عبدالحفيظ سعد يكتب: الرئيس فى حضرة الجنوب.. "أسبوع التنمية" لإزالة سنوات إهمال الصعيد
خطة استثمار الصعيد بالعرض تضخ دماءً جديدة وتزيد الفرص
تحرك الدولة تجاه المشروعات ليس وليد الزيارة التاريخية بل سبقها خطوات
قبل أن تطوى ٢٠٢١ صفحتها الأخيرة، حملت نسمات شتاءها القارس بشرة خير لواديها الضيق فى الجنوب، هذا الوادى الممتد من أسوان للجيزة، يشكل العمود الفقرى لمصر، أمدها بسواعد الرجال التى كان المقدمة فى أوقات المحن ومتصدرة فى معركة البناء والتشييد لحضارة مصر منذ آلاف السنين، هذه الحضارة التى مازال العالم يقف منبهرًا أمامها.. وكانت شاهدة على قيمة وعظمة هذه البقعة العظيمة من مصر والتى تشكل ٧٥٪ من مساحتها الإجمالية ويعيش فيها نحو ٤٠٪ من سكانها، ورغم كل تلك الإمكانيات البشرية والجغرافية والحضارية ظل الصعيد مهملا لعشرات العقود من الزمن، غير مطروح على خطط الدولة للتنمية والاستثمار.
وظل السؤال الحائر أين تنمية الدولة للصعيد؟ ولماذا بهت الصعيد فى الفترة الأخيرة من تاريخ مصر بعد أن كان نبراسا لحضارتها الأولى التى أشرقت وتصدرت العالم وازدهرت على ضفاف واديه فى الجنوب وتحركت مع مياه نيلها نحو الشمال.
صحيح أن الخطابات الرسمية لمسئولى الدولة ظلت تردد على مدار عدة عقود ماضية عن تنمية الصعيد، ولكن تلك الخطابات والشعارات كانت مثل ضجيج الطحن بلا خبر. يتحدث الوزراء ويتصدر المسئولون ونسمع كلامًا وخططًا عن تنمية الصعيد، لكن فى الحقيقة ظل الصعيد مهملا يعانى من ضعف فى التنمية وهجرة داخلية وخارجية لأبنائه بعد أن ضاق بهم الحال وتفتت خيراته، وصار لسنوات عدة مصدرًا للتطرف وبؤرة للانغلاق الذى خلق الجهل.
فى الحقيقة كثر الكلام والشعارات، أفقد أبناء الصعيد الثقة لإمكانية تشجيع ووضع خطط حقيقية للاستثمار فى الصعيد حتى جاء الأسبوع الأخير من ٢٠٢١، ليحمل بشرة مختلفة وتوجها لحد لم يكن معتادًا ولم نسمع عنه من قبل.
رئيس الدولة وكبار وزرائها ومسئوليها شدوا الرحال لصعيد مصر، الأمر هذه المرة لم يكن زيارة تقليدية أو ما نطلق عليه بروتوكولية بل «أسبوع كامل» استقطع من وقت أهم مسئولين فى الدولة وعلى رأسهم الرئيس عبدالفتاح السيسى والذى حضر بنفسه للصعيد ليقضى فيه أسبوعا كاملا.. ليعيش وسط أبنائها، مدشنا صفحة جديدة من تعامل الدولة مع الصعيد، ومحاولة نفض غبار الماضى من الإهمال والتهميش للجزء الغالى والثمين من مصر.
ورغم أن الزيارة حفلت بافتتاح الرئيس عدة مشروعات، تصدرها مجمع التكرير وإنتاج البنزين العملاق بمحافظة أسيوط، فضلا عن عشرات المشروعات الواعدة، شملت قطاعات عديدة فى الصعيد منها الطرق والنقل والكبارى وإقامة المجمعات الصناعية وزيادة النشاط التجارى إلى جانب زيادة الرقعة المزروعة من الأرض الزراعية وكل هذه المشروعات ستساعد بشكل كبير فى تقليل هجرة أبناء الصعيد للقاهرة الكبرى وتدعم توزيع أفضل لخريطة التركيبة السكانية فى مصر. لكن الأمر فى الزيارة ودلالتها تجاوز فكرة افتتاح مشروعات أو فتح آفاق جديدة للاستثمار والتنمية فى الصعيد، ليذهب بعيدا فى المعنى العميق وراء تلك الصورة فى اهتمام الدولة وأن دماءً جديدة وأفكارًا جدية فى شراييننا، وأمام عقلية جديدة تنظر للأمام وتضع أولويات التنمية الحقيقية سواء بالتخطيط وترتيب الأولويات، ما يُمثّل وعدًا راهنًا بالتنمية، وبشارة خير نحو المستقبل.
