عادل حمودة يكتب: أهم أسئلة الأسبوع فى العالم
1- هل يسقط حكم آبى أحمد أم تنقذه العرافة برتكان؟
2- هل يحاكم أمام المحكمة الجنائية الدولية كمجرم حرب؟
3- هل تقسم إثيوبيا إلى ثمانى دول؟
4- هل تنتهى لعبة الأمم فى القرن الإفريقى حتى يعود الاستقرار إليه؟
ادعت أن مكتب زوجته «زيناش تاياشو» فيه «ثعبانا أصفر» يجب قتله مؤكدة أن المؤامرات ضده تبدأ من أقرب الناس إليه
حالة العناد التى تتحكم فيه بسبب انهيار أحلامه جعلت جميع قراراته فاشلة
أعلن فتح تراخيص السلاح لكل المواطنين ليدافعوا عن أنفسهم لو دخلت قوات «التيجراى» العاصمة
لم يجد «آبى أحمد» سوى العجوز «برتكان» ليستشيرها فى شئون السلطة وكيفية القضاء على خصومه الذين يصرون على إسقاطه.
برتكان «مشعوذة» تنبأت بأنه سيحكم إثيوبيا فلم يعد يستغنى عن نصائحها فى الأزمات وأهمل مستشاريه وأبعدهم ولم يعد يستدعى أحدا منهم.
تسرب إلى يوتيوب فيديو تتجه فيه «برتكان» بالدعاء إلى «آمين بابا» أو «السيد المسيح» ليبارك آبى أحمد الذى طلبت منه تفتيش مكتب زوجته «زيناش تاياشو» مدعية أن فيه «ثعبانا أصفر» يجب قتله وموحية بأن المؤامرات ضده تبدأ من أقرب الناس إليه.
فى ذلك الوقت كانت قوات «التيجراى» تسيطر على الطريق الرئيسى المؤدى إلى العاصمة (عند الكيلو ٢٨٠) ويمكنها دخولها خلال أسابيع لو شاءت لكنها تعطى الفرصة للقوى الدولية للتخلص من «آبى أحمد» ووضعه أمام «المحكمة الجنائية الدولية» لمحاسبته على ما ارتكب من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بعد نحو ثلاث سنوات فقط من حصوله على جائزة نوبل للسلام فى حالة من التناقض الصارخ لم يعرفها العالم من قبل.
والمؤكد أن حالة العناد التى تتحكم فيه بسبب شعوره بانهيار أحلامه جعلت قراراته فاشلة تأتى بعكس ما يهدف إليه.
أعلن وزير العدل فى حكومته لويجى دى مايو حالة الطوارئ ليستقر الناس فى بيوتهم لكنهم اندفعوا إلى المتاجر والمخابز لتأمين غذائهم شهورا فى أزمة لن تنتهى فى أيام.
وطالب آبى أحمد من قوات الدفاع الشعبى الانضمام إليه ورغم استجابتها فإنها لم تنقذه بسبب نقص التدريب وهروب أفرادها فى المواجهات المسلحة والأهم أنها لا تحارب قضيتها.
وتأكيدا لحالة الانهيار السياسى الذى يعانى منها آبى أحمد أعلن فتح تراخيص السلاح لكل المواطنين ليدافعوا عن أنفسهم لو دخلت قوات «التيجراى» العاصمة ليثبت بما طلب أنه يدعم الحرب الأهلية من شارع إلى شارع ومن بيت إلى بيت.
وأثار عجز آبى أحمد عن مواجهة التيجراى استياء الدول التى تنافست على دعمه بأسلحة متطورة منها طائرات مسيرة أو دون (دون طيار) وبنادق قناصة متطورة ومدرعات خفيفة الحركة ومدافع هاون وألغام أرضية ووسائل اتصال عالية التكنولوجيا.
تكاد لا توجد دولة مؤثرة فى المنطقة (مثل تركيا وإيران وإسرائيل) أو فى العالم (مثل الصين وروسيا وفرنسا أحيانا) لم تراهن عليه لكنها على ما يبدو خسرت الرهان.
كانت آخر فرصه العسكرية له الاستعانة بخمسة آلاف مرتزقة صومالى دخلوا إثيوبيا من حدودهم معها للتنسيق مع قوات إريترية وكتائب الحرس الجمهورى وتشكيلات ضباط الاحتياط ولكن العملية التى فتحت النيران من أربع جهات فشلت.
أكثر من ذلك تسببت فى فضيحة سياسية حين كشفت «أكرام البيتالى» وهى ضابط فى المخابرات الصومالية (قسم الأمن السيبرانى) عن المرتزقة الصوماليين ما أدى إلى قتلها واتهم مديرها فهد ياسين بارتكاب الجريمة وردت قبيلة الضحية بخطف جماعة من قبيلة القاتل.
