منال لاشين تكتب: تجربة شخصية جدا.. علاج كورونا فى فندق
المستشفيات الخاصة ترفض إدخال مريض العناية المركزة رغم انهيار الأوكسجين إلا إذا دفع كامل الفلوس مقدمًا
غرفة «فى آى بى» بـ١٥ ألف جنيه فى اليوم لوجود ممرض
الأطباء الكبار يرفضون رؤية المرضى مباشرة فى العزل إلا بالطلب
رسوم ممرضة مقيمة تصل لـ٥ آلاف جنيه لدخولها المستشفى والمرتب على أهل المريض
فى بداية انتشار جائحة كورونا كنت أندهش بقوة أن بعض أصدقائى قرروا العلاج من كورونا فى غرف فندقية خاصة. يعنى أهل المريض يحجزون غرفة فى فندق على النيل، ويضعون المريض وممرضة وأسطوانة أوكسجين وطبيب شبه مقيم، ويأتى يوميا لمتابعة المريض.
أقول ذلك بعد تجربة شخصية جدا حدثت مع شقيقتى، بعدما أصبت أنا وشقيقتى بكورونا، تعالجت أنا بالمنزل، بينما انهار مستوى الأوكسجين لأختى فذهبنا إلى مستشفى عزل. وهذه التجارب والأفكار الواقعية جدا تحتاج من وزارة الصحة إلى جهود وانتباه لوضع مريض كورونا فى مصر.
بداية أمام أى مريض كورونا طريقان إما مستشفى العزل الحكومى المجانى، وهذه مجانية بالفعل ولكن دخولها ليس بالسهولة المتوقعة لأى مواطن ومع ذلك فإنها توفر خدمة خرافية لا غنى عنها أمام المرضى الفقراء، ولا تقلل أى ملاحظات عن العلاج المجانى من أهمية وعظمة هذه الخدمة. أما أمثالنا من الطبقة المتوسطة فمعظمهم يرون أنهم لم يصلوا بعد إلى حد العلاج المجانى للفقراء، ولذلك تتجه إلى المستشفيات الخاصة سواء الجامعية أو الخاصة المتوسطة، وكلمة متوسطة تشير إلى التكاليف التى يدفعها المواطن المتوسط فى المستشفى، وتبدأ من ١٥٠ ألف جنيه إلى ٥٠٠ ألف جنيه فى رحلة العلاج، وأحيانا يكون هذا المبلغ ليس آخر رحلة العلاج، بل الخروج من عنق الزجاجة لاستكمال العلاج فى المنزل.
وأول خطأ وقعت فيه اللجنة العليا لكورونا هى أنها منعت صدور قرارات علاج على نفقة الدولة على الإطلاق بالنسبة لمريض كورونا، ومبرر اللجنة فى ذلك الموقف أن الحكومة توفر علاجا مجانيًا كاملًا فى المستشفيات الحكومية، وهذا القرار يبدو وجيها، ولكن من واقع تجربتى أعتقد أننا يجب أن نعيد النظر فى هذا القرار.لأن كثيرًا من أهالى المرضى يفاجأون بارتفاع جنونى فى الأسعار، ويحتاجون إلى جسر أو دعم سريع ولمرة واحدة، وأعتقد أن شقيقتى لو استمرت لأكثر من أسبوعين فى المستشفى كنا سنحتاج لدعم وعندما سألت عرفت بقرار اللجنة. وقرار اللجنة العليا يتجاهل أننا كطبقة متوسطة نوفر للموازنة علاجنا لصالح الأكثر فقرا، وبصراحة ليس من البديهى أن ترفع الحكومة يديها تماما عنا حتى نصبح فقراء ونذهب للمستشفيات الحكومية المجانية ١٠٠٪.
