أثناء جراحة استئصال اللوزتين
"الإدارية العليا" تعاقب طبيبين تسببا فى إشعال النيران بفم طفل
حكمت المحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار صلاح الجروانى نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين صلاح هلال والدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى ومحسن منصور ونادى عبد اللطيف نواب رئيس مجلس الدولة بمعاقبة طبيبين "مقيم" بمستشفى ديرب نجم المركزى بالشرقية بتأجيل ترقيتهما عند استحقاقها لمدة سنتين بسبب خطأ طبى، الأول (ح.ا.إ) بوصفه طبيب مقيم تخدير بالمستشفى باشر تخدير الطفل (م.و.ع) حال عدم جواز ذلك لكونه طبيب مقيم في غير حضور الأخصائي، وخدر أكثر من حالة في آن واحد مما أدي لعدم تواجده للتعامل مع حالة الطفل إثر نشوب حريق في فمه. والثانى (إ.ح.إ) بوصفه طبيب مقيم أنف وأذن وحنجرة باشر جراحة استئصال اللوزتين للطفل المذكور حال عدم جواز ذلك لكونه طبيب مقيم دون احتراز وحيطة باستخدام فولت الكى أعلى من الطبيعى مما أدي إلي اشتعال النيران بفم الطفل وعدم مواجهتها بالشكل المهني السليم، ولم يتخذ الإجراءات الطبية اللازمة بعد خروج الطفل من غرفة العمليات حال عدم توصيل جهاز تنفس صناعي وأكسجين رطب مما أدي لحدوث مضاعفات.
وقد راعت المحكمة فى نوع العقاب المسئولية التشاركية بين إدارة المستشفى والطبيبين حيث اقرا الطبيبان أن إدارة المستشفى هي التي تسمح للأطباء المقيمين بمباشرة الجراحة دون وجود أخصائي حتى صار ذلك عرفًا داخل المستشفى وأن المستشفى ليس بها عناية تخدير ولا يوجد بها حجرات خاصة لوضع الطفل على الأكسجين سوى بقسم النساء والتوليد، وأن قسم الجراحة العامة بالمستشفى ليس به أكسجين رطب حتى يتم توصيله للطفل وأن جهاز التنفس الصناعي والأكسجين الرطب موجود فقط في قسم الأطفال.
وسجلت المحكمة فى حكمها أنه إزاء ما تكشف لديها مما ثبت من الأوراق وذكره الطاعن فى الطعن الأول دون إنكار من هيئة النيابة الإدارية من أن مستشفى ديرب نجم المركزى ليس بها عناية تخدير ولا يوجد بها حجرات خاصة لوضع الطفل على الأكسجين سوى بقسم النساء والتوليد، وكذلك الطاعن فى الطعن الثانى كونه قام بمباشرة الجراحة دون وجود أخصائي فإن إدارة المستشفى هي التي تسمح بذلك على الدوام حتى صار ذلك عرفا داخل المستشفى، وهى سلبيات يتعين العمل على تلافيها واستكمال ما لديها من نقص فى التخصصات أو التجهيزات باعتبار أن الهــدف الأســمى مــن الرعايــة الصحيــة هــو تقديــم الخدمــات الصحيــة عاليــة الجــودة إلــى جميــع مــن يحتاجهــا بالكيفية وفـي التوقيــت المناســب الذى ينقذ حياة المريض، لتحقيــق الحــد المقبــول مـن الارتقــاء بجــودة حيــاة المواطــن المصــري وتحقيــق العدالــة فــي الحق فى الصحة وفرص النفاذ إليه.
قالت المحكمة أن الدستور أكد على حق المواطن فى الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقًا لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التى تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافى العادل، وأعلى من شأن الإنسان وحرمة جسده وأنه يتعين على الأطباء مباشرة عملهم الطبي المكلفين به تجاه مرضاهم في المستشفيات الحكومية وفقا للأصول الطبية والقواعد الفنية والمهنية المرعية في مجال تخصصهم فضلًا عن ضرورة اضطلاعهم بأحدث أساليب العلاج الدوائي وطرق أداء العمليات الجراحية بما يمكنهم من علاج مرضاهم بأسرع وقت وبأقل طرق العلاج، وذلك يفترض أن يجد الطبيب فى المستشفى ما يمكنه من أداء عمله المهنى ورسالته فى التطبيب بتوافر الأدوات والأجهزة اللازمة للعمليات الجراحية وما يصاحبها من أجهزة التنفس الصناعى، وذلك بمراعاة أن التزام الأطباء تجاه مرضاهم هو التزام ببذل عناية الطبيب الحريص والدقيق وليس التزامًا بتحقق نتيجة، وفي حالة مخالفة ذلك تتحقق مسئوليتهم التأديبية فى القدر الذى ينسب إليهم، مراعيا الأصول الفنية التى تعارفت عليها أصول مهنة الطب بمختلف تخصصاته المختلفة.
