د. رشا سمير تكتب: الصف الثانى والمناصب الشاغرة
فى السنوات التى تلت ثورة يناير والتى أصبح من البديهى فيها التخلص من الوجوه القديمة التى احتلت الساحة طويلا فى كل المجالات، لتبدأ مصر صفحة جديدة، أصبح جليا أن هناك مشكلة كبيرة تواجه الدولة على جميع المستويات، تلك هى مشكلة اختيار وجوه جديدة وإحلال القديمة بشرط أن تكون تلك الوجوه على قدر من الكفاءة المهنية والأخلاقية التى تسمح بنجاح المنظومة.
فوجئنا أن التغيير الوزارى على سبيل المثال أصبح من الصعوبات التى تلت الثورة، حيث لم يعد هناك أكفاء يتولون المهمة، وبالمثل أصبح خروج أى فرد فى من أى مؤسسة على المعاش معضلة أخرى، حيث لا يوجد من يتولى القيادة بنفس كفاءة من يُحال على المعاش..هكذا هو الحال فى كل المؤسسات والشركات والبنوك والوزارات وحتى المدارس.
كان هذا هو جرس إنذار مدو يؤكد على نظرية التفريغ أو التجريف الذى أحدثته الدولة طويلا بالتركيز على الصف الأول وتجاهل الثانى.. فظهرت حالة من الفراغ.. فراغ مهنى وإبداعى.
من هنا بدأ فخامة الرئيس فى خلق محاولة جادة لتمكين الشباب والزج بهم فى كل الفراغات الموجودة بالدولة..ليتعلموا ممن سبقوهم وإعدادهم لتولى المسئولية.
هنا ظهرت مشكلة أكبر وهى إمكانيات هؤلاء الشباب والطريقة التى يتم إعدادهم بها لتولى المسئولية، ظهرت الفجوة الحقيقية بين جيلين، جيل كتم على أنفاس من أتوا بعده طويلا مقررين ألا يفسحوا مكانا لغيرهم وأن يجثموا على أنفاس الاثنين بعدهم حتى مات الصف الثانى والثالث وحتى العاشر!.
أما الشباب الذين يبحثون عن تولى مناصب فى الدولة هم شباب لا يسعون للنجاح بل يسعون بكل أسف للجلوس على الكرسى أسوة بمن سبقوهم، لأنهم ويا حسرتاه لا يفهمون أن النجاح منظومة متكاملة وليست فردية.
أخذنى الفضول للبحث فى هذا الموضوع، فكان سؤالى لأحد مسئولى التعيينات بأحد المؤسسات الدولية التى تختار الشباب بعناية فائقة للعمل فى هذه المؤسسة الأمريكية التى لها فروع فى كل دول العالم ومن ضمنها مصر.. وكان سؤالى: كيف تختارون المُوظفين؟
كان الرد ببساطة، أن المتقدم للوظيفة يجب أن يمر بعدة مراحل من الاختبارات أو بالأحرى خمسة امتحانات، كل امتحان له علاقة بجزء محدد فى تكوين الموظف حتى يتسنى لهم اختيار الأفضل، ومن ضمن آلاف المتقدمين تصبح الأولوية لمن لديه القدرة الحقيقية على اجتياز جميع المراحل، تبدأ الامتحانات بنوعية الشهادات التى حصل عليها الشاب والوظائف التى عمل بها وماذا استفاد منها، ثم ينتقل الناجح منهم إلى مرحلة أخرى وهى مرحلة المنصب الشاغر وماذا يعرف عنه وكيف يرى نفسه فيه؟ وإذا ما كان يريد أن يكبر فى المكان ويعتلى مناصب أكبر، ثم تأتى مرحلة أعتقد أن ليس لها وجود فى اختبارات القبول فى مصر وهو امتحان حل المشكلات، بطرح مشكلات محددة لها علاقة بالعمل وربما ليس لها أى علاقة بالوظيفة المتاحة أى حل المشكلات العامة فى الحياة إذا تعرض لها أحدهم، للتعرف على قدرات الشاب فى الإندماج فى الحياة العملية والتعامل مع المشكلات فى هدوء، ثم يلى هذا اختبار الصحة النفسية وأخيرا اختبار التعاون مع الآخرين والعمل من خلال فريق عمل متكامل منسجم فى الأداء، وأهم شىء هو طبيعة العلاقة بين الموظفين بعضهم البعض، واختيار فرد صالح نفسيا ومعنويا لمساعدة زملائه داخل وخارج العمل.
ثم...ثم يفوز المتقدم بالوظيفة ويتم استخراج أفضل ما فيه من قدرات لتطوير المؤسسة وأهم شىء الحفاظ على سعادته وصحته النفسية.
إلى هنا انتهى الحوار بينى وبين مسئول التعيينات ليتركنى حائرة أفكر فى الجو العام داخل كل المؤسسات، جو الكراهية والإحباط والتردى الأخلاقى الذى جعل الشباب يهربون من العمل إلى الخارج..متى نتعامل بنفس المهنية بعيدا عن المحسوبية؟.
خلق صف ثانى وثالث من كوادر شابة بعيدا عن «الهمبكة» خطوة مهمة جدا، وبعيدا عن برامج تأهيل القيادات الشابة وأكاديميات تأهيل الشباب التى لا تبحث سوى عن الشو الإعلامى وتقديم لا شىء اللهم إلا شهادة ورقية لا قيمة لها..
يا سادة.. التأهيل النفسى والمهنى للشباب والتعامل معهم بالطرق العالمية للتوظيف هى الخطوة المطلوبة لمصر قوية، فهيا بنا نحذو حذوًا من سبقونا.