السكر من القصب أم البنجر؟.. ندوة إلكترونية بحضور نخبة من المتخصصين في المجال
عقد المركز المصرى للدراسات الاقتصادية اليوم الأحد، ندوة إلكترونية موسعة عبر الإنترنت بعنوان: "قصب السكر أم بنجر السكر؟ الجدل الزائف والفرص الضائعة"، بحضور نخبة من المتخصصين والخبراء فى مجال الزراعة وصناعة السكر والصناعات التكاملية.
وعرضت الدكتورة عبلة عبد اللطيف المدير التنفيذى للمركز المصري للدراسات الاقتصادية، ومدير البحوث نتائج الدراسة، التى أعدها المركز والتى تهدف إلى حسم الجدل حول إنتاج السكر من قصب السكر أو بنجر السكر بشكل علمى موضوعى يراعى كافة الأبعاد، وتحديد الفرص لتعظيم سلسلة القيمة للسكر فى مصر، فى ضوء التقييم الحالى لسلسلة القيمة وأفضل الممارسات، وتناولت الدراسة المراحل الأساسية لسلسلة قيمة السكر من مصدريه القصب والبنجر، بداية من زراعة المحاصيل السكرية، مرورا بإنتاج وتصنيع السكر، وانتهاءا بمرحلة التوزيع والتجارة.
وأشارت الدراسة إلى أن زراعة المحاصيل السكرية فى مصر تعانى من تحديات مشتركة، منها تفتت الحيازات الزراعية وعدم القدرة على الاستفادة من التكنولوجيات الحديثة فى الزراعة والحصاد والرى، وانخفاض جودة البذور والسلالات المستخدمة، وارتفاع تكاليف الزراعة خاصة بعد التعويم ورفع دعم الطاقة، وعدم سلاسة عملية توريد محصولى القصب والبنجر وتأخر مستحقات المزارعين، وارتفاع الهدر لضعف كفاءة اللوجستيات المرتبطة بنقل وتخزين المحاصيل السكرية، وعدم تناسب الخدمات المقدمة من التعاونيات والإرشاد الزراعى لاحتياجات المزارعين خاصة الصغار.
وأكدت الدراسة أن هناك توجه واضح للدولة نحو التوسع فى المساحات المزروعة من البنجر وهو ما وصفته بالتوجه السليم لما يتمتع به البنجر من مزايا متعددة مقارنة بالقصب، منها قصر مدة زراعته، وارتفاع محتواه السكرى، وانخفاض تكاليف زراعته، وانخفاض نسبى فى استهلاك المياه، وآلية تسعير محفزة على الجودة.
ولكن على الرغم من هذه المزايا إلا أن التوسع فى زراعة البنجر يتضمن بعض التحديات التى تتطلب سياسات جادة للتعامل معها، منها عدم توافر البذور محليا وانخفاض متوسط إنتاجية الفدان خاصة فى الأراضى القديمة، وانخفاض جودته مع ارتفاع درجة الحرارة وبالتالى لا يمكن إحلاله بشكل كامل بالقصب.
ومن تحليل مرحلة إنتاج وتصنيع السكر، خلصت الدراسة إلى أن إنتاج وتصنيع السكر من البنجر يتسم بالتنوع مقارنة بالقصب، بالإضافة إلى أن ضعف مخرجات مرحلة الزراعة تؤثر سلبا على كفاءة تصنيع السكر من المحصولين، وترتفع تكاليف إنتاج السكر من القصب بنسبة 12.5% عن تكاليف إنتاجه من البنجر، بالإضافة إلى أن البنجر أكثر كثافة فى استهلاك الطاقة مقارنة بالقصب.
