منال لاشين تكتب: لماذا لا نرى انخفاض الأسعار العالمية؟
الحكومة دعمت المواطن الفقير ولكن جشع التجار يجب أن يتوقف
البنك الدولى قدر ارتفاع الأسعار بمصر بسبب الأزمة من ٢٪ إلى ٥٪
فى مصر ارتفعت أسعار سلع لا علاقة لها بالأزمة العالمية والحل فى المادة «١٠»
أصابنا كمواطنين لسعة أو حرقة ارتفاع أسعار الأسعار العالمية، ولكننا لم نستمع أو نستفيد ولو مرة واحدة بانخفاض الأسعار العالمية، دائما يسارع التجار ورجال الأعمال بمواكبة الأسعار العالمية لحظة ارتفاع الأسعار، أما إذا انخفضت الأسعار العالمية فلم تجد تاجرا أو رجل أعمال يسعى لمواكبة الانخفاض، وساعتها سيرفعون شعارا (أن لمصر وضعا خاصا، ولكل دولة ظروفها)، أما فى حالة ارتفاع الأسعار عالميا فيرفعون شعارا (مصر جزء من العالم ومن الطبيعى أن نتأثر بالأسعار العالمية).
ولن يختلف الأمر فى الواقعة الأخيرة، بالطبع العالم يشهد واحدة من أسوأ أزمات ارتفاع الأسعار فى المواد الغذائية والبترول (أو بالأحرى سعر البترول) منذ ٥٠ عاما، وهناك دول وصل التضرر من ارتفاع أسعار الغذاء إلى مظاهرات بينما سارعت دول عديدة إلى تقديم دعم مباشر للمواطنين، وأجبرت دول أخرى التجار على تخفيض هامش أرباحهم لتمر الأزمة المتوقع أن تتزايد، وأن تأخذ منحنيا تصاعديا حال وصول سعر برميل البترول لـ١٠٠ دولار..
وإزاء الأزمة العالمية لم يدخر الكثير من التجار ورجال الأعمال فى مصر وسعا لاستغلال الأزمة العالمية، فجأة ارتفعت معظم أسعار السلع حتى تلك التى لم ترتبط أساسا بالأزمة العالمية. عالميا زاد البترول والغاز والحبوب والزيوت ومنتجات الألبان وسرعان ما قدمت الحكومة المصرية الدعم للفقراء فى ظل الأزمة.
1- تخفيض الربح
من الظلم وعدم الموضوعية أن نتهم معظم رجال الأعمال أو التجار المصريين بالجشع، وكأن بقية رجال الأعمال الكبار عالميا يتمتعون بحس اجتماعى. ولكن الحقيقة أن الامر فى مصر أسوأ، لأن ليس لدنيا طبقة رأسمالية راسخة. ولذلك نجد الجشع أكثر ومساوئ الاحتكار كارثية. وفى مثل هذه الأزمة العالمية لارتفاع أسعار البترول والغاز وتوابع هذا الارتفاع على الغذاء أو قطاع النقل كان يجب أن يتصرف التجار عكسيا. وذلك من خلال تخفيض أرباحهم حتى تنتهى الأزمة، وليس ركوب الموجة ورفع الأسعار أما بمستويات قياسية أو رفع أسعار سلع لا علاقة لها بالأزمة المالية الجديدة والمرشحة للاستمرار.
وسأعطى بعض الأمثلة من السوق المصرية، ارتفاع البيض بنسبة ٥٥٪ منذ شهر، ومع عودة الطلاب للمدارس. فى أمريكا مثلا ارتفع البيض ١١٪. واعتبر الأمر تاريخيا. أريد أن أذكر أن كرتونة البيض كانت حتى شهر رمضان الماضى تحت سقف الـ٣٥ جنيها. رفع سعر رغيف الفينو الصغير ٥٠٪.
مثال آخر الأجهزة الكهربائية المستوردة أو الأجهزة المحلية المعروضة الآن فى المحلات والمعارض تم رفع أسعارها، وذلك على الرغم أنه تم تصينعها أو استيرادها قبل أزمة ارتفاع الأسعار عالميا.
نموذج آخر شهير جدا فى مصر، دائما يلجأ إليه النسبة الأكبر من التجار أو الصناع. وذلك من خلال رفع أو خفض قيمة أى عنصر يدخل فى الإنتاج حسب مصالحهم. فإن ارتفاع سعر البترول مما يؤدى إلى زيادة أسعار النقل، يزعم بعضهم أن تكلفة النقل تمثل نسبة كبيرة من تكلفة الإنتاج، وإذا حدث العكس وانخفضت أسعار البترول، وبالتالى انخفضت أسعار النقل لجأوا إلى تقليل أهمية وسعر النقل فى تكلفة الإنتاج.
ولذلك لم يصب أحد بالدهشة لظاهرة ارتفاع أسعار معظم السلع والخدمات تحت مظلة أزمة ارتفاع أسعار بعض السلع والخدمات عالميا، بل إن بعض الزملاء فى الصحافة أو الإعلام أو الباحثين لم يتوقفوا كثيرا عن المبالغة فى ارتفاع الأسعار مصريا على خلفية ارتفاع الأسعار عالميا.