وأضافت المحكمة أن المخالفات المنسوبة إلى الطاعن فى الطعن الأول طبيب مقيم التخدير، والمتمثلة في أنه باشر تخدير الطفل المذكور حال عدم جواز ذلك لكونه طبيب مقيم في غير حضور الأخصائي، فإنها ثابتة في حقه ثبوتا يقينيًا مما يتعين محاسبته لأنه يتعامل مع أرواح مرضي قد يدفعون حياتهم ثمنا لخطأ مهني يرتكبه الطبيب نتيجة مخالفته لبرتوكول العمل في مجال التخدير، كما أنه خدر أكثر من حالة في أدي لعدم تواجده للتعامل مع حالة الطفل المذكور إثر نشوب حريق في فمه، وهى ثابتة في حقه ثبوتًا يقينيًا بالمخالفة لبرتوكول العمل في مجال التخدير والذي يحتم عليه عدم تخدير إلا حالة واحدة في غرفة العمليات لحين المتابعة والملاحظة للحالة، وكان غير موجود بالقرب من الحالة فإن الأمر ترك لطبيب الأنف والأذن للتصرف وحتي ولو ثواني يؤثر بالسلب علي أثار الحريق الذي نشب بفم الطفل حيث أنه لو كان موجودًا لكان تم التصرف مع الحريق بشكل فوري مما يعد خطأ منه، كما قعد عن اتخاذ إجراءات الحيطة والحذر عند تخدير حالة الطفل بعد خروجه من غرفة العمليات لأن الأكسجين هو عمل طبيب التخدير بالدرجة الأولي وأن التأخير في ذلك أدي إلي زيادة الالتهاب والرشح الذي حدث وكان من الممكن تقليل المضاعفات. وتكون جميع المخالفات المنسوبة للطاعن فى الطعن الأول ثابتة في حقه ثبوتًا لا يقبل الشك ولا يزايله اليقين
وأشارت المحكمة إلى أن الأوراق كشفت عما ذكره الطاعن – دون انكار من النيابة الإدارية – من أن مستشفى ديرب نجم المركزى لا يوجد بها سوى اثنين من أطباء التخدير وتعتبر ثاني مستشفى في محافظة الشرقية من حيث التردد والعمليات ولم يوجد أخصائي تخدير بالمستشفى في ذلك الوقت بل يوجد مساعد أخصائي فقط، فضلا عن أن المستشفى ليس بها عناية تخدير ولا يوجد بها حجرات خاصة لوضع الطفل على الأكسجين سوى بقسم النساء والتوليد وهو قصور فى الأجهزة والتجهيزات، فإن هذا القول لا ينفى عنه المسئولية لكن العدالة توجب ألا يحاسب بمفرده عن هذا التقصير وقد شاركته إدارة المستشفى بإمكانياتها غير المتكاملة فى قدر من مقدار الخطأ.
وأوضحت المحكمة أنها وهى بصدد وزن العقوبة التأديبية الواجب إنزالها بحق الطاعن فى الطعن الأول تضع في اعتبارها تشارك الخطأ بين تقصير المستشفى التى لم يتواجد بها أخصائي تخدير في ذلك الوقت بل يوجد مساعد أخصائي فقط، فضلا عن أن المستشفى ليس بها عناية تخدير ولا يوجد بها حجرات خاصة لوضع الطفل على الأكسجين سوى بقسم النساء والتوليد، وعلى هذا النحو فإن المخالفات الثابتة في حقه لا تصل إلى حد فقدانه الثقة والأمانة اللازمين لتولى الوظائف العامة، مما يتعين معه على المحكمة التدخل وإعادة تقدير الجزاء الموقع على الطاعن ليتساوى مع زميله فى العقاب والذى أجرى العملية وشاركه الخطأ بخطأ أكبر وليس من العدالة أن يجازى صاحب الخطأ الأكبر بعقاب أقل من صاحب الخطأ الأقل درجة وتغل يد المحكمة عن عقابه العقاب المستحق تطبيقا لقاعدة أن الطاعن لا يضار بطعنه ولعدم قيام النيابة الإداية بالطعن على الحكم الماثل .