وعلى الرغم أننا كمرضى من الطبقة المتوسطة واخترنا مستشفى متوسط، فلولا الواسطة لما تمكننا من إدخال أختى العناية فورا إلا بعد أن ندفع ١٠٠ ألف جنيه فى حساب شقيقتى فى المستشفى، وطلب الـ١٠٠ ألف جنيه من أهل المريض فى الساعة الثامنة مساء والبنوك المغلقة تفتقد لأى لياقة، مستشفى خاص آخر أصر على دفع ١٥٠ ألف جنيه تحت الحساب لأن تقديرهم للحالة ٣٠٠ ألف جنيه. مثل هذه الطلبات المالية غير دستورى، ومن المفترض أن يعرض المستشفى للغرامة والغلق، لأن الدستور جعل علاج المريض واجبًا قوميًا، والقانون يفرض على كل المستشفيات خاص وعام إدخال مريض الطوارئ إلى العناية لمدة ٢٤ ساعة على الأقل.
ولكن إذا لم تكن لك واسطة قوية وأصدقاء من ذوى النفوذ يبقى لازم تحتفظ فى البيت بـ١٥٠ ألفًا على الأقل.
العزل الخاص أو العزل فى المستشفى الخاص حقيقى تحول إلى مهزلة، وشر البلية ما يضحك. حين قاربت شقيقتى من مغادرة العناية المركزة إلى غرفة عادية، ووسط فرحتنا عرفت أن المستشفى عرض على أختى غرفة (فى آى بى) ودى بـ١٥ ألف جنيه فى الليلة، وكل ميزة الغرفة أن بها تمريض مرافق، وظللنا لأكثر من ساعة نحاول أن نفهم ما هى الميزة فى وجود ممرض فى غرفة مستشفى وليس فندقًا. فعرفنا أن وجود الممرض المرافق دى ميزة إضافية.. تصوروا وجود ممرض مرافق فى مستشفى ميزة إضافية. من باب الفضول الشخصى والصحفى سألت عن الخيار الآخر، فعرفت أنه يمكن أن نحصل على غرفة عادية بـ١٠ آلاف جنيه فى الليلة ودون ممرض مرافق، ولكن، وحط ألف خط تحت لكن. قيل لنا ممكن نوفر ممرضًا مرافقًا على حسابكم الشيفت بـ٥٠٠ جنيه (اليوم ثلاثة شيفتات) وقلن أوك ثم بدأ السعر يرتفع، فقررت أن أستعين بممرضة مرافقة أعرفها، فطلبوا منى أن تقوم الممرضة المرافقة بعمل مسحة على حسابنا داخل المستشفى، فواقفنا لأنه طلب منطقى، ولكن اكتشفنا أن هناك رسمًا لدخول الممرضة، طلبوا ٣٥٠٠ جنيه بحجة أنها ستحصل على زى «يونيفورم» خاص من المستشفى، عند هذا الحد فقدت أنا والأسرة الحكمة، وتحول الأمر لنكتة، سألتهم هل الرسم ضريبة أم جمارك أم قيمة مضافة وهل هو «دروباك» أى يمكن استرداد الرسم عند خروج اختى أم لا؟ ولكن المشكلة أن أصدقائى الأطباء أخبرونى أن هذا الوضع متكرر فى معظم المستشفيات أو بالأحرى الفنادق الخاصة، وقد يصل الرسم إلى ٥ آلاف جنيه أو أكثر، ربما يبدو الأمر نكتة، ولكن لو المريض محتاج إلى أوكسجين فى الليل سيكون بمفرده.
الأكثر إثارة أن أهم ما فى الموضوع غير موجود وهو الطبيب المعالج المسئول عن الحالة، فقد جرى مع تخصيص مستشفيات خاصة وأحيانا عامة للعزل اتفاق غير طبى. وهذا الاتفاق معمول به مع الأسف فى معظم المستشفيات، فالطبيب ذو الخبرة المسئول عن الحالة يرفض فى أغلب الأحيان رؤية المريض مباشرة اعتمادا على نقل الأطباء الشباب للحالة، ومن الممكن أو بالأحرى فى أغلب الحالات يخرج المريض من العزل دون أن يعرف حتى اسم الطبيب المسئول عن حالته، وهذه مخالفة أدبية وطبية لأن هناك حقوقًا للمريض تتعلق بالعلم باسم الطبيب المسئول والأدوية التى أخذها، وإجراءات العلاج الذى خضع لهما المريض.
بالطبع لم أتحدث عن بعض المستشفيات الحكومية والجامعية التى يرفض كبار الأطباء رؤية المرضى، ولكنهم يستقبلون المرضى فى المستشفيات الخاصة الخمسة نجوم.
