عادل حمودة يكتب: حكايات مليارديرات فى مصر.. نجمة ضائعة على عرش الماس (قصص حقيقية)
جمالها يتسم ببراءة تزيد منها الحمرة التى تظهر على بشرة وجهها الصافية.. شعرها خيوط من حرير فى لون الذهب
وقعت فى غرام «دفتر شيكات» الثرى العربى وتزوجته «سرًا» هربًا من «مثليّتها»
كانت تقلها طائرة خاصة إلى حيث يكون زوجها وفى الصباح تعيدها إلى القاهرة وفى حقيبة يدها 50 ألف دولار
مقابل الصمت خرجت من أول زيجاتها بثروة تبلغ ٥ ملايين دولار
عندما قابلتها صدفة فى بلجيكا أخفت تجارتها فى الماس مدعية أنها جاءت تستشير عرافة هولندية
على غير المتوقع استمر الزواج ثمان سنوات وفى تفسيرى أن ما نشر حوله من شائعات فرض على طرفيه مواجهتها بالاستمرار
تجاوز الستين من عمره ولم يزل يحبو مثل مراهق صغير فى هواها.
رغم براعته فى التجارة ومهارته فى الإمارة ماطلت فى استسلام شفتيها.
وضع على رأسها تيجان الملوك ولكنه لم يحصل على رضاها.
سيرته الذاتية مكتوبة على نسيج من حرير وكشمير.
وينحنى الناس فى الخليج لصورته المقرونة بالحب والتقدير.
ولد فى عائلة شديدة الثراء.. توكيلات وعقارات وصناعات واستثمارات هنا وهناك.. واحد من المائة الكبار فى بلده.. أختير وزيرا ثلاث مرات.. فى المرة الرابعة أعتذر خوفا من أزمة أخرى تخنق القلب.. فى الأزمة السابقة شاهد ملك الموت ينظر إليه مبتسما على باب غرفة الرعاية الفائقة.. لكنه.. أعطاه ظهره وراح يقرأ ما حفظ من كتاب الله حتى سطعت شمس الحياة عليه من جديد.
لكن لولا الوزارة ما عرفها.
جاءت إليه تستغيث من البيروقراطية المرتعشة التى ترفض الترخيص بتصوير مشاهد خارجية فى فيلمها الجديد على الشاطئ المطل على الخليج.. الفيلم يروى قصة امرأة شابة تبحث عن حبيبها المختفى فى مغارة جماعة معارضة تدين بالولاء إلى آيات الله فى إيران.. دربته على عمليات الاغتيال.. حددت المكان الذى سيفجر فيه نفسه وسط مركز تسوق فى يوم عيد.. لكنها فى اللحظة المناسبة تنقذه وتعيد إليه عقله بعد أن يسترد ــ حين يراها ــ حبه.
فى نصف دقيقة حصلت على الترخيص.. أكثر من ذلك سهل لها التنقلات إلى مواقع التصوير البعيدة.. وأرسل عدة مقطورات مكيفة ليستريح فيها الممثلون.. وأمدهم بمولدات كهرباء لسرعة إنجاز العمل.. بل استضاف فريق الفيلم على نفقته الخاصة فى فندق شهير مخصصا لها جناحا ملكيا يليق بها وثلاث فتيات حبشيات يخدمنها وينمن تحت قدميها.
ذات يوم كان عليه تناول طعام الغداء مع مجموعة من المديرين التنفيذيين لكبرى الشركات فى سنغافورة على حمام سباحة الفندق ذاته وقبل أن يضع شريحة رفيعة من الزبد على قطعة خبز أسمر وجدها تخرج من تحت الماء.. جنية.. حورية.. ليكن.
لم يمنع نفسه من تأمل جسمها فى ملابس السباحة.. جن به.. جلد رقيق شفاف ترى ما تحته.. صدر متماسك كأنه منحوت.. أما ما أحدث الزلزال فى أعصابه فكان الامتلاء الطبيعى الذى تتمتع به.. ربربتها.. لكن ما اعتبره ميزة تعتبره هى عيبا وقيدا على نجوميتها عجزت عن تحطيمه بالرجيم بسبب عشقها للطعام.
طارده المشهد المثير ــ الذى لم ينتظره ولم يتوقعه ولم يحلم به ــ فى صحوه ونومه مدركا أن شيئا ما لا يعرفه تسلل إلى كيانه.. أحلامه اتسعت بعد أن كانت محدودة.. رغبته فى التعبير انفجرت بعد كبت.. ويمكن القول إن غريزة الشعر التى أجهزت عليها التجارة طفت من جديد.
بدأ يرسل إليها باقة زهور كل صباح واضعا فيها أوراقا كتب عليها كلمات تقترب من روح القصائد :
«من الأسماء لم أعد أتذكر إلا اسمك ومن الأصوات لم أعد أتذكر إلا صوتك».
