المغمورين الذين لم يسمع بهم أحد.. سوف تجد المليارديرات من ذوى الثراء الفاحش كما ستجد الفقراء الذين لا يكاد الواحد منهم أن يدبر قوت يومه.. سوف تجد الرجال والنساء فى مختلف الأعمار وهم يتكلمون بشتى لغات الأرض لكنهم جميعا يعانون من نفس الأعراض مع تفاوتات يسيرة فى الشدة والمقدار (مالم يتعرض بعضهم للمضاعفات)..كل هذا يؤكد أن فيروس كوفيد ١٩ شأنه فى هذا شأن جميع الفيروسات المعدية هو كائن عادل يقوم بتوزيع الإصابة ومن ثم توزيع الأذى بشكل متساو أو قريب من التساوى على كل من يتصادف وجودهم فى طريقه دون أى انحياز إلى واحد معين أو إلى فريق بذاته من بينهم..وعلى هذا النحو فإنه جدير حقا بأن يوصف بأنه: «صاحب العدالة كوفيد ١٩».. صحيح أن عدالته ليست مطلقة، لكنه على الأقل أكثر عدالة من ضحاياه من البشر، ولسنا هنا فى حاجة لأن نذكر القراء الأعزاء بأن البشر هم وحدهم الذين يستأثرون برذيلة الظلم والتحيز من بين سائر الكائنات الحية، ومع هذا فإن الظلم والتحيز ليسا هما رذيلة البشر الوحيدة فالنفس البشرية إلى جانب هذا النوع من الضعف مترعة برذائل أخرى لا يمكن حصرها.. خذ مثلا: النفاق، والخداع، والحسد، والاستقواء على الضعفاء، والخوف من الأقوياء، والزهو الكاذب، والغرور.. إلخ.. قد يقول قائل إن المقارنة هنا لا محل لها، لأن كل ما سلف ذكره من النقائص والرذائل راجع إلى سمة واحدة يمتلكها الكائن البشرى ألا وهى الإرادة الواعية التى حينما تتوجه إلى الشر تغدو إرادة شريرة، لكن هذا لا ينسينا أنها كثيرا ما تتوجه إلى الخير فتصبح إرادة خيرة، وفى الحالتين لا تجوز المقارنة بين كائن يمتلك الإرادة الواعية وهو الإنسان وبين كائن لا يمتلك مثل هذه الإرادة وهو ما يتمثل فى الكائنات الحية الأخرى حيوانا كانت أم نباتا، ناهيك عن الكائنات التى لا تمتلك الحياة أصلا، ومن بينها الفيروسات التى ما زال الكثيرون من المشتغلين بتصنيف الكائنات الحية يترددون فى إدراجها ضمن تلك الكائنات، والسبب فى ذلك هو أن الحياة حتى فى أبسط صورها تنطوى على ممارسة لبعض الوظائف فى مقدمتها «التغذى» أى الحصول على العناصر الغذائية من البيئة المحيطة بالكائن، ثم «التمثيل» أى تحويل تلك العناصر إلى نسيج مثيل للنسيج الذى يتكون منه الكائن الحى، ثم «النمو»، ثم «التكاثر»، فإذا نظرنا إلى الفيروس وجدنا أنه غير قادر بذاته على أداء أية وظيفة من تلك الوظائف، ولكنه يقوم بها فقط من خلال غزوه لخلية لكائن حى حيث يقوم بحقنها بشفرته الوراثية وتحويلها حينئذ إلى خلية فيروسية قابلة للانقسام والتكاثر، أما الفيروس فى حد ذاته فهو مجرد شريط حلزونى مفرد أو مزدوج يحتوى على المادة الوراثية dna وهذه الحروف هى اختصار لـ ديوكسى ريبونيوكليك آسيد (الحمض النووى الريبوزى).. ونعود إلى المعترضين على المقارنة بين الفيروس وضحاياه من البشر وإلى قولهم بأن وصف الفيروس بأنه عادل هو وصف غير جائز، لأن المقارنة فى هذا الخصوص يجب أن تكون بين إنسان وإنسان باعتبار أن البشر هم المحتكرون الوحيدون لكافة الفضائل والرذائل، وهذا كله صحيح.. لكننا فى الحقيقة لانقارن مقارنة حقيقية، بين الفيروس والإنسان ولكننا نتخيل مجرد تخيل أننا نتعامل مع الفيروس، وقد أصبح له بفضل تأثيره الواسع مقام خطير الِشأن، ما يبرر لنا ولو على سبيل المجاز أن نصفه بأنه صاحب المقام الرهيب، ولنا أن نتوقف بعد ذلك عند ما يتسم به ذلك الكائن الضئيل الحجم والعظيم التأثير ما يتسم به، من عدم الانحياز مع أو ضد ضحاياه فنصفه عندئذ بأنه صاحب العدالة: «كوفيد التاسع عشر».