بطرس دانيال يكتب: تعلّمتُ منك يا قلمى
ما أجمل الكلمات التى نطق بها داود النبى فى المزمور: «فاضَ قلبى برائعِ الكلمات، وإنّى سأُسمعُ المليكَ آياتى. لسانى مثلُ قَلَم كاتبٍ ماهر» (مزمور ١:٤٤). هل يوجد بيننا مَنْ يجهل فوائد القلم؟ هل نستطيع أن نتخيّل العالم دون أقلام؟ مما لا شك فيه أننا جميعًا نُقَدّر قيمة القلم الرصاص، نجد التلاميذ والرسامين، والمهندسين والتجّار، والأطباء والمحاسبين وغيرهم، يستعملون حتى الآن خاصةً القلم الرصاص. وحديثنا اليوم عن نصيحة صانع القلم الرصاص له قائلًا: «هناك خمسة أمور أريدك أن تعرفها جيدًا وبدقة قبل أن أرسلك إلى العالم: أولًا: سوف تكون قادرًا على عمل الكثير من الأمور العظيمة؛ ولكن عندما تكون فى يد أحدهم. ثانيًا: سوف تتعرض لبرى مؤلم بين فترة وأخرى، ولكن هذا ضرورى حتى تكون قلمًا أفضل وتؤدى مهمتك بطريقةٍ أعظم. ثالثًا: ستكون لديك القدرة على تصحيح أى أخطاء ترتكبها، باستخدام الممحاة الموجودة فى نهايتك. رابعًا: سيكون الجزء الأهم لديك هو ما بداخلك. خامسًا: مهما كانت ظروفك فيجب عليك أن تستمر فى الكتابة حتى النهاية، كما يجب عليك أن تترك دائما خطًا واضحًا خلفك، مهما كانت صعوبة المواقف». وعندما فهم القلم رسالته، أدخله فى العلبة ليرسله إلى العالم. نستطيع أن نطبّق هذا على حياتنا والظروف التى نمر بها كل يوم، لنتعلّم من القلم بعض الدروس المهمة، ويجب أن نضعها فى الاعتبار. أولًا: سيكون كل واحدٍ منّا قادرًا على القيام بأمورٍ عظيمة وناجحة، إذا ترك نفسه فى يد الله خالقه. ثانيًا: مما لاشك فيه أن كل واحد منّا سيتعرض لمشاكل كثيرة ومؤلمة فى حياته؛ لكنها ستصقله إلى الأفضل والأحسن، وتجعله صلبًا فى الحياة. ثالثًا: كما أنه سيكون قادرًا على تصحيح الأخطاء، والنهوض عندما يقع أثناء مسيرته، ويمحو عيوب الماضى ويتخلّص منها. رابعًا: كما أن قيمة القلم تتوقف بالأكثر على نوع عنصره الداخلى، لأن أهم جزء فيه ليس خشبه الخارجى، ولا يهم كثيرًا نوعه أو لونه، وإنما يهمّنا كثيرًا جودة رصاصه، كذلك الأمر مع الناس، لا يهم كثيرًا الشكل أو اللون الخارجى أو المعتقد أو الجنس، ولكن جوهر الإنسان. خامسًا: يجب أن نترك أثرًا مفيدًا فى كل مكان نذهب فيه أو نعمل به. إذًا علينا أن نضع فى الاعتبار أن كلًا منّا هو قلم رصاص، خلقه الله لهدفٍ فريد ومهمة خاصة، ومن الضرورى حتمًا أن يُضحّى بالجزء الخارجى من القلم عن طريق البرى، حتى يمكن الاستفادة منه؛ كذلك يجب علينا أن نبرى الأنانية والكبرياء والشر حتى نكون ذوى نفع فى المجتمع الذى نعيش فيه. ولو أن القلم كان يشعر، لكاد يصرخ من ألم المبراة، ولكنها نافعة له، هذا هو الواقع الذى نعيشه. لذلك يجب أن نواصل مشوار حياتنا على الأرض، واضعين فى قلوبنا هدفًا له معنى. كل واحد من البشر، مهما كان نصيبه من الذكاء، يمكنه أن يتعهّد فى نفسه قوّة جبّارة للعمل الخلاّق، وهذه القوة هى كناية عن فكرة يتبنّاها، فتختمر فيه، ثم تدفعه إلى تحقيقها فى عالم الواقع. فإذا تكرر العمل المفيد والهادف أصبح عنده عادة، والعادة تصير مع الزمن طبعًا فيه، وحسب طبعه يتقرر مصيره فى الحياة. لذلك يجب أن يكون كل شخصٍ منّا ذا منفعة، وأن يقوم برسالته نحو الآخرين لا طعمًا فى الربح، ولا سعيًا إلى رفاهية أو منصب، بل تلبية لنداءٍ داخلى. فكل إنسانٍ صاحب رسالة يجب أن يؤديها على أكمل وجه لا لشىء، إلا لشعوره بأنه مؤتمن على توفير السعادة للآخرين، وكلّه يقين أنه لن يجد السعادة الشخصية إلا بمقدار ما يوفرها للغير، حتى أنه لا يعود يبالى بتعب، أو يستعظم تضحية أو يسأل عن أجر. فالله القادر على كل شىء منحنا الصحة والقوة وأوقات الفراغ، ليست لمنفعتنا الشخصية فحسب؛ ولكن من أجل خير الناس أيضًا. فالعظيم حقًا هو من كان عَلَمًا يخفق فوق الرؤوس، بأفكاره وتصرفاته وتقواه. فالإنسان يعيش بعقله وقلبه وروحه لربّه الذى خلقه، وللبشر أخوته. لذلك يجب أن نغذّى عقلنا بالعلم، وقلبنا بأعمال الخير، وروحنا بأعمال التقوى. لأن غاية وجودنا أن نسعى دائمًا لنعرف الله، فنحبّه ونخدمه فى هذه الحياة القصيرة، لنسعد معه إلى الأبد. كل هذا يتحقق أيضًا عندما نقوم بعمل الخير تجاه الجميع. ونختم بكلمات الشاعر العربي: «هيا احصدوا وانشدوا! فالحب قلبٌ ويدُ! والعمر زرعٌ وجنى».