د. نصار عبدالله يكتب: هل ينتحر المؤمن؟

مقالات الرأي

د. نصار عبدالله
د. نصار عبدالله

منذ ثلاثين عاما بالتمام والكمال تم الإعلان عن انتحار القيادى الإخوانى كمال السنانيرى بعد أن عثر عليه مشنوقا فى حمام زنزانته بعد أسابيع من التحفظ عليه ضمن الذين شملتهم قرارات سبتمبر عام ١٩٨١، وقد كان السنانيرى هو الوحيد الذى أقدم على الانتحار بين سائر المعتقلين رغم أنهم جميعا إسلاميين وغير إسلاميين قد عوملوا فى ذلك الوقت معاملة حسنة فى مجملها وسوف نعود فى موضع لاحق إلى طرح تصورنا الخاص لعلة انتحاره غير أننا بادئ ذى بدء نود أن نلفت نظر القارئ إلى أن السؤال الوارد فى العنوان هو عنوان منقوص، ولكى يكون مكتملا لا بد لنا عند التساؤل عن جواز انتحار شخص مؤمن بعقيدة معينة أو مدى احتمال قيامه بالانتحار فعلا أن نحدد نوع العقيدة التى يؤمن بها ذلك المنتحر، فالعقيدة الإسلامية على سبيل المثال تحظر الانتحار حظرا قاطعا أيا ما كان السبب الذى دفع إليه وتعتبره من أكبر الكبائر، قال تعالى:  «وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا.».. وقال صلى الله عليه وسلم:  «من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة». فإذا ما نظرنا إلى عقيدة أخرى كعقيدة الشنتو التى يدين بها حاليا حوالى ١٦٠مليونًا من إجمالي عدد السكان البالغ ٢١٥مليونا أى ما يقرب من ثلاثة الأرباع، إذا نظرنا إلى تلك العقيدة وجدنا أنها تبيح الانتحار فى حالات معينة، وتشجع عليه فى حالات أخرى، بل إنها تجعله واجبا فى حالات ثالثة، ومن أمثلة الانتحار فى النوع الثالث تلك العمليات التى يقوم بها الجنود اليابانيون دفاعاعن شرف الإمبراطورية والإمبراطور، ولعل هذا هو ما دفع باليابانيين إلى تكوين فريق شهير من الطيارين فى الحرب العالمية الثانية هو فريق الكاميكازى الذين سببوا رعبا كبيرا للأمريكيين أثناء الحرب إذ كانت مهمة الواحد منهم تتمثل فى أن يندفع بطيارته المعبأة بالمتفجرات داخل مدخنة إحدى البوارج الأمريكية فتنفجر الطائرة والبارجة معا مسببة خسائر فادحة للأمريكيين فى الأفراد والمعدات، وحين انتهت الحرب باستسلام اليابان كان ما يزال لديها عدة أسراب جاهزة للاستخدام من هذه الطائرات، وحينئذ أصدر إليهم قائدهم أمرا بالإقلاع، وحين أقلعوا أصدر إليهم أمرا بالهبوط والغوص إلى قاع المحيط بعد أن لم يعد لحياتهم بعد هزيمة اليابان معنى ولاهدف!، وكان الانتحار فى هذه الحالة امتثالا لما تقضى به عقيدة الشنتو من أن الانتحار مستحب أو (مندوب) لتجنب الاحساس بالعار، وهذا هو نفس ما فعله فى الواقع وزير الحرب اليابانى كوريشيكا أنامى بعد إلقاء الولايات المتحدة لقنبلتين ذريتين على هيروشيما ونجازاكى، حيث قرر الإمبراطور الاستسلام دون قيد أوشرط أما كوريشيكا، فقد دعا إلى استمرار الحرب وإلحاق الأذى بالأمريكيين لحين توقيع معاهدة تضمن لليابان بعض المكاسب، وحين رفض الإمبراطور رأيه قام بالانتحار بطريقة الهاراكيرى حيث أغمد سيفه فى بطنه وقام بتقطيع أحشائه، وحينما أحس المحيطون به أنه قد يقضى بضع ساعات وهو يتألم قبل أن يموت سارعوا إلى إعطائه جرعة سريعة المفعول تعجل بموته، فإذا عدنا الآن إلى السنانيرى الذى شنق نفسه بملاءة رغم أنه كان يعامل معاملة حسنة ورغم أنه لم يكن فى سجنه ولا حتى خارج سجنه يمثل أى خطر على النظام على الإطلاق حتى يقال إنه قد قتل كما روجت لذلك جماعة الإخوان، إذا عدنا إليه لقلنا إنه حتى بافتراض أنه كان شديد الإيمان (كونه منتميا إلى جماعة الإخوان لا يعنى بالضرورة أنه كذلك) لكننا إذا افترضنا ذلك فالإيمان وحده مهما كان قويا لا يكفى يحول بين الإنسان والانتحار فى حالة الإصابة بمرض الاكتئاب الذى يرجع غالبا إلى مزيج من العوامل الجينية الوراثية والظروف الخارجية المحبطة، وفى حالة الاكتئاب يطرأ على المخ عدد من التغيرات تتمثل فى تغير نشاطه الكهربى والكيمائى مع الانخفاض الشديد فى إفراز السيروتينين ما يجعله سوداوى النظرة فاقدا للقدرة على بذل أى نشاط راغبا فى التخلص من حياته خاصة إذا ما فقد السلوى، وقد كانت سلوى السنانيرى متمثلة فى المهام التى كانت تكلفه بها الجماعة وتجعله دائم التجول بين الدول العربية مما كان يشعره بالذات والأهمية، وهذا هو ما فقده عندما تم التحفظ عليه مما أتاح لاستعداده الجينى الكامن أن ينتج مفعوله وأن يطفو على السطح.