تفسير الشعراوي لقوله تعالى: { بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون} الآية 75 من سورة يونس
تفسير سورة يونس للشيخ محمد متولي الشعراوي
تفسير الشعراوي للآية 75 من سورة يونس
ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآَيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (75)
وكل من موسى وهارون ـ عليهما السلام ـ رسول، وقد أخذ البعث لهما مراحل، والأصل فيها أن الله تعالى قال لموسى ـ عليه السلام:
{ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى }[طه: 13].
وقال الحق سبحانه وتعالى لموسى ـ عليه السلام:
{ اذْهَبَآ إِلَىا فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىا }[طه: 43].
ثم سأل موسى ـ عليه السلام ـ ربه سبحانه وتعالى أن يشدَّ عَضُدَه بأخيه، فقال الحق سبحانه وتعالى:
{ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يامُوسَىا }[طه: 36].
لأن موسى ـ عليه السلام ـ أراد أن يفقه قوله، وقد رجى موسى ربه سبحانه وتعالى بقوله:
{ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُواْ قَوْلِي }[طه: 27ـ28].
وبعد ذلك جاء تكليف هارون بالرسالة مع موسى عليه السلام.
وقال الحق سبحانه:{ اذْهَبْ إِلَىا فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىا }[طه: 24].
فالأصل ـ إذن ـ كانت رسالة موسى ـ عليه السلام ـ ثم ضم الله سبحانه هارون إلى موسى إجابة لسؤال موسى، والدليل على ذلك أن الآيات كلها المبعوثة في تلك الرسالة كانت بيد موسى، وحين يكون موسى هو الرسول، وينضم إليه هارون، لا بد ـ إذن ـ أن يصبح هارون رسولًا.
ولذلك نجد القرآن معبِّرًا عن هذا:{ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ }[طه: 47].
أي: أنهما رسولان من الله.
وفي آية أخرى يقول الحق سبحانه:
{ فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ }[الشعراء: 16].
فهما الاثنان مبعوثان في مهمة واحدة، وليس لكل منهما رسالة منفصلة، بل رسالتهما واحدة لم تتعدد، وإن تعدد المرسل فكانا موسى وهارون.
ومثال ذلك ـ ولله المثل الأعلى ـ حين يوفد ملك أو رئيس وفدًا إلى ملك آخر، فيقولون: نحن رسل الملك فلان.
وفي رسالة موسى وهارون نجد الأمر البارز في إلقاء الآيات كان لموسى. ولكن هارون له أيضًا أصالة رسالية؛ لذلك قال الحق سبحانه:
{ إِنَّا رَسُولاَ }[طه: 47].
ذلك أن فرعون كان متعاليًا سَمْجًا رَذْل الخُلُق، فإن تكلم هارون ليشد أزر أخيه، فقد يقول الفرعون: وما دخلك أنت؟
ولكن حين يدخل عليه الاثنان، ويعلنان أنهما رسولان، فإن رد فرعون هارون، فكأنه يرد موسى أيضًا.
أقول ذلك حتى نغلق الباب على من يريد أن يتورك القرآن متسائلًا: ما معنى أن يقول القرآن مرة " رسول " ومرة " رسولا "؟
وفي هذا ردٌّ كافٍ على هؤلاء المتورّكين.
ويقول الحق سبحانه هنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها:
{ ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِمْ مُّوسَىا وَهَارُونَ إِلَىا فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ } [يونس: 75].
والملأ: هم أشراف القوم، ووجوهه وأعيانه والمقرَّبون من صاحب السيادة العليا، ويقال لهم: " ملأ "؛ لأنهم هم الذين يملأون العيون، أي: لا ترى العيون غيرهم.
وفرعون ـ كما نعلم ـ لم يصبح فرعونًا إلا بالملأ؛ لأنهم هم الذين نصَّبوه عليهم، وكان " هامان " مثلًا يدعم فكرة الفرعون، وكان الكهنة يؤكدون أن الفرعون إله.
ولكل فرعون ملأ يصنعونه، والمثل الشعبي في مصر يقول: " قالوا لفرعون من فَرْعَنك، قال: لم أجدا أحدًا يردّني ".
أي: أنه لم يجد أحدًا يقول له: تَعقَّلْ. ولو وجد من يقول له ذلك لما تفرعن.
والآيات التي بعث بها الله سبحانه إلى فرعون وملئه مع موسى وهارون من المعجزات الدالة على صدق نبوة موسى وهارون ـ عليهما السلام، وفيها ما يُلْفِت إلى صدق البلاغ عن الله.
أو أن الآيات هي المنهج الذي يثبت وجود الخالق الأعلى، لكن فرعون وملأوه استكبروا. والاستكبار: هو طلب الكبر، مثلها مثل " استخرج " أي: طلب الإخراج، ومثل " استفهم " أي: طلب الفهم. ومن يطلب الكبر إنما يفتعل ذلك؛ لأنه يعلم أن مقوماته لا تعطيه هذا الكبر.
وينهي الحق سبحانه هذه الآية بقوله:
} وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ { [يونس: 75].
وشرُّ الإجرام ما يتعدى إلى النفس، فقد يكون من المقبول أن يتعدى إجرام الإنسان إلى أعدائه، أما أن يتعدى الإجرام إلى النفس فهذا أمر لا مندوحة له، وإجرام فرعون وملئه أودى بهم إلى جهنم خالدين مخلدين فيها ملعونين، وفي عذاب عظيم ومهين.
ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: } فَلَمَّا جَآءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا.
تفسير سورة يونس للشيخ محمد متولي الشعراوي