فى الوقت نفسه غضبت الإدارة الأمريكية من لعبة الأمم التى يديرها آبى أحمد بعيدا عنها.
حسب المبعوث الأمريكى إلى القرن الإفريقى جيفرى فيلتمان فإن «أديس أبابا تستخدم أسلحة يصنعها أعداء واشنطن».
واعتبر استخدام الغذاء سلاحا لتجويع شعب تيجراى يمكن أن يرقى إلى جريمة حرب.
واعترف بأن «كل الآمال التى سادت بعد وصول آبى أحمد للحكم تلاشت وتبددت».
فى الوقت نفسه عاقبت وزارة الخزانة الأمريكية شخصيات ومؤسسات فى إيران لتزويدها إثيوبيا بطائرات «درون» هجومية.
ودون تردد أخطر الرئيس الأمريكى جو بايدن الكونجرس بإلغاء «المعاملة التفضيلية» التى تحظى بها إثيوبيا فى التجارة بسبب الجرائم البشعة التى ارتكبتها قواتها المسلحة فى منطقة تيجراى.
وحاولت الولايات المتحدة أخذ إثيوبيا إلى مجلس الأمن مرتين لاستصدار قرار بإدانتها لكنها فشلت بسبب الفيتو الصينى الروسى.
ويختبئ آبى أحمد فى قصر «جولى» الذى حكم منه الإمبراطور هيلاسى لاسى إثيوبيا.
القصر شيد منذ ١٠٠ سنة على ٤٠ فدانا فى منطقة «فل وها» وتكلف تجديده ١٧٠ مليون دولار ولكن الأهم أنه يختفى وراء ربوة عالية ويقع وسط غابة كثيفة الأشجار تخفيه عن العيون ويقف على أبراجه نخبة من قناصة حرس النخبة (ذى البريهات الحمراء) لديهم أوامر بإطلاق النار على كل من تجاوز الدائرة المحرمة.
لكن تلك التحصينات لم تمنع من اغتيال الإمبراطور الذى تربع على عرش إثيوبيا ٧٤ سنة خنقا وعثر على رفاته أسفل أحد مراحيض القصر.
والحقيقة أن هيلاسى لاسى كان وراء قوة التجراى رغم أن نسبتهم من السكان لا تزيد عن ثمانية فى المائة.
ما أن ظهر جمال عبد الناصر على سطح الحياة السياسية مطالبا بتحرير إفريقيا من الاستعمار حتى خشى الإمبراطور أن يثور الشعب ضده ويسقطه من فوق عرشه.
لم يكن أمامه سوى القيام بإصلاحات سياسية واجتماعية ضرورية منها إلغاء الرق وتحرير أربعة ملايين شخص من العبودية فى وقت لم يتجاوز فيه عدد السكان العشرة ملايين نسمة.
فى الوقت نفسه تطور التعليم وتضاعف عدد المدارس وفتحت جامعة أديس أبابا وتكونت طبقة راقية من المثقفين أغلبها من التيجراى الذين بحكم تميزهم سيطروا على المناصب العليا فى الوزارة والجيش والقضاء والتجارة والصحافة والسياسة.
ولكن فى دولة مثل إثيوبيا تتكون من تسعين عرقا انفجر سؤال مصيرى: «من نحن؟» وفرضت أزمة الهوية نفسها على الجميع.
انقسم الإثيوبيون إلى فريقين متناحرين.
فريق يسيطر عليه التيجراى ويدعمه الأمهرة يؤكد أن إثيوبيا أمة واحدة رغم تعدد الأعراق وقف الإمبراطور إلى جانبه.
لكن تلك الإجابة لم تنل تأييد الفريق الآخر الذى أعلن أنها تجاهلت بقية الأعراق بما تتمتع به من خصوصية دينية وثقافية وجغرافية ورفضت التبعية وشجعت على التمرد وطالبت بالمشاركة فى الحكم من خلال حكومة فيدرالية وإلا فإنها الحرب الأهلية والدعوات الانفصالية.
يكشف المحلل السياسى سيد جبيل على يوتيوب: إن دعوات تشكيل الحكومة الفيدرالية ازدادت حدة فى منتصف ستينيات القرن الماضى ولكنها لم تجد من يبررها سياسيا إلا فى عام ١٩٦٥.
فى ذلك العام ظهرت قيادة طلابية ثورية (هو ولالينج ميكونيين) كتب مقالا بعنوان: «فيما يتعلق بمسألة القوميات فى إثيوبيا» حدد فيه حجم المشكلة ووسائل إصلاحها قائلا:
«إن إثيوبيا ليست فى الحقيقة أمة واحدة وإنما مجموعة من القوميات لكل منها خصائصه غير المتشابهة وغير المتجانسة».
