مي سمير تكتب: السكر.. النعيم القاتل
٦٦٪ من المواد الغذائية بمحلات البقالة تحتوى على مواد تحلية مضافة
٣٠٪ من الشباب الأمريكى غير مؤهلين للخدمة العسكرية بسبب وزنهم
عكف البشر على تعديل الطعام منذ أن اكتشف الصيادون النار، واكتشفوا كيفية شواء الحيوانات فى العصر الحجرى، قبل عشرة آلاف عام، تعلمت شعوب بلاد ما بين النهرين والمصريين القدماء كيفية تدخين الطعام، والطعام المملح، وتجفيف الطعام للحفاظ عليه، وفى القرن التاسع عشر، أدت تقنيات البسترة والتعليب إلى زيادة كبيرة فى القدرة على تخزين المواد الغذائية ونقلها على المدى الطويل.
بدأت صناعة الطعام المعالج، كما نعرفه اليوم، فى النصف الأول من القرن العشرين، «الحربين العالميتين، وسباق الفضاء، وزيادة طلب المستهلكين على الوجبات السريعة ذات العمر الافتراضى الطويل الذى يمكن أن يدعم نمط حياة الطبقة الوسطى الآخذة فى الاتساع»، كل ذلك ساهم فى تمويل الجهود العلمية اللازمة لمنحنا التجفيف بالرذاذ، والتبخير، والتجفيف بالتجميد وفهم متطور لكيفية صنع كب كيك لذيذ المذاق يمكنك وضعه على الرف مع إمكانية تناوله على مدار عامين.
لم يبتكر خبراء التغذية لغة لوصف هذا الاتجاه حتى عام ٢٠٠٩، فى ذلك العام، قدم كارلوس مونتيرو، أستاذ التغذية النحيف ذو الشعر المجعد بجامعة ساو باولو، «نظام تصنيف الأغذية نوفا»، وهو مجموعة جديدة من الأطعمة لا تعتمد على محتواها الغذائى، ولكن وفقا لمدى والغرض من العمليات الفيزيائية والبيولوجية والكيميائية المطبقة عليها بعد فصلها عن الطبيعة، شمل فئة «الأطعمة فائقة المعالجة»، مجموعة متنوعة من المنتجات المختلفة ذات السمات الغذائية المتنوعة إلى ما لا نهاية تضم الرقائق المقلية، والكيك الجاهز، وصودا الدايت وغيرها من المنتجات الغذائية المصنعة.
يصف «مونتيرو» هذه الأطعمة فائقة المعالجة بأنها «ليست طعامًا بل تركيبات تحتوى على مركبات كيميائية لا تنتمى إلى الطعام، ولا ينبغى أن تنتمى إلى الأطعمة».
من خلال تحديد فئة جديدة تمثل مستويات المعالجة، أعطى خبراء الصحة العامة وعلماء الأوبئة اللغة اللازمة لمناقشة كيفية تغيير الكيميائيين الصناعيين للغذاء وكيفية قياس اختراعاتهم مقابل مجموعة واسعة من المشاكل الصحية.
على الرغم من أن العلماء لم يكتشفوا كيف تؤدى الأطعمة فائقة المعالجة إلى زيادة الوزن - أى من بين آلاف المواد الكيميائية والإضافات والمغذيات يؤدى فى الواقع إلى نتائج صحية أسوأ - فإن قوى السوق التى وجهت شركات تصنيع الأغذية واضحة بما فيه الكفاية، بين عامى ١٩٨٠ و٢٠٠٠، وهى الفترة التى بدأت فيها السمنة والأمراض المرتبطة بالغذاء فى الارتفاع، زاد عدد السعرات الحرارية المتاحة للشراء فى إمدادات الغذاء الأمريكية، على سبيل المثال، بنسبة ٢٠ فى المائة، من حوالى ٣٢٠٠ سعرة لكل شخص يوميا إلى ٤٠٠٠، مما أدى إلى زيادة المنافسة بشكل كبير على معدة المستهلك الأمريكى.
تشير ماريون نستله، مؤلفة العديد من الكتب حول سياسات السياسة الغذائية، إلى أن فى الثمانينيات، ضاعفت شركات الأغذية من جهودها لزيادة الأرباح، أدى كل هذا إلى إثارة سباق تسلح عالى المخاطر فى صناعة الأغذية بين فرق تطوير المنتجات والتسويق المتنافسة.
تقول نستله: «إذا كنت تحاول بيع منتجك الغذائى وتحقيق ربح فى بيئة يوجد فيها ضعف عدد السعرات الحرارية التى يحتاجها أى شخص، فعليك إما أن تجعل الناس يشترون منتجك بدلا من منتج آخر أو أن تجعل الجميع يأكلون أكثر بشكل عام».
