الدكتور خالد صلاح: القرار...
يشير علماء النفس إلى أن أصحاب الشخصية الاجتماعية المحبوبة يفيضون طاقة إيجابية على من حولهم وكأنهم يوزعون هدايا العيدين أو عيد الميلاد، ويظهرون دائما سعادة حقيقية بلقاء الآخرين ويحترمون أفكارهم واراءهم ويصغون إليهم باهتمام؛ مما يجعلهم محل اهتمام واحترام من الآخرين، كما لا يدخلون معهم في منافسات مالية أو فكرية أو حتى اجتماعية احتراما لهم وللحفاظ على علاقتهم، وعندما يراهم الشخص لأول مرة يشعر وكأنه يعرفهم منذ زمن بعيد.
والتعلق بالأماكن لا يقل الشعور نفسه بالتعلق بالشخصيات المحبوبة؛ حيث إن التعلق بالأشخاص والأمكنة حالة عاطفية تسيطر على مشاعر الإنسان؛ فهناك من ماتزال بعض الأماكن تسكن داخلهم رغم الابتعاد عنها سواء مكانيا أو زمانيا، لكنهم مازالوا متمسكين بها وبتفاصيلها وذكرياتها وتاريخها بشكل عام أو تاريخهم معها بشكل خاص.
ومن الأماكن التي تتوق النفس لزيارتها دوما ولا يختلف عليها اثنان: زيارة الحرم المكي وزيارة المسجد النبوي، ثم تأتي أماكن أخرى تتوق النفس لها بشكل خاص مثل زيارة شارع المعز لدين الله الفاطمي، والتريض بالمشي في كل من شارعي الفجّالة وسور الازبكية في القاهرة، وما يشبهما شكلًا في كل محافظة، حيث تنبعث رائحة الكتب وما تحتويه من مخزون هائل من المعارف والمعلومات حول موضوعات الحياة المختلفة؛ فنجد كتب العلوم واللغة والفلسفة والجغرافيا وعلم النفس سواء كانت أمهات أو خلاصة وعصارة خرج بها المؤلف من خلال قراءاته المتعددة والتي طمح من خلالها أن يستفيد منها كل قارئ سواء كان طالب جامعي كمقرر دراسي عليه أو يستفيد منها القارئ العادي، ولا يطمح المؤلف سواء كان أستاذا جامعي أو مؤلف حر إلا استفادة القارئ بمختلف أهدافه وربما لا يستفيد منها المؤلف إلا بثمن الحبر الذي كُتبت به الكتب وبالرغم من ذلك تغمره سعادة كبيرة ويكللها هذا الشعور عندما يأتي له طالب أو عدة طلاب ليأخذوا الكتاب بالمجان مراعاة لظروفهم الاجتماعية.
ولا يقتصر الاستمتاع بالامكنة الثقافية وشبيهات شارعي الفجالة وسور الازبكية في كل محافظة على الكتب فقط بل هناك متعة أخرى في حركة العاملين بها وأصوات ماكينات الطباعة ونشاط الأفراد العاملين بهذه المطابع والذين يشعرون بمتعة في عملهم، كيف لا! وهم التحقوا بهذه المطابع صغارا وعاشوا بها أفضل أيام عمرهم، ومن خلال هذه المطابع مصدر رزقهم وسبل حياتهم، والحرمان من العمل بهذه المطابع يهدد أمنهم المعيشي والحياتي لهم ولأولادهم.
ولذلك تحاول الدولة وخاصة في قيادتها العليا بالاهتمام بالعلم والعلماء والمثقفين والثقافة بشكل عام وكل من يعمل في مجال رفعة شخصية الفرد ثقافيا وعلميا واجتماعيا، وأن الدولة تعرف جيدا قيمة ونتيجة الاهتمام بالعلم وعناصره ومكوناته.
وبالرغم من أن هذا الاهتمام، إلا أنه يتم ترجمة بعض الأهداف بعض بطريقة غير مناسبة بالرغم من أن الهدف سامي وجيد، إلا أن الترجمة على أرض الواقع ليست مناسبة وخاصة عندما لا تراعي نتائج القرار وآثاره على منظومة القرار، مثل قرار الكتاب الجامعي الالكتروني وإقراره على الجامعات.
يجب أن يتم النظر فيه من حيث آلية التنفيذ ودراسة آثاره على كل العاملين ومن يتأثرون به سواء كان مدرس جامعي أو طالب أو عامل بمطبعة رأس ماله العمل فقط بهذه المطابع ولا يملك مصدر آخر للرزق له ولأولاده.
فكلنا أمل أن يتم النظر في هذا القرار بالتشاور مع كل منسوبي نظومة الكتاب الجامعي من أساتذة الجامعات وأصحاب المطابع والعاملين عليها وطلاب الجامعات
فالقرار وأن كان هدفه خيرا؛ ولكن آلية تنفيذه غير ذلك عندما لا تراعي منسوبيه.