خارج الحدود.. حكايات لاجئات دفعن فاتورة النزاعات المسلحة
الاغتصاب والجنس مقابل الهروب الآمن
ظنن أنهن ناجيات من الحروب والخراب، لكن فوجئن أن هذا الهروب بداية المعاناة والدخول فى سلسلة من العنف والانتهاكات لكونهن لاجئات أولًا ونساء ثانيًا، وطبقا لتقارير رسمية صادرة من المفوضية اللاجئين، بلغ عدد اللاجئين بمصر المسجلين بنهاية سبتمبر ٢٠٢١ حوالى ٨٢ ألف لاجئ، فيما وصل إجمالي طالبى اللجوء بنهاية سبتمبر ٢٠٢١ إلى ما يقرب من ١٨٥ ألف فرد.
هذا العدد الضخم يلقى رعاية كبيرة من مفوضية الدولة والجهات الرسمية، حيث يتم معاملتهم كمواطنين مصريين طبقا للقانون، حيث يعامل اللاجئ نفس معاملة المواطن المصرى دون تمييز، لكن اللاجئات تحديدا يجهلن بالقوانين وكيفية حماية أنفسهن مما يجعلهن ضحايا للعديد من حوادث الاغتصاب والتحرش الجنسى، وهو ما رصدته بالفعل إحدى المبادرات المهتمة بحقوق الأقليات، والمعروفة باسم «برة السور» والتى رصدت العديد من الحكايات للعنف جنسى ضد اللاجئات وصولا لحالات اغتصاب نتج عن بعضها أطفال مجهولى النسب.
من بين هذه الوقائع والتى نحتفظ بأسماء ضحاياها، واقعة لسيدة من إريتريا لديها أربعة أطفال دفعها الفقر للعمل «خادمة فى المنازل» وقبول الإهانة والتعرض للتحرش من قبل زوج السيدة التى تعمل لديها وكانت تضطر لقبول ذلك لحاجة أطفالها للطعام.
وتسرد السيدة قصتها للزميلة شيماء عبدالغنى أنه بعد مرض زوجها عارضت والدة زوجها عملها كخادمة فى الوقت الذى لا تملك فيه المال للإنفاق على أطفالها، فقامت «الحماة» بأخذ أطفالها عنوة ومنعتها من رؤية زوجها المريض، وبعد تحسن حالته الصحية حملت منه مولودها الرابع لكنه اختفى، ليقوم شقيق زوجها باغتصابها معتبرًا إياها حقًا مكتسبًا.
وتستكمل السيدة روايتها بأنها حاولت الهرب بأطفالها للسودان، إلا أن والدة زوجها استطاعت أخذ طفلين منها ليبقى معها الطفلة الصغيرة التى استطاعت الهرب بها، وفى ظل انتشار مرض الكوليرا بمعسكر كسلا بالسودان توفى الرضيع لتقرر المجىء إلى مصر والعمل بها كخادمة فى المنازل.
حكاية أخرى تقول بطلتها: «هربت بسيارة خاصة حتى الحدود لأنى أحمل الجنسية الأريترية، ومن الحدود عمتى أدخلتنى السودان، أهلى كلهم فى إريتريا فاضطريت للجوء لمعسكر اللاجئين بالسودان».
وأوضحت أنه: «بعدما تسلم الرجل المسئول عن نقلها للمعسكر -وهو سائق إريترى- نقوده فى الحدود بين إريتريا والسودان، تعرضت لضرب مبرح وعنيف لمدة عشرة أيام، حيث اتفق مع عمتى على مبلغ كفدية من أهلى مقابل تحريرى، وبعدما دخلت السودان حجزنى وضاعف المبلغ، لحين إرسال الأموال وتعرضت للعنف والضرب لمدة شهر أنا وأبنائى الأربعة بالمعكسر».
وتابعت: «حينها قررت ومجموعة من الإريتريين اللجوء إلى مصر خاصة أنهم بمعسكر السودان كانوا يعاملوننا وكأننا مجرمون، كما علمت أنهم فى هذا المعسكر يبيعون النساء كنوع من أنواع تجارة البشر بالاتفاق مع المهربين بشكل علنى، وخوفا من التعرض للبيع أو الاغتصاب فكرت فى الهرب حتى وصلت إلى أسوان مع سائق لا أعرف جنسيته، وطلب منى مبلغًا كبيرًا كفدية وعند اتصالى بأهلى قالوا إنهم لا يمتلكون هذا المبلغ، فتعرضت للتعنيف والضرب والتهديد بالسلاح، وخيرنى بين قتلى أنا وأبنائى أو ممارسة الجنس معه، فاستسلمت له حفاظا على أطفالى».