وذكرت المحكمة أنه عن المخالفات المنسوبة إلى الطاعن طبيب مقيم الأنف والأذن والنحجرة فى الطعن الثانى المتمثلة في أنه سمح بدخول الطفل(م.و.ع) – أربع سنوات ونصف - العمليات لإجراء جراحة استئصال اللوزتين بالمخالفة للتعليمات وأنه باشر جراحة استئصال اللوزتين للطفل المذكور حال عدم جواز ذلك لكونه طبيب مقيم ودون احتراز وحيطة مما أدي إلي اشتعال النيران بفم الطفل وعدم مواجهتها بالشكل المهني السليم مما أدي لحدوث مضاعفات في حالة الطفل، فإنها ثابتة في حقه ثبوت يقينيًا بالمخالفة لبرتوكول العمل بقسم جراحة الأنف والأذن والحنجرة بإتباع خطوات يجب اتخاذها قبل إجراء العملية الجراحية للمريض تتضمن ضرورة تواجد أخصائي الأنف والأذن والحنجرة ولا يسمح لطبيب مقيم أنف وأذن وحنجرة بإجراء العملية إلا تحت إشراف الطبيب الأخصائي وعند استخدام جهاز الكي الكهربائي في عملية استنصال اللوزتين يجب إتباع احتياطات معينة حتي لا تحدث مشاكل كما كشف عنها أهل الطب ومنها عدم استخدام الإيثر كمادة مخدرة لأنها مادة قابلة للاشتعال واستخدام مادة الفلوثان بدلا منها وكذلك استخدام أنبوبة مطاطية في الحفاظ علي الممر الهوائي إلى الحنجرة والقصبة الهوائية، وفي حالة عدم وجود الأنبوبة المطاطية تستخدم الأنبوبة البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، ويجب تحوط الأنبوبة بقطنة مبللة بالمياه حتي لا تشتعل وحتي لا يحدث تسرب من خلال الحيز من المادة التي تستخدم في التخدير الفلوثان والتأكد من سلامة الأجهزة المساعدة في العمليات وهى جهاز التخدير والشفاط والكشاف والتجهيز الكامل لترابيزة العمليات، حتى لا يفاجئ بوجود نقص في أثناء العملية.
وانتهت المحكمة إلى أن الطاعن المذكور قد استخدم فولت عالي في عملية الكي حيث ثبت استخدامه للجهاز بدرجة 50 فولت رغم أن الطبيعى ضبط الجهاز بما لا يزيد على 35 فولت على أقصى تقدير وكان يتعين عليه التأكد من ضبط الفولت بنفسه قبل الجراحة والطاعن أقر بنفسه بذلك صراحة عند تفسير سبب الاشتعال كما أنه كان يجب مواجهة الاشتغال فورا بغلق فم الطفل برهة بسيطة لمنع دخول الهواء المحمل بالأكسجين والذي يساعد علي الاشتعال وكان ذلك سيؤدي إلى توقف الاشتعال فورًا ،وهذا لم يحدث مما أدي إلي حدوث تلك المضاعفات، وتكون جميع المخالفات المنسوبة للطاعن فى الطعن الثانى ثابتة في حقه ثبوتًا لا يقبل الشك ولا يزايله اليقين وبما يستوجب مُجازاته تأديبيًا وقد جازته محكمة أول درجة بتأجيل ترقيته عند استحقاقها لمدة سنتين رغم جسامة ما ارتكبه فى حق الطفل، بيد أن المحكمة لا تستطيع تغليظ العقوبة عليه إعمالًا لقاعدة أن الطاعن لا يضار بطعنه لعدم قيام النيابة الإدارية بالطعن على الحكم المطعون فيه ضد الأطباء وأن الطعنين الماثلين منهما وحدهما..