طارق الشناوي يكتب:رسالة داوود عبدالسيد

الفجر الفني

طارق الشناوي
طارق الشناوي

 

أفلامه الروائية قليلة في العدد لم تتجاوز تسعة، مع إضافة ثلاثة أفلام تسجيلية وأزيد عليها نحو 20 سيناريو روائيًا طويلًا، أو بالأحرى مشروعات فنية لم تكتمل إنتاجيًا، بعضها كتبه قبل أن يبدأ إخراج أول الروائية (الصعاليك).

لا تقرأ أفلام داوود من بُعدها الأول، أقصد الحدوتة، عليك أن تلاحظ البعد الثانى وهو علاقة المواطن، أيًا ما كان موقعه، سيد أم صعلوك، بالوطن، الفيلم يحمل عمقًا اجتماعيًا وثقافيًا وسياسيًا يشاغب فيما هو يبدو ساكنًا على السطح، ثم تنتقل للبعد الثالث وهو العلاقة مع الكون.

أفلام داوود هي بالضبط تساوى داوود، موقفه فى الحياة يساوي أيضًا داوود، عندما صرح في حواره التليفزيونى الأخير معلنًا اعتزاله، وجدنا أن الجمهور بين قوسين هو السبب لأنه يريد فقط التسلية، هل أفلام داوود لم تكن موجهة للجمهور، وهل نُحمّل الجمهور المسؤولية عن غيابه؟ إنها رسالة للدولة التى نفضت يديها تمامًا من السينما، ولم تكتفِ بهذا القدر بل غالت فى فرض أعباء مالية على أماكن التصوير، وأيضًا وجدنا مزيدًا من القيود الرقابية تفرض نفسها، وأكثر من جهة رقابية تراجع السيناريو قبل السماح بتنفيذه.

السينما لم تتخلَّ أبدًا عن التسلية كهدف أكيد، (الكيت كات) مثلًا لو فقط قيمته من باب التسلية، ستعتبره الأكثر تسلية، الجمهور تابع بشغف وتعاطف بحب وضحك من كل قلبه مع (الشيخ حسنى) محمود عبدالعزيز، وصفق له كلما اكتشف أنه مبصر أكثر من كل المبصرين، يرى أفضل منهم فى الظلام وفى النور.

فى (رسائل بحر) كانت رسالة إلى الله، وفى (أرض الخوف) كان يقدم لنا علاقتنا بالله.

هناك مسافة بين أحلام داوود والسوق، ما تعلنه شركات الإنتاج عندما تتحمس أو ترفض مشروعًا سينمائيًا، هى أن تلك قناعة الجمهور، ولهذا يترددون فى تنفيذ المشروعات تحسبًا له، ورغم ذلك فلقد تلقى داوود أكثر من عرض لتقديم أفلام من إنتاج السبكى، وبالطبع السبكى يعلم جيدًا أن داوود هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة فى الاستوديو، هل داوود عاجز عن قراءة شفرة الجمهور الذى يصفونه بجيل (زد)، وهم الشباب الذين وُلدوا فى بداية زمن المحمول نهاية التسعينيات، وهؤلاء يشكلون القوة الضاربة فى شباك التذاكر؟ أراه على العكس يعرفهم جيدًا.

لمن أراد داوود أن يتوجه بإعلان اعتزاله؟ مؤكد الدولة التى لم تدرك حتى الآن أن الفيلم هو أحد أهم عناوين مصر الناعمة، وأن سقف الحرية يجب أن يتسع للعديد من الأفكار، ولا خوف أبدًا من ارتفاع سقف المسموح. عندما نعلم أن مهرجان (البحر الأحمر) عرض أفلامًا تحفّظ عليها رقابيًا مهرجان (القاهرة)، أظن أن تلك المعلومة وحدها كان ينبغى أن تفرض علينا هذا السؤال: (أين كنا وكيف أصبحنا؟).

يحلو لأصدقاء داوود أن يطلقوا عليه حكيم الجيل، فهو يتأنى فى اختيار الكلمة عندما يتكلم ويفكر ألف مرة قبل أن يمسك القلم ويكتب السيناريو ولا يشرع فى التصوير إلا بعد أن يتجسد فى خياله الشريط السينمائى فيبدأ فى تنفيذه.

امتلك داوود عبدالسيد ميكروسكوبًا وتليسكوبًا معًا، كان يقترب بالميكروسكوب من التفصيلة الدقيقة ليصنع منها عالمًا مترامى الأطراف، وفى نفس الوقت كان قادرًا بنظرة من خلال التليسكوب أن يرى الكون كله فى لقطة واحدة، كان ولايزال هو الأصدق فى قراءة شفرة الجمهور، فهل وصلت رسالة داوود؟!.

[email protected]

المقال: نقلًا عن المصري اليوم.