د. نصار عبدالله يكتب: محنة مبدع مصرى عظيم
فى المرة الأولى ذهب الكاتب الروائى الكبير الأستاذ إبراهيم عبدالمجيد إلى طبيب مصرى شهير يحمل لقب أستاذ دكتور سائرا على قدميه شاكيا له من صعوبة فى المشى، وبعد التصوير المقطعى، وبعد إجراء عدد من التحاليل شخص الطبيب حالته على أنها خشونة فى الفقرات ونصح بضرورة البدء فى العلاج الطبيعى، وفى المرة الثانية ذهب إبراهيم عبدالمجيد إلى طبيب مصرى أكثر شهرة يحمل أيضا لقب أستاذ دكتور، لكنه فى هذه المرة ذهب متوكئا على عصاه بعدأن ساءت حالته ولم يعد يستطيع السير على قدميه دون العصا، وكماحدث فى المرة الأولى حدث فى المرة الثانية، حيث راح الأستاذ إبراهيم يتردد بانتظام على مراكز العلاج الطبيعى، وفى المرة الثالثة لم يكن بوسع الأستاذ إبراهيم أن يتحرك دون مشاية لكن القدر قيض له طبيبا شابا لا يحمل لقب أستاذ دكتور لكنه يحمل قدرا كبيرا من الفطنة والنجابة، حيث راح يتأمل بإمعان صورالأشعة السابقة التى أجراها الأستاذ إبراهيم عندما كان قادرا على السير على قدميه دون أن يتكئ على شىء، ثم تلك التى أجراها بعد أن أصبح يتوكأ على عصا، ثم تلك التى أجراها بعد أن أصبح لا يتحرك إلا مستندا على مشاية، وقد التفت الطبيب الحديث نسبيا إلى ما فات الأساتذة الكبار وجعلهم يخطئون فى التشخيص.. راح يشير إلى نتوءات بارزة وواضحة فى صور الأشعة، موضحا أنه كان من الضرورى منذ البداية أن يعرض الأمر على طبيب متخصص فى المخ والأعصاب قبل أن تتفاقم الحالة وتصل إلى هذا الحد الذى كان العلاج الطبيعى نفسه سببا من أسباب تفاقمه!!، وبعدها أكد المتخصصون فى المخ والأعصاب صحة ما فطن إليه الطبيب الشاب. يبقى أن أقول إن إبراهيم عبدالمجيد واحد من الرموز التى يجب أن يفخر بها كل مصرى فى مجال المباهاة بالإبداع الروائى، فلئن كان نجيب محفوظ قد قدم للعالم ثلاثيته الشهيرة: «بين القصرين» ـ «قصرالشوق» ـ «السكرية»، والتى صور فيها تلك الأحياء الشعبية فى القاهرة عبر سلسلة من الأجيال والشخصيات، لئن كان نجيب محفوظ قد قدم للعالم صورة حية للقاهرة التى ولد فيها وعاش فى أحيائها الشعبية معظم أيام صباه وشبابه، فإن إبراهيم عبدالمجيد قد قدم للعالم صورة حية للإسكندرية التى ولد فيها وقضى بها جانبا من حياته وذلك أيضا من خلال ثلاثيته: «لا أحد ينام فى الإسكندرية» ـ، «طيور العنبر»، ـ «الإسكندرية فى غيمة»، بل إنه تطرق فى رواية «لا أحد ينام فى الإسكندرية» إلى تلك العلاقة الحميمة التى كانت تربط فى زمن الرواية بين عنصرى الأمة فالصداقة وثيقة بين «مجدالدين» المسلم وبين «دميان» المسيحى، وعلاقة الحب ملتهبة بين «رشدى» ابن مجدالدين وبين «كاميليا»، لكنها للأسف علاقة لم تكلل بالزواج. وإذا كان نجيب محفوظ نفسه متخصصا فى الأصل فى الفلسفة إذ إنه قد تخرج قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة وهو ما أضفى على أعماله أيا ما كان موضوعها عمقا فلسفيا لا تخطئه العين رغم بساطتها وجاذبيتها الآسرة على مستوى السطح، فإن إبراهيم عبدالمجيد كذلك متخصص فى الأصل فى الفلسفة إذ إنه قد تخرج من قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة الإسكندرية وهو ما أضفى على أعماله نفس السمتين اللتين اتسمت بهما أعمال محفوظ، أعنى البساطة والجاذبية على مستوى السطح الظاهر، والعمق الفلسفى فيما وراء ذلك السطح من مستويات متعددة، ولقد تجاوزت أعمال إبراهيم العشرين عملا روائيا بالإضافة إلى ما قدمه من أعمال مترجمة وما كتبه من مقالات صحفية يصعب حصرها ومن بينها ذلك المقال الذى كتبه بعنوان: «قد لا يهم أحدا وهو المقال الذى عقب عليه الأستاذ محمد سلماوى فى مقاله المنشور بالأهرام بتاريخ ١٨أكتوبر الحالى بعنوان إبراهيم عبدالمجيدوالذى يقول فيه: «لا أكاد أصدق أن أيا من أجهزة الدولة المعنية لم تهتم بالأزمة الصحية الأليمة التى يمر بها أحد كبار الروائيين المصريين المعاصرين، وهو إبراهيم عبدالمجيد صاحب أكثر من ٢٠ رواية من أهم الروايات فى المكتبة العربية: بيت الياسمين، لا أحد ينام فى الإسكندرية، الإسكندرية فى غيمة وغيرها، بالإضافة إلى مجموعاته القصصية الخمس المتميزة، والذى وصل فى معاناته إلى حد أنه أصبح شبه مقعد لا يتحرك إلا بمعاونة آخرين وفى حدود ضيقة بينما كان يملأ الدنيا حركة ونشاطا ويوجد فى معظم المناسبات الثقافية على مدى السنين الماضية. هل معقول فى الوقت الذى تظهر فيه الدولة اهتماما ملحوظا بكل من يرفع اسم مصر عاليا فى المحافل الدولية من الرياضيين والفنانين أن يتم تجاهل الكتاب إلى هذا الحد. إن إبراهيم عبدالمجيد كاتب كبير شاهدت بنفسى ترجمات أعماله الأدبية فى المكتبات الأجنبية بالإنجليزية والفرنسية والألمانية، وشعرت بالفخر والاعتزاز. ويادكتور سلماوى شكرا لك على هذا المقال عن أيقونة من أيقونات مصر ونضم صوتنا إلى صوتك.