خبير آثار: دعاة الظلام يريدون طمس هويتنا
أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار، أن البعض من دعاة الانهزامية خرجوا علينا في وسائل التواصل الاجتماعي ليترجموا هذا النجاح الباهر بأن مظاهر الاحتفال بالآثار هو عودة إلى الوثنية على حد تعبيرهم وتشجيع على عبادة الأصنام وهذا الكلام صدر من أشخاص قد توقف بهم الزمن ولم يقرأوا آية واحدة فى القرآن الكريم ولم يدققوا فى تاريخ ومعالم الحضارة الإسلامية ولم يسمعوا عن الفتاوى الشرعية من أكبر مؤسسة إسلامية فى العالم وهى مؤسسة الأزهر الشريف.
ويرد الدكتور ريحان على هذه الفتاوى بأن الإسلام دخل مصر ووجد الصحابة الآثار المصرية القديمة بالمعابد والتماثيل والآثار المسيحية منتشرة من أديرة وكنائس وغيرها من الآثار ولم يصدروا فتوى أو رأيًا شرعيًا يمس هذه الآثار التي تعد قيمة تاريخية عظيمة بل حافظوا على هذه الآثار وساعدوا المسيحيين على ترميم كنائسهم ونشروا الأمن والسلام والتعايش الحضارى بين الجميع وتأثروا وأثروا فى هذه الحضارات وامتزجت العمارة والفنون ونلاحظ التداخل الحضاري الفريد فى معبد الأقصر فالمصري القديم تعبد في معبد الأقصر ولما دخلت المسيحية أنشأ كنيسة في نفس مكان تعبده ولما دخل الإسلام أنشأ مسجدًا ومن هنا كان ازدهار الحضارة الإسلامية.
ويضيف الدكتور ريحان بأن الإمام محمد عبده سئل منذ ما يقرب من مائة عام عن الرسم والآثار فقال "إن الرسم شعر ساكت يُرى ولا يُسمع، كما أن الشـعر رسم يُسمع ويُرى، وحفظ الآثار بالرسوم والتماثيل هو حفظ للعلم بالحقيقة.. وشـكر لصاحب الصنعة على الإبداع فيها، وأن الشريعة الإسلامية أبعد من أن تحرم وسيلة من وسائل العلم بعد تحقيق أنه لا خطر فيه على الدين لا من وجهة العقيدة ولا من جهة العمل وأنه ليس هناك ما يمنع المسلمين من الجمع بين عقيدة التوحيد ورسم صورة الإنسان والحيوان لتحقيق المعاني العلمية وتمثيل الصورة الذهنية”.
وأعلن الإمام أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، في البيان الختامي للمؤتمر العالمي للتجديد في الفكر الإسلامي، الصادر في 27 يناير 2020، عن رأي الأزهر في الآثار وحكم تداولها وبيعها.
وتنص النقطة 25 من البيان على أن "الآثارُ موروثٌ ثقافيٌّ يُعرِّف بتاريخ الأمم والحضارات، ولا تُعدُّ أصنامًا ولا أوثانًا -كما يَزعمُ أصحاب الفكر الضالّ- فلا يجوز الاعتِداء عليها ولا فعل ما يغيِّر من طبيعتها الأصلية، وهي ملك للأجيال كافة، تُدِيرها الدولةُ لصالحها، حتى لو عُثِر عليها في أرض مملوكة للأشخاص أو الهيئات، ويجب تشديد العقوبات الرادعة عن بيعِها أو تهريبِها خارج البلاد". وفي ذات الشهر، أصدر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر كتابا بعنوان "الحفاظ على الآثار التاريخية في الإسلام" انطلاقًا من "تعلق قضية الآثار التاريخية بالإرث الحضاري للأمم"
وأصدرت دار الإفتاء المصرية "لا يجوز شرعًا هدم الآثار الفرعونية، فإقامة المتاحف أمر ضروري في عصرنا الحاضر؛ لأنَّه الوسيلة العلمية الصحيحة لحفظ آثار الأمم والحضارات السابقة"
ويرصد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مفهوم الآثار والتراث وقيمتهما فى آيات القرآن الكريم وقد ذكر التراث صراحة فى الآية 19 من سورة الفجر {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا} وتعنى الميراث وما الآثار إلا ميراث من سبقنا من الحضارات المختلفة، كما وردت كلمة آثار صراحة فى الآية 21 من سورة غافر }كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ{ وفيها دعوة للتأمل فيما صنعته الحضارات السابقة والسير في كل البقاع للتعرف على الحضارات والثقافات للشعوب المختلفة والسير في مساكن السابقين وتأملها والاستفادة من طرق بنائها ومدى ملاءمتها للبيئة الخاصة بها وأن يضع المسلم في ذهنه أن من صنعوا هذه المباني العظيمة أهلكوا كغيرهم، ورغم زوال هذه الحضارات بقيت آثارهم تدل عليهم، كما أعيد استخدام المساكن القديمة لأجيال أخرى، وهذا يعزز فكرة التواصل المعمارى عبر الأجيال كما جاء فى الآية 45 من سورة إبراهيم }وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ{ وأن زوال صانعي هذه الحضارات كان نتيجة افتقادهم للقوى الروحية، وأحيانًا إلى القيم الأخلاقية ومكرهم على الله ومخالفة ما أمر به.
ويشير الدكتور ريحان إلى ذكر الحضارات القديمة فى القرآن الكريم ومنها الحضارة المصرية القديمة فى الآية 38 من سورة القصص }فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا{والتى تحدث نبوغ المصرى القديم فى البناء بالطوب اللبن والطوب الأحمر كنبوغه فى البناء بالحجر والذى ارتبط بالاعتقاد في البعث والخلود إيمانًا بوجود حياة أخري ينعم بها المتوفي بعد الموت حيث يعود بعثة ثانية للحياة بعد موته ليحيا حياة خالدة مما دفعهم إلى بناء قبورهم بالحجر ومنازلهم وقصورهم بالطوب اللبن لأنها وقتية مرتبطة بالحياة الدنيا الزائلة
وينوه الدكتور ريحان إلى كلمة الأوتاد فى الآية 10 فى سورة الفجر { وَثَمُودَ الذين جَابُواْ الصخر بالواد وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوتاد } والذى فسّرها بعض المفسرين بأنها الأهرامات والأبنية الفخمة المترسخة في الأرض كالأوتاد ويُقال للمباني والصروح والأبراج العالية أوتادًا لأنَّها مُثبتَّة في الأرض سامقة في السماء، كما ذكر صواع الملك وهو المكيال الخاص بالملك فى مصر القديمة فترة وجود نبى الله يوسف فى مصر فى الآية 72 من سورة يوسف }قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ{.
ويشير الدكتور ريحان إلى إشارة القرآن للحضارات البائدة وما تركوا من آثار فى الآية 45 من سورة الحج
}فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ{ والتى توضح أن معالم هذه الحضارة في الآية السابقة البئر المعطلة، وهي البئر المهملة المرتبطة بقوم كانوا يستعملونها وبفقدانهم فقدت البئر أهميتها ونضب ماؤها وتعطلت، أما القصر المشيد فهو كل بناء مشيد من أي مادة سواء من الحجر أو الطوب وتعنى كل الآثار السابقة.