د. نصار عبدالله يكتب: شبيه الريان
هل تذكرون شركات توظيف الأموال التى انتشرت هوجتها فى أواخر السبعينيات من القرن الماضى، والتى كان أصحابها يزعمون أنهم قادرون على استثمار أموال المودعين فى مجالات مشروعة لا شبهة فى حرمتها ومن ثم تصرف مبالغ لهم تحت حساب تلك الأرباح الشرعية، وكانت تلك المبالغ تصل فى المتوسط إلى ٢٥٪ من رأس المال، وإن كانت هناك أسماء أخرى أغلبها من مشاهير الدعاة ورجال الدين كان متوسط ما يصرف لهم ٣٠٪ من قيمة إيداعاتهم، وكانت أسماء أولئك الدعاة واردة ضمن ما عرف وقتها بكشوف البركة!، وكان من الطبيعى جدا أن ينشط هؤلاء الدعاة فى الدفاع عن شركات توظيف الأموال وأن يشتدوا فى الوقت ذاته فى الهجوم على فوائد البنوك وشهادات الاستثمار المصرفية لأنها فوائد ربوية محرمة شرعا من وجهة نظرهم، أضف إلى ذلك أنها ضئيلة جدا إذا ما قورنت بأرباح شركات توظيف الأموال، وبالتالى فإن من يتعامل مع البنوك آثم وأحمق !! آثم لأنه يقبل الربا، وأحمق لأنه يقبل القليل الأقل ويرفض الكثير الأكثر.. وقد كان هذا المنطق مقنعا للمواطنين العاديين، فتدفقت سيول الإيداعات على شركات التوظيف التى كان من أشهرها: الريان والسعد، ولقد كان من الممكن لتلك الشركات أن تستمر فى الوجود والوفاء بالتزاماتها إلى ما لا نهاية رغم أن استثماراتها على أرض الواقع كانت خاسرة فى معظم الحالات، وفى الحالات القليلة التى كانت تحقق فيها مكسبا فإن هذا المكسب لم يكن يتجاوز٢٪ من قيمة رأس المال المستثمر، ومع هذا فقد كان من الممكن لتلك الشركات أن تستمر فى الوجود كما سلفت الإشارة منذ قليل وكان من الممكن لها أن تستمر فى الوفاء بالتزاماتها إلى مالا نهاية ما دام بقى سيل الإيداعات مستمرا، إذ إن الإيداعات المستمرة كفيلة بأن توفر لها من السيولة ما يكفى للوفاء بنسبة ٢٥٪ للمودعين وماهو أكثر من ذلك لكشوف البركة، غير أن عددا من الكتابات الوطنية الشريفة التى كشفت أن شركات التوظيف تلك تنطوى على نوع من الاحتيال والنصب القائم على استغلال العواطف الدينية من ناحية والجشع المادى الذى يعمى عيون المودعين عن حقيقة بديهية وهى أنه لا يوجد استثمار يحقق عائدا صافيا ثابتا قدره ٢٥٪ بعد حساب الأرباح التى يفترض أن تلك الشركات تحققها لحسابها هى، وعندما سارع المودعون لا سترداد أموالهم فوجئوا بأن شركات التوظيف تخصم منها أولا ما سبق لها أن صرفته لهم تحت حساب الأرباح التى لم تتحقق بعد!! كما فوجئوا أيضا أن أصول تلك الشركات لا تكفى للوفاء ببقية إيداعاتهم بعد أن تبدد جزء كبير منها فى المضاربات، كما تبدد الجزء الباقى فى الإنفاق على ملذات الريان التى تجاوزت كل خيال، أما ما ذكرنى بالريان فهو ما شهدته محافظة سوهاج فى السنوات الأخيرة من ممارسات مالية شبيهة بممارسات الريان وإن كانت تحدث بشكل مختلف أما بطل تلك الممارسات فهو مقاول يدعى م.ع.م حيث عمد ذلك المقاول إلى استخراج تراخيص بالبناء شرع فيها بالفعل ثم قام ببيع وحدات الترخيص، وقبل أن يكتمل البناء قام باستخراج ترخيص جديد وشرع فى البناء مستخدما الأموال التى حصل عليها من بيع البناء السابق (الذى لم يكتمل بعد)، بعدها قام ببيع وحدات المبنى الجديد قبل اكتماله، ولم يستخدم الأموال التى حصل عليها فى استكمال أى من المبنيين: الأول والثانى، بل إنه قام باستخراج ترخيص جديد للبناء وقام ببيع وحدات المبنى المرخص الجديد، وهكذا دواليك... وقد كان فى حسبانه أن المنوال سوف يستمر هكذا إلى ما لا نهاية وأنه سوف يكون بوسعه فى أى وقت أن يقوم باستكمال جميع المبانى بعد أن تكون أرباحه قد تضاعفت بتضاعف عدد المبانى التى قام بتشييدها، غير أن الذى فاته هو نفس ما فات الريان من قبل وهو أنه سوف يجىء يوم تتوقف فيه الأموال الواردة، فى الوقت الذى يطالبه فيه سائر المشترين بتسليم وحداتهم، ومما زاد الطين بلة هو الارتفاع الجنونى فى أسعار مواد البناء وبوجه خاص الحديد والأسمنت، ولم يعد بوسعه من ثم أن يفى بما التزم به وهنا عمد إلى مواجهة تلك الأزمة بأخطاء أفدح تتمثل فى إعادة بيع الشقق المتميزة إلى أكثرمن مشتر مستغلا ما ينص عليه القانون من أن ملكية العقار لا تنتقل إلا بالتسجيل وما دام المشترون لم يسجلوا مشترياتهم فهى ما زالت قانونا فى ملكه...الغريب أن من بين ضحاياه مهندسين ومحامين وقضاة وأساتذة جامعات والأغرب من هذا كله أن من بينهم أيضًا لواءات شرطة!! وأخيرا صدر ضده تسعةعشرحكما بالحبس فى تسعة عشر جنحة نصب، لكنه اختفى ولم يعثر عليه أحد، فهل هناك ظهير ثقيل يتستر عليه ويخفيه أم أنه أحسن الاختباء فحسب؟