مصطفى عمار يكتب: فيلم “ريش”.. وشهد شاهد من أهلها!
فى الحقيقة حالة اللغط التى أثرها عرض فيلم «ريش» ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان الجونة فى دورته الخامسة، والتى حصد فيها الفيلم جائزة المهرجان الكبرى، أمر مثير للدهشة والتعجب.. فتهمة الإساءة لسمعة مصر تهمة لا يليق استخدامها مع الجمهورية الجديدة التى شرعنا فى بنائها، ولا يليق بدولة فى حجم وتاريخ مصر أن ننزعج من عمل فنى أيا كان لنوجه إليه أصابع الاتهام بأنه يسىء إلى سمعة مصر، لأن معيار تقييم أى عمل فنى هى جودته.. فنقول هذا عمل فنى جيد أو سيئ، وأنا أستطيع أن أعبر عن رأيى الشخصى بأن مخرج الفيلم «عمر الزهيرى» قد أضاع على نفسه فرصة تاريخية لأن يجمع بين النجاح النقدى والجماهيرى فى وقت واحد بما صنعه فى فيلمه مكتسح الجوائز بالمهرجانات التى شارك بها.. ولعل ما عبر عنه الأستاذ مجدى أحمد على أحد المخرجين المثقفين فى تاريخ مصر يؤكد أن فيلم «ريش» ليس بالفيلم الأفضل رغم فوزه بجائزة أسبوع النقاد بالدورة الأخيرة من مهرجان كان.. وشهادة مجدى أحمد على عن الفيلم ورأيه فيه يعتبر فى الحقيقة شهادة لكل الأطراف خصوصًا أنه واحد من أهل صناعة السينما المصرية وأحد رموزها الكبيرة الذى دافع عنها وعن حريتها لسنوات طويلة.. وأعتقد أن كلامه رسالة مهمة لجميع من اتهموا الفيلم بالإساءة لسمعة مصر وهو ما نفاه الاستاذ مجدى.. ومن حاولوا المبالغة فى عظمة الفيلم وتفرده وأداء الممثلين فيه.. خصوصًا أنهم الأبطال الحقيقون لقصة الفيلم ووقفوا أمام الكاميرا للمرة الأولى فى حياتهم.. وربما تكون الأخيرة! فماذا قال الأستاذ مجدى أحمد على عن مخرجه؟ هذا ما ستقرأه فى السطور التالية بعد أن اجتزأت حديث الأستاذ مجدى المطول عن الفيلم لنصل إلى رأيه عن تعامل المخرج مع قصة الفيلم وممثليه.
«يستعين مخرجنا بهواة فى جميع الأدوار يلقى معظمهم بالكلام الذى يلقنهم إياه دون أى تدريب على حد أدنى للأداء وبعضهم يلمح الكاميرا ويساهم بخروجك أيضًا من الفيلم الذى أرهقك تنقله العشوائى بين العبث والواقعية. سبق وأن رأينا أفلامًا يصنعها هواة أحسن تدريبهم لكون التمثيل شيئًا والأداء الركيك شيئًا آخر.. فالأداء الطبيعى هو ما افتقدناه تمامًا طوال الفيلم ونحن نرى مجموعة لقنت أشياء لا رابط بينها ينفذونها بطريقة آلية صماء.
مشكلة فيلم «ريش» أن صناعه لا يعرفون شيئًا عمن يقدموهم.. ولا يتعاملون بأى قدر من الحنان مع «فقرهم» ولا يحترمون عقولهم وعقولنا.. الفقر ليس قرين القذارة فكثير من الفقراء شديدو النظافة وكثير من الأغنياء غارقون فى قذارة دائمة... والمصريون قد يؤمنون بالسحر والدجل (فقراء وأغنياء) ولكن «الهطل» الذى شاهدناه لا يبرر أى ادعاء بالتجريد أو الفانتازيا.. فهناك محطة بنزين التعاون والنقود المصرية والشخصيات تؤكد أن قصد صانعى الفيلم هو الحديث عن مصر.. عن فقراء مصر.. نحن لا نخجل من فقرنا ولا نستحى من عرضه على الناس.. ولكن دون أن تمس كرامتنا وأن تقدر قوتنا وقدرتنا على قهر الفقر وهزيمته وهذا فى رأيى دور الفن «بالتعريف»: فتح الأبواب للحياة والأمل وليس إغلاقها بادعاء التعاطف والمعرفة الشاملة بأحوال الناس.. والأهم من كل هذا الصدق.. وأزعم بكل ارتياح أن هذا فيلم «كاذب».. كاذب لو كان يعرف شيئًا عن الحقيقة ويتعمد تجاهلها.. أو كاذب لأنه يجهل كل شىء ويريد أن يبدو عالمًا بأحوال أهله ومواطنيه.
ملحوظة أخيرة كتبها أستاذ مجدى أحمد على تعليقًا على فوز الفيلم بجائزة أسبوع النقاد بمهرجان كان.. فقال: موضوع جائزة «كان» وكل ما تبعها وما سوف يتبعها من جوائز.. أرجو ألا تكون تعبيرًا عن رغبة الغرب فى استمرار رؤية شعوبنا على هذا النحو المغلق البائس.. وأنهم يكافئون من يثبت لهم ذلك وأنهم لا يريدون أن يرونا أندادًا نستطيع ونملك من الطاقات ما يمكننا من تجاوز تخلفنا والانطلاق نحو حياة أكثر رحابة وصدقًا.