عبدالحفيظ سعد يكتب: من يعيد الثقة بين السودانيين؟
مازال الموقف معقدًا فى السودان بعد الإجراءات التى اتخذها رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السودانى عبدالفتاح البرهان، فى الخامس والعشرين من أكتوبر الماضى والتى شملت إعلان حالة الطوارئ وحل مجلسى السيادة والوزراء، واعتقال عدد من الوزراء والسياسيين.
وأدت هذه الإجراءات إلى عودة الاحتجاجات فى السودان لرفض التحركات التى قام بها البرهان، والتى اعتبرتها انقلابا على الوثيقة الدستورية التى تقاسمت السلطة بين المكونين المدنى والعسكرى خلال المرحلة الانتقالية المقرر الانتهاء منها وفقا للجدول الزمنى فى ٢٠٢٣.
وأمام تفاقم الوضع فى السودان، تدخلت أطراف دولية للوساطة بين المكونين فى السودان للعمل على إيجاد حل للأزمة والسير قدما فى طريق استكمال المرحلة الانتقالية والوصول للانتخابات.
ورغم تعدد الوساطات ما بين أمريكية وأوروبية، والتى نتج عنها الإفراج عن الوزراء وعدد من السياسيين، لكن ما زال الوضع معقدًا للآن ولا أحد يعرف مصير الوضع السياسى فى البلد العربى والإفريقى.
ويبدو واضحًا أن الشراكة التى قامت بين المكون المدنى والعسكرى، والتى قامت عقب الإطاحة بحكم عمر البشير فى ٢٠١٩ بمقتضى اتفاق «جوبا»، تمر بمرحلة عدم ثقة متبادلة بن الطرفين.
وترجع أزمة الثقة بين الطرفين منذ شهور، سبقت الإجراءات التى قام بها رئيس مجلس السيادة الفريق عبدالفتاح البرهان، خاصة مع تعقد الوضع الاقتصادى فى السودان وزيادة الاحتقان الشعبى نتيجة ارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض قيمة الجنيه السودانى بشكل كبير، وزاد من ذلك إعلان السلطات السودانية فى سبتمبر الماضى، أى قبل شهر واحد من إجراءات البرهان، عن إحباط محاولة انقلابية اتهم فيها عدد من التابعين لنظام البشير.
وأدى ذلك بالطبع إلى زيادة التوتر فى السودان، وتهديد السلطة الموجودة، وكذلك اتفاق المرحلة الانتقالية، ومن هنا يبرر البعض أن إجراءات رئيس مجلس السيادة فى الـ ٢٥ من أكتوبر، ومحاولة إبعاده المكون المدنى محاولة منه للعمل على ضبط إيقاع المرحلة الانتقالية ومحاولة إعادة مسار المرحلة الانتقالية، وهو ما ردده الفريق البرهان نفسه، وكذلك نائبه محمد حمدان دقلو (حميدتى) مؤكدين التزامهما، بالتحول الديمقراطى، وأن إجراءاتهما محاولة لمشاركة كافة مكونات الشعب السودانى وعدم انفراد فصيل مدنى واحد بالعملية السياسية، فى إشارة إلى تجمع المهنيين والذى برز دوره أثناء الاحتجاجات التى أطاحت بحكم البشير.
ولكن نجد أن المكون المدنى بقيادة عبدالله حمدوك، ومن ورائه تجمع المهنيين السودانيين، يرى أن الإجراءات خاصة عملية اعتقال وزراء فى الحكومة محاولة للانقلاب على المرحلة الانتقالية.
وأمام موقف فريق البرهان والقادة العسكريين، والموقف الآخر من القوى المدنية بقيادة حمدوك، يقف السودان فى مرحلة صعبة من تاريخه، خاصة فى ظل تعقد الموقف الداخلى بوجود بقايا نظام البشير الإخوانى السابق، وتغلغله فى المؤسسات السودانية بعد فترة حكم وصلت إلى ٣٠ عاما، ومحاولة فلول نظام البشير من الإخوان العمل على عرقلة أو نسف المرحلة الانتقالية، وزعزعة الثقة بين المكونين المدنى والعسكرى فى محاولة للعودة للمشهد مرة أخرى. ويزيد من تعقيد الأمور، وجود حركات مسلحة على امتداد البلاد سواء فى دارفور أو كردفان، بالإضافة إلى إقليم شرق السودان والذى بدأ تمردًا نسبيًا بقطع طريق المواصلات وامتدادات الموانئ عن وسط السودان، قبل إجراءات البرهان الأخيرة، وذلك لاعتراضه على سيطرة تجمع المهنيين على العملية السياسية.
ومن هنا نجد أن إشارات الخطر تضىء بقوة فى السودان فى ظل تعقد الوضع الداخلى يضاف إليه، انهيار الأوضاع فى الجوار الإثيوبى بما يهدد امتداد الحرب الأهلية فيها. ولذلك يعد تدخل الأخير والذى قامت به الجامعة العربية بإرسال مندوب عن الأمين العام، فى محاولة للتقريب بين الفرقاء السودانيين فى مجلس السيادة، خطوة مهمة يحتاج فيه الخصوم السودانيون فى المرحلة المقبلة، للعمل على إعادة الثقة بين الأطراف، والسير فى خطوات إعادة بناء المؤسسات الدستورية المنتخبة فى السودان خلال الفترة المقبلة. ولاشك أن جهود الجامعة تحتاج موقفًا عربيًا من أشقاء السودان وعلى رأسهم مصر، وكل من يهمه استقرار الأوضاع فيها، وهو أمر لن يتحقق إلا بإعادة الثقة المتبادلة بين المكونات السودانية، سواء المدنى، أو قواته المسلحة والتى وجودها سيضمن استمرار وحدة السودان وسلامة أراضيه، قبل مرحلة الوصول للمؤسسات المدنية المنتخبة، فمن سيعيد الثقة بين السودانيين؟.