عندما كنا عربا.. حكايات اليهود المصريين فى إسرائيل قبل وبعد كامب ديفيد

العدد الأسبوعي

أبو الغار
أبو الغار

أبو الغار يقدم موسوعة عن تاريخ يهود مصر بحس وطنى وتاريخي

 

وسط كل المشاكل والهموم ومطاردات كورونا وعودة المدارس والجامعات وارتفاع الأسعار الجديد، ووداع الأحبة والأصدقاء، فى غمرة كل ذلك هل تبدو القراءة أو حتى الكتابة عن يهود مصر خلال القرن العشرين مهمة أو ملحة؟ الإجابة ألف نعم، فالصهاينة لا يتركون لحظة دون أن يحاول معظمهم التلاعب بالتاريخ واتهام المصريين باضطهاد اليهود فى مصر، ومن هنا تأتى أهمية الكتاب أو بالأحرى موسوعة (يهود مصر فى القرن العشرين) للدكتور محمد أبو الغار.


أمضى المفكر والسياسى أبو الغار سنوات وجهدا كبيرا لإنجاز هذه الموسوعة التى لا غنى لكل مهتم بقضية يهود مصر أو الفارق بين اليهودى والصهيونى أو أسباب خروج اليهود من مصر عبر هجرتين آخرهما بعد معركة السويس أو العدوان الثلاثى على مصر، ففى عام ٥٦ اشتركت إسرائيل دون أدنى داعٍ مع إنجلترا وفرنسا فى ضرب مصر بعد تأميم قناة السويس.

 

يشتمل الكتاب على حوارات مع يهود هاجروا إلى عدة دول أوروبية وأمريكا وأستراليا، وبحسب أبو الغار فقد رفض يهود يعيشون فى إسرائيل التواصل مع رسائله. كما يضم الكتاب نماذج من السير الذاتية التى كتبها يهود مصريون وكتب كتبوها بلغات أخرى غير اللغة العربية، وبالطبع يتناول الكتاب فضيحة لافون بالتفصيل والفنانون اليهود فى مصر والكثير والكثير من المعلومات التاريخية.

 

عائلة قطاوى هى واحدة من أشهر العائلات اليهودية المصرية، وقد امتد وجودها لأجيال وكان أول فرد فى هذه العائلة اشتهر هو الجد موسى قطاوى وعمل فى منصب رئيس للخزانة والجمارك فى عهد الخديو عباس ثم رئيس للصرافيان فى عهد الخديو إسماعيل، وهو منصب يشبه وزير المالية، وكان أول يهودى يحصل على لقب بك.

 

وظلت عائلة قطاوى مثالًا للوطنية وكانوا ضد الصهيونية ويكفى أن أحد أفراد العائلة وأشهرها وهو الحفيد موسى باشا قطاوى ساهم فى إنشاء بنك مصر الذى دعا له الزعيم طلعت حرب، وذلك رغم ملكية العائلة لحصص فى بنوك أجنبية، وكان لعائلة قطاوى مثل العائلات الكبرى نائب فى البرلمان.

 

وفى الكتاب يكشف أبو الغار سرًا عن هذه العائلة أو بالأحرى عن الحفيد الشهير موسى قطاوى، وهذا السر هو أنه هرب خلال ثورة عرابى إلى إيطاليا وتحديدا نابولى بلد زوجته ثم عاد بعد إخماد ثورة عرابى. ويرى الدكتور أبو الغار أن هروب قطاوى باشا خلال ثورة الجيش بقيادة عرابى التى أيدها الشعب تخلى عن الشعب المصرى، ويقارن أبو الغار بين ما فعله قطاوى باشا، ويصل إلى نتيجة فى شكل سؤال أنقله حرفيا: (ولم يكن هناك سبب يدعو قطاوى إلى التخلى عن وطنه، إلا إذا كان لا يعد نفسه مصريا صميما)، ويقارن أبو الغار بين موقف قطاوى باشا وبين موقف الفنان المبدع يعقوب صنوع الذى آمن بالثورة ودافع عنها.