ونجد أن على الأرض كان تحرك الدولة تجاه المشروعات والأفق الجديد فى المشروعات فى صعيد مصر، لم يكن وليد الزيارة التاريخية والممتدة للرئيس وأركان الدولة، بل سبقته خطوات من الإنجازات على الأرض كانت حاضرة هناك فى صحراء ومدن الصعيد، بدأت مع انطلاق دولة ما بعد ٣٠ يونيو، بما رفعته من انحيازتها الوطنية التى كانت تحمل عنوان أن مصلحة الدولة وأبناءها تتصدر الاهتمامات، وأن التنمية الحقيقية تحتاج مثلما تحتاج جرأة، تحتاج وعيا بالمشاكل الحقيقية التى تعيق التنمية.
ظلت الأزمة الحقيقية فى التنمية فى الصعيد لعقود عديدة، إنها كانت مقصورة على هذا الوادى الضيق الممتد حول ضفتى النيل، والذى لا يشكل إلا جزءًا صغيرا من الصعيد والتى تمتد شرقا حتى البحر الأحمر وغربا حتى الحدود الليبية، لذلك كان النجاح الحقيقة فى خطة التنمية الحالية والتى تعكس رؤية للمستقبل أن تنمية الصعيد ليس بالطول فقط بل بالعرض أيضا.
وجاء ذلك من خلال الخطوة الطموحة التى بدأت خطواتها منذ سنوات، عن طريق فتح الصعيد بالوادى الجديد والبحر الأحمر، وذلك عبر إنشاء عدة طرق حديثة تربط الوادى القديم بالوادى الجديد والتى ظهرت للنور مثل طريق بنى مزار ـ واحة سيوة، وديروطـ الفرافرة، ومنفلوط ـ واحة الداخلة. ونجد أنه بالإضافة أن الطريق الجديد يفتح فرصًا للتنمية والاستثمار لأنه باختصار يجعل الوصول للواحات بسرعة لم تكن متخيلة لأبناء الصعيد والذين كان يمكن أن يقضوا أيامًا فى الطريق، لكن الآن لا تتجاوز المسافات بين مدن الصعيد للواحات ٢٠٠ كم.
ونجد أن الطرق التى افتتحت ورأت النور بالفعل وكلفت الدولة مليارات، لا يقتصر دورها هنا على سرعة الوصول بين الوادى القديم والجديد، بل إنها تفتح الطريق أمام استثمارات زراعية ضخمة فى الأراضى الصالحة للزراعة فى الواحات والزاخرة والتى يمكن أن تغير شكل الحياة فى صعيد مصر وتفتح فرصًا حقيقية لأنبائه فى الاستثمار والتنمية.
لم يقتصر التمدد فى الطرق الجديدة فى الصعيد على الطرق التى تصل بالوادى الجديد فقط، بل نجد أنه ظهرت على الأرض مشروعات طرق ربطت بين محافظات الصعيد بالبحر الأحمر، مثل طريق سوهاج ـ سفاجا، والمنيا ـ الزعفرانة، بالإضافة للطريق القديم قناـ سفاجا.
ويضاف لذلك الطرق السريعة التى تربط محافظات الصعيد بالقاهرة والدلتا سواء الطريق الغربى من الجيزة لأسوان والذى تم تطويره ليلحق بمواصفات الطرق العالمية، وكذلك الطريق الدولى الكريمات ـ أسوان، فى شرق النيل، وتم استكمال ذلك بإقامة جسور تربط بين الطريقين الغربى والشرقى كل ٢٥ كم متر تربط بين شرقى النيل وغربه، ولذلك لا نستعجب عندما نعلم أن ما تم إنجازه من طرق وكبارى لخدمة محافظات الصعيد تجاوز ٢٠٠ مليار جنيه خلال السبع سنوات الماضية، والتى دون شك تعد أضخم مبلغ تم صرفه على بنية تحتية لمحافظات الصعيد على مدار التاريخ الحديث، والتى دون شك تساهم فى تغيير خريطة الحياة الاجتماعية والاقتصادية فى الصعيد سواء فى فتح مجالات للاستثمار الزراعى والصناعى فيها، بالإضافة لتسهل حياة المواطنين فيه للوصول لسواحل البحر الأحمر للتنزه، وأصبح حلم التمتع بمياه البحر متاحا لأبنائه.
لذلك نجد أن زيارة الرئيس السيسى للصعيد لم تكن مقصورة على مجرد افتتاح المشروعات التنموية سواء اقتصادية أو زراعية فقط، بل حملت جوانب ثقافية واجتماعية بعد حرصه على الالتقاء بأهالى الصعيد والتعرف على مشاكلهم عن قرب مع توجيه بضرورة الاهتمام بتثقف البشر والتوسع فى المكتبات، ولاشك أن هذه الخطوات تجعل أهالى الصعيد يدركون أنهم أمام خطوات حقيقية لإذابة ميراث الإهمال والتهميش، وتغذية مشاعر الانتماء والمواطنة، بأن الصعيد وأهله صار رقما فى المعادلة، بل الحصان الأهم فى رهانات الدولة وقيادتها فى التنمية، مثلما ظهرت من الصعيد منذ فجر التاريخ منبع الحضارة المصرية القديمة.