وأرجعت الدراسة ارتفاع تكاليف إنتاج السكر بشركات قطاع الأعمال العام من المحصولين لعدة أسباب، منها: ارتفاع سعر توريد المحاصيل السكرية وارتفاع التكلفة الثابتة، وتقادم الآلات وتكنولوجيا التصنيع الحديثة والصيانة النمطية، وعدم الاستفادة من إجمالي الطاقة التشغيلية حيث يوجد 23.2% طاقة عاطلة فى شركات السكر الحكومية، بالإضافة إلى نقص الفنيين والمهندسين نتيجة وقف التعيينات الحكومية، وضعف الخبرة الفنية فى إدارة الشركات خاصة فى ظل غياب معايير اختيار مجالس إدارات الشركات.
ورصدت الدراسة ضعف القدرات التسويقية للشركات الحكومية المنتجة للسكر، وانخفاض عدد شركات الجملة ونصف الجملة فى مجال التوزيع والتجارة، مما يفتح المجال للاحتكار، بجانب ضعف الرقابة على تجار التجزئة.
وحللت الدراسة بشكل تفصيلى الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والمؤسسية المرتبطة بسلسلة القيمة، بالإضافة إلى تحليل سلسلة القيمة لصناعة لسكر فى مصر شاملا الصناعات التكاملية بالتركيز على صناعة الورق كنموذج، وانتهت إلى وجود فجوة كبيرة بين وضع الصناعات التكاملية فى مصر مقابل أفضل الممارسات العالمية، حيث يتم إهدار العديد من الفرص الاستثمارية ضاربة المثل بصناعة الورق، مؤكدة أن تغيير السياسات فى إدارة الصناعات التكاملية سيؤدى إلى طفرة غير عادية فى أدائها مثل تسعير الباجاز "مصاصة القصب" الذى تستخدمه المصانع فى توليد الوقود، فى حين أنه مادة خام لتصنيع الورق وهو ما يهدر فرصا استثمارية هامة فى صناعة الورق.
وأكدت الدراسة إلى أن نقطة البداية تتمثل فى إدارة صناعة السكر والصناعات التكاملية من منظور سلسلة القيمة، بمعنى التكامل بين كافة المراحل وعدم التعامل مع كل مرحلة بشكل منفصل، واعتبار التصنيع قاطرة التغيير على مستوى سلسلة القيمة فى كافة مراحلها وخاصة المنتجات مرتفعة القيمة المضافة، داعية إلى رفع كفاءة سلسلة القيمة للسكر، والموازنة السليمة بين الاعتبارات الاجتماعية والكفاءة الاقتصادية، وتعظيم العائد الاقتصادى، والوصول إلى سلسلة قيمة أكثر استدامة. وهناك حاجة إلى وضع إطار استراتيجيى شامل وواضح للمنظومة، وتنفيذ إصلاح مؤسسى سليم، ورفع الكفاءة الفنية، واستغلال الفرص الاستثمارية.
من جانبه أكد الدكتور سعد نصار أستاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة القاهرة ومحافظ الفيوم الأسبق، أنه لا يمكن الاستغناء عن أى محصول على حساب الآخر فكلاهما له أهميته، مشيرا إلى أنه ليس من المقرر التوسع فى المساحات المزروعة من قصب السكر المقدرة بنحو 325 ألف فدان حاليا، ولكن الهدف هو التوسع الرأسى برفع كفاءة إنتاجية الفدان من متوسط 40 طن/ فدان، إلى 50 - 60 طن/ فدان، وهو ما يتحقق من خلال الزراعة بالشتب والرى بالتنقيط وتسوية الأرض بالليزر والاهتمام بالغرس، وهو ما يخفض كمية المياه المستخدمة فى زراعة الفدان إلى 5 آلاف متر مكعب سنويا، مقابل 11 ألف متر مكعب بالزراعة الحالية.
وأشار إلى إمكانية زيادة مساحة زراعة البنجر من 600 ألف فدان حاليا إلى مليون فدان، من خلال الأراضى الجديدة والهامشية، بالإضافة إلى التوسع الأفقى من خلال تحسين الإنتاجية عبر الزراعة بالتقاوى وحيدة الأجنة، حيث أن الزراعة باستخدام التقاوى متعددة الأجنة المعمول بها حاليا انتهت من جميع دول العالم، ولا تناسب سوى المساحات المفتتة، وهى تقاوى منخفضة الإنتاجية.