 

يحمل الكتاب بعض السير الذاتية التى كتبها اليهود المصريون، وقد حاول أن يجمع كل وجهات النظر، ففى سيرة (عندما كنا عرب) يحكى الحفيد مسعود حايون قصة جده اليهودى المتمسك بالتقاليد المصرية والعربية، والمولع بالأفلام والموسيقى المصرية، ويؤكد الحفيد أن جده ويهود مصر كانوا يمارسون طقوس الدين علانية دون خوف وأنهم عاشوا فى مصر أيامًا جميلة حتى تدخلت الصهيونية فى مصر، ويرى مسعود ويعمل صحفيًا أمريكيًا أن الاستعمار فصل اليهود والمسيحيين عن المسلمين والأثرياء عن الفقراء.

 

ومن الضفة الأخرى سيرة أخرى تحمل عنوان الخروج الثانى لهنرى مراد، وهو حفيد عائلة مراد التى اشتهرت طوال قرن بالمصوغات القشرة التى تحمل ماركة الجمل، وهى مصوغات من النحاس تطلى جيدا بذهب ٢١، أو ٢٤ بداية يعترف الحفيد أنه لم يكون أى علاقات مع أفراد خارج دائرة اليهود. ويتحدث الحفيد بمرارة عن مظاهرات الإخوان ضدهم، والرعب الذى عاشه اليهود خاصة بعد تفجيرات حارة اليهود، وعائلة مراد تعد من أواخر العائلات اليهودية التى هاجرت من مصر فى عام ١٩٦٣، ويحكى الحفيد عن عذابات واعتقالات، ولكنه لا ينكر أن فضيحة لافون التى تورط فيها يهود مصريون واشتراك إسرائيل فى العدوان الثلاثى صعب الأمور على اليهود.

 

من المحطات المشوقة التى توقف عندها الدكتور أبوالغار محطة كامب ديفيد، أو بالأحرى تأثير اتفاقية كامب ديفيد وزيارة السادات للقدس على اليهود المصريين داخل إسرائيل، وقد خصص الكاتب فصلا للمقارنة ما بين وضع هؤلاء قبل المعاهدة وبعدها.

 

ويرصد الدكتور أبو الغار أن وضع اليهود المصريين فى إسرائيل قبل كامب ديفيد كان بائسا جدا فلم يكن لهم وضع لا سياسيا ولا اجتماعيا كجالية وعانوا من الإهمال والتهميش من مؤسسى إسرائيل، بل إن البعض حرص على عدم استرجاع ماضيه فى مصر.

رغم أنهم كانوا يتحدثون باللغة العربية مثل معظم اليهود العرب، وكان اليهود المصريون مختلفين فى العادات والخلفية الاجتماعية والمستوى الاقتصادى والتعليمى.

 

ولكن زيارة السادات للقدس ثم معاهدة كامب ديفيد منحت اليهود المصريين بإسرائيل مكانة أخرى مميزة، فتحدث بعضهم عن النعيم الذى كان يعيش فيه بمصر، وأفاضوا بالحنين والذكريات الحلوة، وبالطبع هناك من ادعى أن اليهود هربوا من الاضطهاد فى مصر. ويقدم الدكتور أبو الغار قصصًا ورؤى كثيرة تستحق التوقف عندها، وأحيانا بالاختلاف معها. ومن أهم المعلومات ذات المغزى التى قدمها الكتاب هى (حسب التعداد الإسرائيلى فإن عدد اليهود من مصر والسودان معا فى إسرائيل كان ٣٥٥٨٠ يهوديًا، وأغلبهم هاجر بعد حرب العدوان الثلاثى ٥٦) ويؤكد أبو الغار أن هذا الرقم يكشف أن أكثر من نصف اليهود المصريين الذين تركوا مصر لم يذهبوا إلى إسرائيل.