بطرس دانيال يكتب: المحيط الصحى
نقرأ فى سفر الأمثال: «اسمَعْ، يا بُنَيّ تأديب أبيكَ ولا تنبذ تَعْليمَ أُمِّكَ. فإنهما إكليلُ نعمةٍ لِرَأسِكَ وأطواقٌ لعُنِقكَ» (١: ٨-٩). ما أجمل الأسرة المتحابة فيما بينها! وما أجمل العائلة التى نجد فيها الاحترام المتبادل بين الآباء والأبناء، والتقدير والطاعة من الأبناء لوالديهم! ولكن للأسف كم من الأبناء الذين خسروا الجو الأسرى بسبب عصيانهم لوالديهم؟ كما أن البعض من الأبناء اعتبروا أهاليهم «موضة قديمة». فإذا أردنا أن نعيش فى محيط عائلى صحى، يجب أن نضع فى الاعتبار فضيلة الإيمان مع المحبة الحقيقية لكل شخص فى الأسرة. لذلك يجب على الزوج أن يحب زوجته بإخلاص ساعيًا إلى إسعادها فى هذه الحياة بكل ما فى استطاعته، وبالمثل يجب على الزوجة المخلصة أن تبذل كل طاقاتها للقيام بما هو لخير الأسرة، وأن يقوما بنفس الروح تجاه أبناءهما وفى المقابل يجب على الأبناء الاعتراف بالجميل لما يقوم به الوالدان وطاعتهما وتقديرهما واحترامهما. وهنا لا تكفى المحبة فقط؛ ولكن يجب أن نتحلى بالإيمان الذى يساعدنا على قبول الآخر مهما كانت شخصيته، والاستمرار فى حُبنا حتى إن وُجِدت بعض الإخفاقات والاختلافات فى الرأى والفكر والذوق. لذلك يجب على كل فرد فى الأسرة أن يؤمن بالإمكانيات غير المحدودة فى الآخر. فالعائلة محيط غريب، لأن فيها يجب أن تكمن المحبة وتستمر مهما كان الآخر يستحق أو لا يستحق. كما يجب ألا نتبع القانون الذى يرغمنا على محبة الغير بنفس المقياس الذى يحبنا به أو حسب أعماله. لأن المحبة داخل الأسرة يجب أن تكون بلا حدود أو حسابات أو تردد، وعندما تنعم الأسرة بهذه المحبّة الفيّاضة، سيشعر كل أفرادها بسعادةٍ لا متناهية. فالعائلة المثالية مبنية على الإيمان بمحبة الآخر، فالزوجة فيها تحب زوجها ليس لأنه الإنسان الأفضل تفاهمًا وحنانًا وسخاءً وصبرًا، فإذا كان حُبها مبنى على هذه الصفات، فسيكون هناك مبررٌ لتركه. ولكن الزوجة تحب زوجها لأن زواجهما صار مقدسًا ومباركًا من الله. كما أن الزوج يجب عليه أن يُحب امرأته، ليس بناءً على أنها أجمل واحدة فى العالم، أو الأكثر لطفًا ونبلًا وحنانًا وصبرًا؛ ولكن لأنها زوجته التى اختارها بحرية تامة لتكون شريكة له فى كل شيء. كذلك يجب على الوالدين أن يحبّا أبناءهما الذين وهبهم الله لهما، وليسوا اختيارًا منهما فى مسابقة للجمال، أو حصلا عليهم كمكافأة؛ ولكن السبب الحقيقى لقبولهم هو أنهم عطية من الله، ومما لا شك فيه أنهما سيصبحان والدين مخلصين عندما يقوما بتربيتهم أفضل تربية، ويجعلا منهم أبناءً رائعين وصالحين. ونستطيع أن نقول نفس الشيء للأبناء، يجب عليهم أن يحبّوا والديهم ليس لأنهما أفضل شخصين فى العالم ودون عيوب، فإذا كانت محبتهما مبنية على هذا الأساس؛ فسيكون لهم الحق فى تغييرهما بآخرين، ولكن يجب عليهم أن يحبونهما لأنهما والديهما وكفى. نستنتج من هذا أنه يجب على كل فرد فى الأسرة أن يحب الآخر دون شروط أو حدود، مهما تعددت الأسباب. وعندما نختبر هذه المحبة داخل الأسرة، سنشعر بأننا أسعد ناس فى الدنيا، كما سيعمّ السلام والوئام فى محيط العائلة. ومما لاشك فيه أنه لا توجد سعادة تقارن بالعائلة المتحابة حقًا. لنتخيّل محبتنا غير المشروطة للأطفال، جميعنا يُحب أى طفل يتقابل معه دون شروط، ومهما صدر عنه من تصرفات غريبة، نلتمس له العذر، ولا نحاسبه على أنانيته أو بكائه أو صراخه. فإذا رجعنا بالذاكرة إلى السنوات التى عاشت فيها الأسرة بمحبة صادقة، سنكتشف أنها كانت أفضل سنوات تحمل معها الكثير من الإنجازات والنجاحات والأعمال الرائعة. كما يجب أن نضع فى الاعتبار جيدًا أن الإدانة هى كالسوس الذى يهدد كيان الأسرة ويهدمها، لأنه فى اللحظة التى نبدأ فيها بالحكم على الآخرين من خلال المظاهر الخارجية أو العيوب التى تصدر عنهم، ستكون نهاية هذه العائلة وهدمها بالكامل. إذًا الأسرة الحقيقية والمثالية هى التى يقبل فيها كل شخصٍ أن يحب الآخرين دون الإلمام بكل شيء عنهم، متخطيًا بذلك الخلافات وعدم التفاهم، ونستطيع تحقيق هذا عندما نتحلى بالإيمان الذى يساعدنا على اكتشاف قدرات وإمكانيات وفضائل الآخرين. فالمحبة تمتلك قوة خارقة للطبيعة بها نستطيع أن نبدّل كل شيء إلى الأفضل والأجمل والأنفع، كما أنها تدعونا ألا نستبعد أحدًا. ونختم بكلمات الكاتب على أمين: «تعالوا نظلل قلاعنا بأشجار الحُب، فإننا لم نحصد من أشجار الكراهية سوى الهزيمة والفشل».