وطالب نصار بضرورة إعادة النظر فى سياسات تسعير المحاصيل وسياسات تسعير السكر، حيث تحقق المصانع التكاملية خسائر وهو ما يتطلب إعادة نظر كاملة فى سلاسل القيمة لأنها لا تحقق الربحية الكاملة، داعيا إلى أهمية إعلان أسعار المحاصيل الزراعية قبل بدء موسم الزراعة وليس بعده.
من جانبه أوضح إسلام سالم الرئيس التنفيذى والعضو المنتدب لشركة القناة للسكر، أنه من النقاط الأساسية فى الاستثمار بصناعة السكر والتوسع فى الزراعة، هو وجود اتجاه واضح لدى الدولة وإن كان على المدى القصير، فى تحديد نوع الدعم للمواطن نقدى أم عينى، وعدم التدخل بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال الضغط، فى تسعير السكر، ما دام توفرت المنافسة العادلة، مع وجود جهاز قوى لحماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية يقوم بدوره.
وأشار سالم إلى أنه ليس من المنطقى الحديث عن التوسع فى مساحات زراعة البنجر لتصل إلى 2 – 3 مليون فدان، دون وجود بورصة سلعية تتضمن مستقبلية لأنها الآلية المتعارف عليها عالميا والتى تضمن وجود رؤية لدى جميع الأطراف سواء المصنع أوالمنتج أو المستهلك.
وتعليقا على الفرص الضائعة فى صناعة الورق، أكد يوسف شاهين مدير عام وعضو مجلس إدارة شركة يونيبورد لصناعة الورق، على أهمية إعلان الدولة لرؤيتها وخطتها الاستراتيجية لزراعة القصب، حيث تقوم أنواع معينة من صناعة الورق على استخدام الباجاز "مصاصة القصب"، وهى صناعة ضخمة تتكلف مليارات، وبالتالى تحتاج لرؤية واضحة لأنه لا يمكن قدوم استثمارات فى ظل احتمالية لتقليص مساحات قصب السكر.
وشدد شاهين على أن حل مشكلة تسعير الباجاز، والإعلان الرسمى للحكومة عن استراتيجيتها للحفاظ على مساحات القصب المزروعة حاليا، سيبدد مخاوف المستثمرين تجاه ضخ استثمارات فى صناعة الورق فى مصر، مطالبا بفتح مزايدات أمام القطاع الخاص والقطاع الحكومى للاستثمار فى صناعة الورق، وهو ما سيضاعف حجم الإنتاج الحالى.
وأكدت الدكتورة عبلة عبد اللطيف المدير التنفيذى ومدير البحوث بالمركز، أنه لا يوجد داعى للجدل بشأن الاعتماد على بنجر السكر أم قصب السكر لتصنيع السكر فى مصر، فاقتصاديا الأمر محسوم لصالح البنجر لما يتمتع به من مزايا مع ضرورة تبنى سياسات للتعامل مع تحديات التوسع فى زراعته، ولكن يظل الاحتفاظ بالمساحات المنزرعة بقصب السكر ضرورة استراتيجية واجتماعية ويمكن أن يتحول إلى فرصة اقتصادية حقيقية من خلال الاستغلال الكامل لكافة الصناعات التكاملية خاصة صناعة الورق، التى ترتبط بتصنيع قصب السكر على غرار ما تقوم به الدول الأخرى، مما يحدث تأثيرات مضاعفا على الاقتصاد القومى وزيادة الدخول وخلق فرص العمل، وتحديدا فى الصعيد بالإضافة لتقليل الواردات.
ودعت عبد اللطيف إلى عدم تدخل الدولة فى عملية تسعير المنتجات لأنه يخل بسلسلة القيمة، مطالبة بضرورة التوسع فى سياسة إعلان تسعير المحاصيل قبل موسم الزراعة على غرار ما نفذته الحكومة بالنسبة لتسعير القمح قبل زراعة الموسم الجديد، وهو ما يحقق وضوح الرؤية.