لبيع المزيد، جعلت شركات المواد الغذائية منتجاتها فى كل مكان، حتى أنهم قاموا ببيعها فى المكتبات، ومتاجر الملابس والصيدليات ومحطات الوقود، لقد عرضوا حصصًا أكبر وابتكروا المزيد من الشخصيات الكرتونية لبيع الحبوب، باستخدام تكتيكات رائدة تعرفها جيدا شركات التبغ الكبرى، والتى بحلول ذلك الوقت كانت قد بدأت فى الانتقال من صناعة السجائر فقط إلى صناعة طعام، كما استدعوا العلماء الذين ساعدوا فى ابتكار تقنيات تسويق مبتكرة وابتكارات علمية لبيع المزيد من الطعام.
يخصص مايكل موس فصلًا من كتابه Salt Sugar Fat للحديث عن هوارد موسكوفيتز، نجم الصناعة الذى كان رائدًا فى استخدام الرياضيات المتقدمة والعلوم الحاسوبية لـ «تحسين» المنتجات الغذائية بحيث تخلق رغبة شديدة فى تناولها، على مر السنين، أعاد موسكوفيتز هندسة مجموعة واسعة من المنتجات، بدءًا من حبوب الإفطار إلى صلصة الطماطم الجاهزة، عن طريق اختبار التعديلات فى اللون والرائحة والتعبئة والطعم والملمس على مجموع من المستهلكين لأول مرة.
تبين أن أهم سلاح فى ترسانة الأطعمة الجاهزة هو السكر، صاغ موسكوفيتز مصطلح «نقطة النعيم» لوصف «الكمية المثالية» من السكر فى المنتج لزيادة الاستهلاك، يجادل موس بأنه من خلال التركيز على نقطة النعيم، غيرت شركات الأغذية الطريقة التى يتذوق بها المواطن الأمريكى بطرق تجعله يفرط فى تناول الأشياء السيئة (رقائق البطاطس والآيس كريم) ودفع الأشياء الجيدة (البروكلى والهليون) إلى الجانب، يقول إن الدراسات الحديثة تظهر أن ٦٦ فى المائة من المواد الغذائية فى محلات البقالة تحتوى الآن على مواد تحلية مضافة.
يقول موس، الذى يحلل كتابه الأخير، (مدمن)، إدمان الطعام: «لقد تعلمت هذه الشركات كيفية إيجاد واستغلال غرائزنا الأساسية التى تجذبنا إلى الطعام، لا تكمن المشكلة فى أن هذه الشركات صممت الكمية المثالية من الطعم الحلو لأشياء مثل الصودا أو البسكويت أو الآيس كريم، إنها تجولت حول محل البقالة، مضيفة السكر إلى الأشياء التى لم تكن حلوة من قبل، مثل الخبز والزبادى وصلصة السباجيتى».
وفقا لروبرت لوستيج، اختصاصى الغدد الصماء للأطفال التابع لجامعة كاليفورنيا فى سان فرانسيسكو ومؤلف كتاب Metabolical، حول أخطار الأطعمة المصنعة، الفركتوز-أحد المحليات الأكثر استخداما موجود الآن فى العديد من الأطعمة بتركيزات غير طبيعية- فى السنوات الأخيرة، أظهرت الدراسات أن الفركتوز يدمر أو يعطل العديد من الإنزيمات الرئيسية اللازمة للعمل الصحى لما يعرف باسم ميتوكوندريا، هى محطات الطاقة فى الخلايا البشرية التى تحول السكريات البسيطة إلى ATP، وهو شكل الطاقة التى نستخدمها لأداء وظائف الجسم والدماغ.
يؤدى هذا الاضطراب فى تحويل الطاقة إلى تراكم الجلوكوز غير المعالج فى مجرى الدم، عند استشعار الجلوكوز الزائد، يغمر البنكرياس النظام بهرمون الأنسولين، الذى يخبر الجسم بإزالة الجلوكوز من مجرى الدم وتخزينه على شكل دهون، تميل بعض هذه الدهون إلى التراكم فى الكبد، والذى يعتمد عليه الجسم لتصفية ومعالجة وضبط توازن الدم الخارج من المعدة، يمرض الكبد وتزداد المشكلة سوءًا، ونظرا للحرمان من الطاقة التى توفرها الميتوكوندريا فى العادة، فإننا نأكل أكثر.
يقول لوستيج: «لا ينبغى أن يكون مفاجئا أن يصاب الأطفال بمرض السكر من النوع الثانى ومرض الكبد الدهنى اللذين كانا فى الماضى من الأمراض التى يسببها تناول الكحول»، مضيفًا: «نحن نعلم الآن أن الفركتوز هو سم الميتوكوندريا، والذى يتحول إلى دهون فى الكبد ويتم التعامل معه بواسطة الكبد بطرق مماثلة تقريبا لكيفية التعامل مع الكحول».
السكر ليس أسوأ مشكلة فى النظام الغذائى، ولكن الأكثر ضررا هو استهلاك الحبوب المصنعة، والمستخدمة فى رقائق الذرة والخبز الأبيض والعديد من المنتجات الأخرى، يتم تجريد هذه الحبوب من غلافها الخارجى، المعروف باسم «النخالة»، وجراثيمها الداخلية، والتى تحتوى على الألياف والأحماض الدهنية والعناصر الغذائية، ولا تترك سوى الكربوهيدرات.