طارق الشناوي يكتب: أفضل أفلام "البحر الأحمر"!

الفجر الفني

طارق الشناوي
طارق الشناوي

 

الحفاوة بمصر واحدةٌ من سمات الشعب السعودى، دائمًا تلمح فى العيون تلك النظرة التى تمتلئ بفيض من الدفء.

انتقل الحب من الشارع إلى الفعاليات، لنا نصيب وافر ومعتبر ومميز فى مهرجان (البحر الأحمر)، كل تلك التفاصيل تؤكد شيئا واحدا: «مصر دائمًا فى القلب».

قبل بداية عرض فيلم الختام (برا المنهج) لعمرو سلامة، حكى للجمهور عن ربع قرن عاشه طفلا وشابا فى السعودية، يحمل لشعبها أجمل الذكريات، حيث كان يعمل والداه، كان محروما فى المملكة من دخول السينما - عام 80 وقبل عامين من ميلاده - أغلقت جميعها.

يقف الآن فى دار السينما يقدم فيلمه الروائى الطويل السادس وسط نحو 150 فيلما، ويهتف عمرو قبل أن يغادر السينما (تحيا مصر)، ويرددها معه الحاضرون، الفيلم يستحق التوقف عنده فى مقال آخر بمساحة أكبر أغلبها (خارج المنهج).

قبل أن أغادر صفحة أفلام (البحر الأحمر) أتوقف أمام فيلم (أوروبا) لحيدر رشيد، الحائز جائزة الإخراج، وأيضا أفضل ممثل لآدم على.

القضية بها نبض وروح الفيلم الوثائقى، رغم أنها فعليا ليست كذلك «الهجرة غير الشرعية».. كثيرًا ما شاهدنا أفلاما عربية وغربية، نتابع مئات الضحايا من كل الدول التى أنهكها الصراع الدينى أو العرقى ويعيش شعبها تحت خط الفقر، وتصبح الهجرة هى طوق النجاة، تلك الأفلام تطل على عالمين وكـأنهما معًا الكابوس والحلم داخل أوطانهم، يقبضون على الجمر وخارجها يحرقهم الجمر، ولا أمل فى حياة بها الحدود الدنيا لمقومات الحياة، فى الفيلم نعيش مع البطل رحلة الأدغال القاتلة حيث تترصد له فى كل خطوة طلقة رصاص أو خنجر قاتل، الحلم يلوح من الجانب الآخر، فيكتشفون أنهم يصارعون الموت، مشاعر قطاع من الأوروبيين تسكنها كراهية للآخر، لا أقول الأغلبية، ولكن فقط قطاعًا لا يستهان به، صار عدد منهم لديه صورة ذهنية سلبية محملة بكل الموبقات للآخر الهارب إليهم من جحيم بلاده، فيفتحون عليه كل أبواب الجحيم، تطارده الشرطة وأيضا منظمات أهلية تحاصره.

الرحلة التى التقطها حيدر رشيد لها ظلالها الإبداعية.. شاب عراقى (آدم على) يقرر عبور الحدود التركية إلى بلغاريا، المخرج حتى يمنح مصداقية لفيلمه يستعين بعدد ممن عاشوا نفس هذه التجربة، الفيلم تستطيع أن تضعه فى إطار سينما الرعب، المطاردات الدموية بين لقطة وأخرى لا تسمح لك بأن تلتقط أنفاسك، اللحظات تمضى مثقلة، أنفاس الهارب المطارد شغلت جزءا كبيرا من الشريط الصوتى، حيث لا مجال إلا للخوف والرعب، والمخرج يسيطر على أدواته فى التعبير البصرى والسمعى، تلعب دور البطولة تلك الأنفاس اللاهثة وكأنها بمثابة (موتيفة) موسيقية متصاعدة.

الكاميرا تُطل على الحدث، والرهان أن يظل المتفرج لاهثا ومتعاطفا مع البطل ومن يشاركونه الرحلة، وفى نفس الوقت يزداد الخوف بإيقاع متصاعد، والجمهور يتماهى معهم فى رحلتهم من أجل الحياة.

العنوان (أوروبا) يؤكد أن المسألة تتجاوز حدود الهجرة عبر الأسلاك الملتهبة من تركيا إلى بلغاريا، ولكن أوروبا وأمريكا إنهما الحلم المستحيل.

الخيط الرفيع الذى أمسك به المخرج أنه لا يحلل ولا يدافع عن الهجرة غير الشرعية المجرّمة والمحرّمة، ولكنه ينحاز للإنسان وحقه فى الحياة.. وإذا كان هؤلاء المهاجرون قد فرّوا من ظلم بلادهم إلى الموت الحتمى، فالفيلم ينحاز للإنسان وللقيم الإنسانية التى اغتالوها عنوة.

[email protected]

المقال: نقلًا عن (المصري اليوم).