«فكرت أن أنقل مراكبى من الميناء إلى عينيك».
«لم يعد يكفينى أن أقول» أحبك «أريد أن أصل معك إلى ما بعد الكلمات».
«بعد أن عرفتك تراجعت من الأول إلى الأخير فى فن الهوى».
«حين دخلت بلاط حبك الكبير انكسر العبير والتعبير».
«لو فرشت لك الأرض حريرا تمشين عليه ما سامحت نفسى على التقصير».
أعاد إليه الحب فتح مناجم الشعر التى أغلقت يوم ورث شركات أبيه.. نسى عمره.. نسى وقاره.. نسى مرضه.. وقرر أن يبدأ صفحة جديدة فى حياته.. «لن أعيش سوى مرة واحدة».
ليلة سفرها دعاها إلى عشاء فى مزرعته التى يقتنى فيها مئات من النباتات النادرة والزهور البرية والحيوانات الاستوائية.. هبطت طائرة هليكوبتر بالطعام ليظل ساخنا.. التف حولهما خمسون فتاة يحملن المشاعل.. وقبل أن يفتح لها قلبه ويبوح بما فيه راحت الصواريخ النارية تنفجر فى السماء راسمة دوائر ونجوم وشظايا من النور متعدد الأوان.
سألها:
ــ لو طلبت يدك هل تقبلين؟.
لم تتردد فى الإجابة:
ــ فورا.
لم تقع فى غرامه ولكنها وقعت فى ماله.. إن نجوميتها لا تكفى لسداد نفقاتها.. تحتاج دائما إلى رجل من طراز «دفتر شيكات» أو من طراز «سنتوريون».. بطاقة أمريكان أكسبريس التى تتاح لذوى الدخل فوق المليون دولار سنويا.. النجمة يخدمها فريق من العاملين عليها تدبير مرتباتهم شهريا.. هناك أيضا فواتير الثياب والحلى والأحذية والماكياج والمجاملات التى لا توفرها إلا إذا مثلت ثلاثة أفلام فى السنة.. وبتراجع السينما لم يعد أمامها سوى مسلسل تليفزيونى واحد لا تقبل سواه حتى لا تفقد شوق المشاهدين إليها.
سألت نفسها:
ــ ما سيطالبها به رجل فى عمره؟.
وأجابت:
ــ ليس كثيرا.
إنها لا تميل كثيرا إلى الرجال وتجنح ناحية النساء بل إنها فى سنوات ظهورها الأولى كانت تشاهد فى المجتمعات بصحبة فتاة «مسترجلة» ترتدى ثيابا خشنة وتنتعل حذاء يشبه أحذية الجنود ولا تطيل شعرها وتغار عليها حتى أنها كثير ما تشاجرت مع صحفيين ومصورين يقتربون منها ويتحدثون معها.
أدركت سلوى سالم أن نجوميتها الصاعدة تهبط بسبب «رفيقتها» فابتعدت عنها.. أو غالبا ما جعلت علاقتها بها فى السر.. إن النجمة إذا فقدت حلم الرجال بها وتقليد النساء لها أصبحت كومبارسا.
والحقيقة أنها نجمة حقيقية لم تعرف الشاشة الفضية مثلها.
جمالها يتسم ببراءة تزيد منها الحمرة التى تظهر على بشرة وجهها الصافية.. شعرها خيوط من حرير فى لون الذهب.. عينان فوقهما تاجين من الكحل يرفض مغادرتهما.. شفتان من الكرز تفرضان حلاوتهما على كل من يراهما ولو عن بعد.. قطة سيامية.. يثير وجودها زوبعة فى المكان الذى تدخله.. يشتهيها الرجال الذين يرونها.. وهى تشتهى صاحبتها نسرين.
أمها إنجليزية.. عملت مترجمة فى صحيفة تصدر باللغة الإنجليزية.. تزوجت من زميلها الجالس إلى جوارها.. حملت بها فى الليلة الأولى.. زادت تكاليف المعيشة.. لم يعد مع السجائر والقمار والخمر يحتمل.. هجرها.. طلقها.. عاد إلى قريته فى الدلتا ليختفى من الديون التى تطارده.. عجزت الأم عن الحصول منه على نفقة تساعدها على تربية طفلتها لكنها فشلت.
وضعت الأم همها فى ابنتها.. خافت عليها من جمالها.. وضعتها تحت رقابة صارمة.. رفضت التحاقها بمدرسة مختلطة.. باعدت بينها وبين أقرانها من الذكور فى العمارة التى تسكنها.. راقبت ما تقرأ من روايات.. لم تدخل الراديو أو التليفزيون بيتها إلا بعد أن أنهت دراستها العليا.. اكتفت بحفلات الأطفال فى سينما مترو.. وعندما بدأت مشوارها الفنى وهى فتاة فى العاشرة من عمرها لم تفارقها فى استديوهات التصوير لحظة واحدة إلا عندما كبرت ولم يعد من اللائق مراقبتها.