فكرت خلال فترات السكون المنزلى وفكرت أن أعيش العزل على الطريقة المصرية الصميمة أتابع مسلسلات وبرامج التليفزيون وأترك نتفليكس وشاهد والمنصات الأخرى. وقد لاحظت من متابعتى لمعظم الفضائيات أننا فى ذروة الموجة الرابعة ومع ذلك هناك تراجع مخيف فى إعلانات التوعية التى كانت منتشرة بكثافة فى بداية كورونا. ممكن يكون فى إعلانات تجارية لشركات منتجات التطهير، ولكن إعلانات اللجنة العليا لكورونا تقريبا غير موجودة على الشاشات. ونحن شعب بذكراة السمكة وآفة مصر كلها وليست حارتنا فقط النسيان، ولذلك أعتقد أنه تجب إعادة إعلانات التغذية السليمة وتطهير وغسل الأيدى إلى الشاشات حتى نعاود كمواطنين الاهتمام بمواجهة كورونا والإجراءات الاحترازية. وتجب إضافة إعلانات تخص الإجراءات الاحترازية فى المدارس والجامعات كحد أدنى حتى يتعرف المواطن على هذه الإجراءات، وياريت نضيف فقرة عن حقوق المريض بكورونا فى العزل بالمستشفيات والجهة التى يتوجه لها المواطن فى حال تعرضه لخداع.
بالطبع ممكن أحكى لكم عشرات المواقف التى تثبت أن العلاج فى غرفة فندقية على النيل أرخص وألطف من تجربة العزل فى غرفة بـ١٥ ألف جنيه لأن بها ممرض، وبالطبع ممكن أحكى لكم عن مستشفيات كانت العناية بها قبل كورونا بخمسة وعشرة آلاف جنيه.. الآن بـ٤٠ ألفًا فى الليلة للعزل. ولذلك قررت صديقتى العزل والعلاج فى غرفة دبل بأحد الفنادق على النيل، وضعوا لها أنبوبة أوكسجين وهناك شركات توفر الأشعة المقطعية والعادية على الصدر فى المنزل أو بالأحرى الفندق وممرض مقيمًا وطبيبًا يمر كل يوم على المريض فى غرفة الفندق، والنتيجة أنها دفعت أقل من ٥٠ ٪ مما دفعه الكثير فى هذه المستشفيات التى تعمل دون رقابة وكأنها دولة داخل دولة. ولذلك اقترح ألا تكتفى وزارة الصحة بأنها وفرت مستشفيات مجانية للفقراء، وتتركنا فريسة لهذه المستشفيات وأصحابها. ممكن نعمل علاقات دبلوماسية بيننا وبين هذه المؤسسات الخاصة، ويكون لنا سفارات ونتبادل السفراء. فلما مواطن يقع فى قبضة أحد هذه المستشفيات كرهينة هو وأسرته وعائلته يتدخل سفيرنا، ويحل المشكلة ويحرر المواطن.
ولكى أكون منصفة، فإن ما يقال على المستشفيات يقال على التعليم العادى والعالى والسوبر ماركت والأسواق. غياب الرقابة على كل ما هو خاص فى مصر. الحديث المشترك بين كل المواطنين هو غياب أو بالأحرى انعدام الرقابة على المؤسسات الخاصة بكل أنواعها. من وسائل المواصلات حتى المدارس والجامعات مرورا بالسوبر ماركت وسوق الخضار. سعار مجنون على رفع الأسعار وإجبار المستهلك على إجراءات غريبة لأنه لم ولن يجد من يحميه. احنا الدولة الوحيدة اللى ممكن صاحب كافيه يطلب منك سى فى عشان تدخل تتغدى ولاتقعد مع أصحابك، واحنا الدولة الوحيدة اللى بتعتبر أن وجود ممرض فى غرفة مستشفى ميزة إضافية، واحنا الدولة الوحيدة اللى معرفيتش تضبط عداد التاكسى.
الرقابة ثم الرقابة ثم الرقابة. وعندما يتعلق الأمر بصحة وحياة المواطن يبقى الرقابة هى الحل الأول والعاشر.