د. نصار عبدالله يكتب: بطرس نصار
عندما ولدت فى الرابع والعشرين من ديسمبر عام ١٩٤٥ كان أبناء بلدى: «البدارى ـ محافظة أسيوط» بل كان الصعايدة عموما فى ذلك الوقت، ولعل بعضهم ما زالوا إلى يومنا هذا، يفضلون تأخير قيد أبنائهم فى دفتر المواليد!، والعلة فى ذلك أنهم يتحسبون للشجارات التى سوف تنشب حتما بين أبنائهم والأولاد الآخرين عندما يدخلون المدرسة، ومن ثم فإن من الضرورى ـ من وجهة نظرهم ـ أن تتاح الفرصة للولد لأن ينمو قليلا وتشتد عضلاته قبل أن يدخل المدرسة حتى يصبح قادرا على مجابهة أقرانه ولا ينزلوا به قدرا كبيرا من الأذى!. غير أن ما حدث معى كان مختلفا تماما حيث تم تسجيلى فى دفتر المواليد فى نفس اليوم الذى ولدت فيه!!، وأما السبب فى ذلك فهو واقعة طريفة أعتقد أنها تستحق أن تروى..فقد كان والدى متزوجا من ابنة عمته، أى أن جدى لأبى: «عبدالله نصار» كان شقيقا لجدتى لوالدتى: «نجية نصار» وفى يوم الميلاد، بدأ الجد والجدة يتناقشان فى أفضل اسم للمولود دون أن يهتما بأخذ رأى الأب والأم اللذين سكتا احتراما للكبار.. قالت الجدة مخاطبة شقيقها:ـ سوف نسميه نصار على اسم أبينا، وقال الجد بل نسميه عبدالله على اسم جدنا، فأنا عبدالله نصار عبدالله وأنت نجية نصار عبدالله وبذلك نخلد الأصل، وردت الجدة على شقيقها محتدة، بل أنت إنسان أنانى تريد أن تسميه على اسمك أنت، قال جدى ـ وقد كان مزارعا متعلما ومستنيرا، بل أنا أريد أن أسميه على الاسم الذى أورده على مبارك باشا فى الخطط التوفيقية عندما تكلم عن عائلتنا، قالت الجدة.. بلا مبارك.. بلا خطط.. بلا توفيقية.. بلا عبدالله.. بلا نيلة..سوف نسميه نصار!.. وعند هذه النقطة من الشجار بين الكبار، تدخل والدى فى هدوء ليعلن أنه سوف يتوجه غدا إلى دفتر المواليد ليطلق على المولود اسم بطرس أو مرقص مذكرا والده وعمته بأن هذا المولود قد ولد بالمصادفة فى نفس اليوم الذى ولد فيه السيد المسيح، ولهذا فإنه قد يكون من المناسب أن يطلق عليه واحدا من هذين الاسمين: بطرس أو مرقص، ومن ثم فإن من الواجب عليهما أن يكفا عن الشجار ويتركا تحديد اسم المولود لوالد المولود أولوالدته لأنهما هما صاحبا الحق الأول فى تسميته، وهنا قالت والدتى: أنا أؤيد رأى عمتى فى أن يسمى المولود باسم نصار مع احترامى لرأى خالى عبدالله ورغبته فى تخليد عبدالله سواء كان المقصود اسمه هو أو اسم جده، (اسمى الخماسى: هو نصار محمد عبدالله نصار عبدالله)..غير أن جدتى خافت ـ وشار كتها والدتى الخوف ـ من أن ينفذ أبى إعلانه الذى أعلنه منذ قليل فهرعت الجدة من توها إلى دفتر المواليد وقامت بتسجيل الاسم فى نفس يوم الميلاد!..وقد روت لى والدتى هذه الحكاية فيما بعد أكثر من مرة، خاصة عندما بدأت بنفسها تعليمى فى المنزل مبادئ القراءة والكتابة، وقد كانت رحمها الله واحدة من القليلات فى جيلها ممن أتيح لهن أن ينلن قسطا من التعليم...ما زلت أذكر لأبنائى هذه الحكاية كلما احتفلوا معى بعيد ميلادى، وفى الرابع والعشرين من شهر ديسمبر الماضى احتفلت أسرتى الصغيرة بعيد ميلادى السادس والسابعين، وهأنذا أخطو أولى خطواتى وأنا على مشارف عام جديد من أعوام حياتى، ولا أعلم إن كان سيمتد بى الأجل لكى تحتفل أسرتى بهذه المناسبة مرة أخرى..لكن عزائى دائما هو ما تركته فى نفوس تلامذتى من أثر حيث توالت فى هذه المناسبة تهانيهم لى رغم أن من بينهم من تخرج فى الجامعة منذ ما يقرب من ثلاثين عاما، وأصبح بعضهم رؤساء تحرير أو مديرين للتحرير فى بعض الصحف والمجلات ذائعة الصيت أو معدى ومقدمى برامج تليفزيونية ناجحة...أذكر منهم بالفخر والعرفان والامتنان: خالد حنفى وفارس خضر وحازم الحديدى وشارل المصرى وخيرى رمضان ومحمد العسيرى، كما أصبح منهم كذلك أكاديميون مرموقون أذكر منهم الأستاذ الدكتور أحمد خيرى الأمير أستاذ الإعلام فى جامعة جنوب الوادى الذى فاجأنى ـ وأخجلنى أيضا ـ عندما قام بإنشاء جروب على الفيسبوك. أطلق عليه: «محبو نصار عبدالله»،.. وقد شارك فى هذا الجروب عدد كبير من تلامذتى ممن تخرجوا على مدى عقود متعاقبة..ومع هذا ورغم كل هذه الحفاوة التى غمرنى بها التلامذة الأعزاء فإننى لم أعد أطمع من هذه الدنيا سوى بأن أردد عبارة من المأثور المصرى الخالص توجز كل ما يتمناه المرء فى أخريات حياته ألا وهى: ربنا يكملها بالستر.