«وما حدث أن النخبة الحاكمة من أمهرة وتيجراى فرضوا واقعا إثيوبيا زائفا».
واستمر الجدل حول الهوية حتى وضعت نخبة التيجراى دستور ٨ ديسمبر ١٩٩٤ الذى نص فى مادته الرابعة على: «تنقسم جمهورية إثيوبيا إلى تسع ولايات على أساس عرقى بالإضافة إلى منطقتى حكم ذاتى هما أديس أبابا وديره داوا».
والولايات التسع هى: عفار وأمهرة وبنى شنقول (قماز) وجامبلا وهرارى وأورميا وصومالى أوجادين ــ والأمم الجنوبية وتيجراى».
دستور تقدمى أعطى لتلك القوميات الحق فى أن تحكم نفسها بنفسها ولم يمانع فى انفصالها لو شاءت بغير قيد أو شرط.
وكان متوقعا أن يؤدى دستور بتلك الجرأة إلى الفوضى ولكنه فى الحقيقة أدى إلى استقرار فى إثيوبيا لم تعرفه من قبل ساعدها على الانفتاح على العالم وزيادة حجم الاستثمارات الأجنبية (ومنها استثمارات مصرية) فيها.
لكن الأورمو الأكثر عددا (٣٤.٥٪ من السكان) والأقل شأنا بدأوا فى عام ٢٠١٨ سلسلة لم تتوقف من أحداث العنف والشغب والتدمير والتخريب.
سدت الطرق المؤدية إلى العاصمة وأحرقت إطارات السيارات وعطلت شبكات النقل العام وأغلقت الشركات وخرجت قيادات المعارضة من المعتقلات لتزيد النار فى الحطب الجاف اشتعالا ولم يجد ديسالين هايلى ميريام (خليفة مليس زيناوى) مفرا من الاستقالة منهيا بذلك حكم التيجراى.
ما أن ديسالين فى بيته الريفى حتى اختارت الجبهة الشعبية الثورية (التى حررت البلاد من حكم مانجستو الشيوعى) قائد فيلق الأورمو «لما جيا» ليخلفه لكنه تنازل عن فرصته فى الحكم إلى نائبه آبى أحمد ليصبح رئيسا «مؤقتا» للحكومة إلى أن تجرى الانتخابات البرلمانية إلا أنه أجل الانتخابات مرتين متعمدا حتى يتخذ من الإجراءات والتصرفات والتحالفات ما يضمن فوزه إذا ما أجريت.
لم يكمل آبى أحمد تعليمه الجامعى وانضم إلى الجيش والتحق بوحدة المخابرات واستمر فيها حتى أصبح عقيدا.
بدأ عمله السياسى فى إقليم أوروميا حتى انتخب عضوا فى البرلمان مرتين ونجح بقدرته على المناورة وبراعته فى التقية (إظهار غير ما يبطن) فى نيل منصب وزير التعليم والتكنولوجيا فى الحكومة الفيدرالية رغم أنه لم يحصل من التعليم الأكاديمى ما يؤهله لفهم المناهج التى يقرر تدريسها.
وعندما تولى رئاسة الحكومة «مؤقتا» فى ٢٧ مارس ٢٠١٨ لم يكن عمره يزيد على ٤٢ سنة ليسجل أنه أصغر من وصل إلى المنصب سنا.
ومنذ اليوم الأول للسلطة تقمص شخصية المنقذ حتى أنه وجد من يصفه بأنه قديس.
أطلق سراح السجناء السياسيين ورفع حالة الطوارئ وألغى الرقابة على الميديا وأسند للمرأة حقائب وزارية منها حقيبة الدفاع وفتح الطريق أمام السفيرة سهلورق زودى لتجلس على مقعد الرئيس وشجع القطاع الخاص على شراء الشركات العامة بما فيها الخطوط الجوية.
وجن به الناس إلى حد الهوس.
لكن ذلك لم يدم طويلا.
سرعان ما كشف الرجل عن نفس عنصرية دموية يصعب توقعها مع ملامح بريئة وابتسامة مريحة وكلمات معسولة.
سيطرت عليه عقدة العرق غير المتميز المنتمى إليه ودفعته إلى التخلص من نفوذ التيجراى فى السياسة والكنيسة والجيش والأمن والتجارة والتكنولوجيا بينما عشيرته من المزارعين الأميين وعمال الخدمات المتواضعة.
وبدم بارد بدأ الحرب الأهلية.
وكان ما كان.