2- دعم فوري
فى مقابل جشع التجار، فإن الرئيس أمر الحكومة بتحمل آثار الأزمة على الفقراء وهذا أمر جيد ومحمود، وذلك من خلال الحفاظ على أسعار السلع الغذائية داخل منظومة بطاقة التموين. كالمعتاد فى مثل هذه الأزمات تدخلت جهات حكومية عديدة بسلع منخفضة الأسعار فى منافذها، كما جابت السيارات المحملة بالمواد الغذائية المدعمة إحياء الفقراء. وذلك للتخفيف من أثر الأزمة على المواطنين الفقراء، وبالطبع فإن حماية الفقراء ودعمهم واجب قومى وحق دستورى. لكن لا هذا ولا ذلك يخفف من أثر هذا الدعم على بقية بنود الموازنة. وخاصة البنود المتعلقة بالمستقبل مثل التعليم أو الثقافة أو الانتهاء من تطبيق التأمين الصحى الشامل فى سنوات أقل. ومن هنا تأتى الأهمية القومية وليست الاقتصادية فقط لإيجاد نظام حكومى رقابى كفء وفعال لمواجهة الجشع والاحتكارات والاتفاقات السرية بين بعض المنتجين والمصنعين. فوجود هذا النظام سيحمى الشعب كله، وليس الطبقة الفقيرة فقط، ويوفر للموازنة مليارات يمكن استغلالها لصالح الشعب فى مجالات أخرى.
3- مواجهة حرة
ربما يتصور البعض أننى أطالب بردة اقتصادية أو عودة للاشتراكية للتحكم فى الأسعار، أو لإبطال القاعدة الرأسمالية (العرض والطلب). ولكننى أطالب بمواجهة الجشع والاستغلال بآليات رأسمالية لا تسبب لمصر أى أزمة فى التزاماتها مع الاتفاقيات الدولية التى وقعتها الحكومة.
اقتراحى أن يتولى جهاز حماية المنافسة وضع قوائم تقريبية بتكلفة إنتاج السلع الأساسية أو الاستراتيجية، وتكلفة كل عنصر من عناصر الإنتاج ونسبته، وبالطبع هذه القوائم يتم تحديثها حسب الأسعار. ومن خلال هذه القوائم وخلال الأزمات، فإن للحكومة الحق فى تحديد أسعار بعض السلع الاستراتيجية لمدة. وذلك حسب قانون حماية المنافسة المادة العاشرة. وكل قوانين المنافسة فى العالم الرأسمالى تعطى الحق للحكومة فى الأزمات أن تتدخل فى قلب النظام الرأسمالى، وبالمثل كل قوانين الطوارئ فى معظم دول العالم الأول تعطى الحكومات حقوقا مماثلة لمواجهة الكوارث والأزمات الكبرى. بل إن الأمر يتعدى الأزمات والكوارث. ففى فرنسا على سبيل المثال لا يوجد سوى بقال واحد فى معظم القرى الصغيرة، وحتى لا يقع أهالى القرية فريسة للبائع الوحيد ولغياب المنافسة، فإن هناك لجنة محلية تقوم بمناقشة الأسعار مع كل بقال، ومنعه من استغلال أهل القرية.
ولذلك فما أطلبه ليس بعيدا أو شاذا فى النظام الرأسمالى، نحن فى أزمة عالمية لم يشهدها العام منذ السبعينيات من القرن الماضى، أو بالأحرى منذ نصف قرن. وبما أن مصر جزء من العالم، فإن من حق الحكومة المصرية أن تمارس هذا الحق. فيصدر مجلس الوزراء بعد العرض على جهاز حماية المنافسة قرارات بتحديد بعض السلع، وبحسب المادة العاشرة من القانون يجب أن يتوفر فى القرار شرطان. الشرط الأول أن تكون السلعة استراتيجية، والثانى أن يكون قرار تحديد السعر محدد المدة.
واستطيع أن أراهن الآن بأن اتخاذ قرار أو اثنين فقط من مجلس الوزراء تجاه سلعة أو اثنين من السلع التى يغالى التجار أو الصناع فى سعرها سيوقف الجشع. بالطبع لم تتوقف الظاهرة نهائيا أو تموت بالسكتة القلبية، ولكن استخدام الحكومة لهذه الآلية سيجعل المحتكرين والجشعين يفكرون ألف مرة قبل أن يغالوا فى أرباحهم، وذلك خوفا من أن ترد الحكومة بتحديد سعر السلعة، نحن فى حاجة ماسة إلى الاهتمام بالدور الرقابى للحكومة فى ضبط الأسواق، وتقديم كل الدعم للأجهزة المختصة كجهاز حماية المستهلك وجهاز حماية المنافسة، ومع كل التقدير للدعم الموجهة للفقراء، فدون مواجهة بآليات الاقتصاد الحر للجشع، سوف تظل الموازنة تتحمل المزيد من الأعباء من ناحية، وتظل معاناة الطبقة المتوسطة مستمرة من ناحية أخرى.
الرقابة ومواجهة الاحتكارات والجشع هو الطريق الحقيقى لضمان أن يعمل نظام العرض والطلب بكفاءة وعدالة أكثر نسبيا، لأن المتابع لحركة الاقتصاد العالمى يعرف بالتأكيد أن الشركات العابرة للقارات والاحتكارات الكبرى تلاعبت بالقوانين والنظريات من أجل تحقيق المزيد من الأرباح، وكل ما أطالب به أهل البيزنس أن يكتفوا بنفس الأرباح التى يحققوها خلال هذه الأزمة. وهذا مطلب عادل جدا، ويوفر للمواطن وللوطن فرصة لحياة كريمة للمواطن، وانطلاق مشروعات التعليم والثقافة للوطن.