لتتخيل أن معاناتها قد انتهت بهذا الحادث، ولكنها تعرضت مرة أخرى لاعتداء جنسى من محصل الكهرباء، لتؤكد أنها كرهت كونها أنثى وأصبح دائما كل ما يشغل بالها هو الحفاظ على نفسها وأطفالها فقط.
«عمرى أربعين عاما، جيت مصر هربا من الحرب والخراب وزوجى السابق نفس جنسيتى من سوريا ولدى بنتين وولد أخدهم منى فى سوريا بالإجبار»، تلك كانت ملخص حكاية أخرى ترويها لنا لاجئة سورية تزوجت من رجل مصرى لتكتشف بعدها أنه سرق كل أموالها، واستولى على جواز السفر الخاص بها حتى لا تستطيع الهرب لخارج البلاد، قائلة: «عندما اكتشفت ذلك حدثت لى صدمة عنيفة وطردونى من البيت، وكنت بنام فى الحدائق العامة وناس كتير اغتصبونى».
«أنا نفسى أكون فى بلد فى أمان لى ولأطفالى»، بهذه الكلمات عبرت سيدة سودانية عن حالتها التى جاءت إلى مصر عام ٢٠١٣ وقدمت طلب لجوء فى ٢٠١٦ وذلك لأنها قبل هذا التاريخ لم تكن بحاجة إلى اللجوء لزواجها من رجل يحمل الجنسية المصرية.
وأضافت: «اتطلقت منه لأنه اغتصب ولادنا وبعدها قدمت لى المفوضية حماية لمدة تسعة أشهر (إيداع فى أحد الأماكن المستضيفة للدعم النفسى)، وفى أحد الأيام اختطفنى ٣ شباب خلال عودتى من العمل ليلا واغتصبونى وألقوا بى فى الشارع مرة أخرى، بعدها عرفت أنى حامل بعد شهر من الحادث وحاولت الانتحار».
فى هذا السياق تقول أسماء عبد الحميد مؤسسة «مبادرة برة السور» إن دور المؤسسة يركز فى الأساس على البحث عن الأقليات من النساء ومساعدتهن خاصة اللاجئات اللاتى يتعرضن للعنف.
وأشارت إلى أنه خلال أول ورشة تم تنظيمها فوجئنا بحكايات لحوالى ٢٢ سيدة تعرضن لاغتصاب وتحرش وعنف جنسى وغالبية الحالات تعرضن بالفعل لاغتصاب.
ولفتت إلى أن لون بشرتهن الداكن وملامحهن الإفريقية كان أحد أهم الأسباب لتعرضهن للتنمر وحالات الخطف حيث إنهن فى بعض الحالات يتم الاعتداء عليهن من أشخاص حاملين نفس الجنسية وعادة ينتج حمل من الاغتصاب الجماعى، وهناك نساء تنجح فى الإجهاض ونساء تستسلم ويصبح لديهن أطفال مجهولو النسب ولا يستطعن إخبار أهلهن لأن معظمهن هاربات من النزاعات المسلحة.
وأوضحت مؤسسة مبادرة برة السور أن الأزمة الأساسية تكمن فى عدم معرفة اللاجئات بقوانين البلد الذى يعشن فيه، وبالتالى دورنا هو التوعية خاصة أن كثيرات منهن يخفن من الإبلاغ عن حالات التحرش والعنف الجنسى خوفًا من الترحيل.
وأضافت أن معظم حالات الاغتصاب لسيدات إفريقيات من الصومال، أثيوبيا، إريتريا والسودان ونعمل على تحقيق التنمية المستدامة وخطة الدولة فى ٢٠٣٠ لتعزيز السلام فى مجتمعنا، مشيرة إلى أن المفوضية تقدم دعمًا للاجئات المعرضات للعنف من خلال استقبالهن لمدة ٩ أشهر مع تقديم جميع سبل الدعم لهن ولفتت إلى أنهم استقبلوا ١٦ حالة قدموا لهن الدعم النفسى سواء أطفالًا أو مراهقات أو سيدات.