مصطفى عمار يكتب: “سهير البابلي” وأصحاب فوبيا التدين!
نحاول دائمًا محاربة الفكر المتطرف لأنه يحجر على تصرفاتنا وقراراتنا وآرئنا التى إن لم تتفق مع مرجعيته يصدر على الفور الحكم علينا بالكفر والخروج من حظيرة الإيمان.. ولكننا نتفهم هذه العقلية التى تربت على السمع والطاعة والبحث عن خليفة فى الأرض لتطبيق شرع الله من وجهة نظرهم لا من كتاب الله ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.. وأكبر دليل أنهم دومًا ما يستضحرون النص القرآنى الذى يتحدث فيه الله مخاطبًا رسوله عن مواجهة من كفروا بكتاب الله وقرروا إعلان الحرب على دين الله ورسوله وكل من أتبعه.. ويحالون تفسير هذه النصوص وتطبيقها على كل من يخالفهم الرأى وكأنهم هم رسل الله وكأن من يختلف معهم فى حالة حرب على دين الله ورسله ومن هنا نجد أنفسنا دائمًا فى مواجهة دائمة ومستمرة مع أصحاب هذا الفكر المظلم..
ولكن للأسف يبدو أن بعض منا قرر أن يمارس نفس التطرف تجاه بعضنا البعض وأن يصدر أحكامه المطلقة والظالمة ضد من يختلف معه فى الرأى ووجهة النظر.. لدرجة صنعت من بعضنا أكثر تطرفًا من مؤسسى جماعات الفكر الدينى المتطرف..
فعقب رحيل الفنانة القديرة سهير البابلى.. خرج فصيل يهاجم حزن الناس على رحيلها تحت ستار أنها تبرأت من الفن وأدوارها الفنية وقررت أن ترتدى الحجاب وتمثل وهى محجبة لأنها ترى أن الفن حرام... وفى هذا الحكم تجنى كبير على الراحلة وعلى تاريخها الفنى.. لأن الراحلة قررت أن ترتدى الحجاب بعد رحلة كبيرة من العطاء الفنى.. ولم تخرج مرة واحدة لتحرم ما قدمته من أعمال فنية.. بل قالت إنها تعبت من العمل فى المسرح وشعرت بالخجل من ارتداء ابنتها الكبيرة الحجاب وقالت بطريقتها الشهيرة.. وليه أنا كمان ما بقاش ممثلة محجبة ؟! وليه ما أمثلش وأنا محجبة هو إحنا بنعمل حاجة حرام؟! كان هذا هو رأى الراحلة سهير البابلى فى قرار ارتدائها الحجاب.. ولكن يبدو أن أى مظاهر تدين أصبحت تصيب الليبرالين بحالة من الفوبيا والخوف.. لدرجة تجعلهم يمارسوا ما تمارسه الجماعات الأصولية من إصدار أحكام مسبقة وظالمة على المختلفين معهم ومع الآخر بوجه عام.. فنحن ما دام حاربنا فكرة إصدار أحكام تدين الآخر لوجهة نظر أو رأى لم تؤذ أحدا أو تلحق الضرر بأى شخص.. وما الضرر الذى يلحقه إعلان ممثلة ارتدائها الحجاب والمواظبة على الصلاة.. أو حتى إن ذهبت لأبعد من هذا وقررت ترك الفن واعتزاله لأنها لم تعد قادرة على حياته ومتطلباته والإرهاق النفسى والجسدى الذى يتسبب فيهم! وللأسف هذه التصرفات تجعل فكرة أن الفن والتمثيل مناقضة للإيمان والتدين ثابتة فى عقول الناس.. لأن محاربتنا لفكرة أن التزام الفنان يعنى خروجه من حظيرة الفن والإبداع فيها إساءة بالغة وكبيرة للفن.. ومن صلب الحريات التى يدعى البعض أنه يدافع عنها.. أن كل شخص حر فى قراراته وتصرفاته ما دام لم يضر أحدا.. فكيف يسلبوا الراحلة سهير البابلى هذا الحق ويتهموها أنها تطرفت وحرمت فنها لمجرد أنها قررت أن ترتدى الحجاب.
ولعل أكبر دليل على براءة الراحلة طسهير البابلى من تحريم الفن وتبرأها من أدوارها قبل ارتدائها الحجاب.. هو حلقتها مع الفنانة إسعاد يونس فى برنامج صاحبة السعادة.. والتى سجلتها خلال عام ٢٠١٤.. وتعتبر آخر ظهور إعلامى لها.. وتحدثت فيها عن مشوارها الفنى وعن أهمية الأدوار التى قدمتها وعن علاقتها بزملائها وعن الممثلين الجدد اتى تحب مشاهدتهم.. وتمنت فى نهاية الحلقة أن تقدم مع إسعاد يونس جزءا جديدا من مسلسل بكيزة وزغلول..
رحم الله سهير البابلى وأنقذنا الله من المدعين