شجعت الأم علاقتها بنسرين.. تصورت أنها فتاة قوية لن يغرر بها رجل يمكن أن تحمى ابنتها.. لكن بعد أن شاعت ما نسب إليها من «مثلية» أدركت خطأها الذى دفعت ابنتها ثمنه من نجوميتها وأسهمها فى بورصة الأفلام.
وربما وجدت سلوى سالم فى زواجها من الثرى الخليجى العاشق فرصة للتحرر مما ينسب إليها ولو تزوجته سرا.. سرا؟.. نحن أمة تهمس بالأسرار ولا تحفظها.. سينتشر خبر زواجها فى مجتمعات النميمة دون أن تؤكده أو تنفيه.
هو أيضا أراد أن يكون الزواج سرا ويمكن الوصول إلى مبرراته دون ذكرها.
قدم إليها خاتما وعقدا من الماس من بيت المجوهرات الفرنسى مليربو قائلا:
ــ حصلت على الدكتوراه من السوربون لكنى أدمنت متحف اللوفر وذات يوم كنت جالسا أتأمل اللوحات التى رسمتها «إليزبيث فيجيه» لـ«مارى أنطوانيت» جاء رجل ليجلس إلى جوارى صامتا وبعد قليل نبهنى إلى القلادة التى تزين رقبتها قائلا : « إننا نحن من صنعوها» وعرفت أنه من أحفاد عائلة مليربو التى أبدعت مجوهرات العائلات المالكة فى أوروبا طوال ٤٠٠ عام.
أراد الرجل أن يثبت لها أنه ليس مجرد بئر نفط أو «كريدت كارد» وإنما شخصية مثقفة راقية تعرف أصول الأشياء والمؤكد أن ذلك شجعها أكثر على الاقتران به.
فى تلك الليلة تزوجها عرفيا ودخلت فراشه لتجد كل ما تتصور من ملابس داخلية من فيكتوريا سكريت بل ووجدت عطرها المفضل من شانيل وحقيبة من لوى فيتون بها عشرة أنواع من الكريم وخمسون ألف دولار كان متأكدا أنها لن ترفضها وفى الصباح أعادتها طائرته الخاصة إلى القاهرة.
لم يطلب منها الكثير.. أن تزوره فى مزرعته كل شهر.. وأحيانا تلتقى به فى بلد ما يزوره.. تأتى طائرته الخاصة لتقلها.. وما أن تنتهى مهمتها حتى تعيدها إلى القاهرة.. والمؤكد أن الطائرة الخاصة كشفت زواجها.. بل شاع أن زوجها أمير.. لكن.. الخطأ هنا أن الشائعات يمكن أن تخطئ وتتهمها بعلاقة غير شرعية سرية.
ولابد أن نسجل أنها ليست أول ممثلة مصرية تتزوج من شخصية عربية ثرية ولكن الإشهار أنقذهن من القيل والقال.. صفاء أبو السعود تزوجت من الشيخ صالح كامل.. كانت الرابعة.. جيهان نصر تزوجت من سعود الشربتلى واعتزلت التمثيل قبل أن تصبح نجمة وحصلت على ثروة هائلة.. كانت الثانية.. نجوى إبراهيم تزوجت من عاصم القزاز وغطت شعرها بحجاب لكنها لم تستمر أكثر من سنة حصلت بعدها على مؤخر الصداق وخلعت الحجاب وعادت إلى العمل فى التليفزيون.. كانت الثانية.. وغادة عبد الرازق تزوجت من عادل القزاز وأنجبت منه ابنتها الوحيدة.. كانت الأولى.
وجمع المليونير الأردنى علاء الخواجة بين إسعاد يونس وشريهان وأنجب منهما ليعيشا فى سلام يندر حدوثه.
وضربت سهير رمزى رقما قياسيا فى الزواج من شخصيات عربية ثرية وكان من بين أزواجها الأمير خالد بن سعود وخالد الملا وزكريا بكار.
وساقت الأقدار فى طريقى شيرين سيف النصر.. رأيتها أول مرة فى روز اليوسف تزور والدها الكاتب الصحفى إلهام سيف النصر.. ابنته الوحيدة من مطلقته الفلسطينية التى تنتمى إلى عائلة هاشم المقدسية والمقيمة فى الأردن بعد نكبة حرب ١٩٤٨.
فى خريف عام ١٩٩٦ فجرت قضية سميت «فضيحة على النيل» بطلها كان مسئول الإنتاج فى ماسبيرو هو ممدوح الليثى.. أثبت بالمستندات أنه حصل على سيارة مرسيدس مقابل تسامحه فى عقاب شيرين سيف النصر على إهمالها للمسلسل المتعاقدة عليه.. قدم المرسيدس إليه رجل الأعمال السعودى عبدالعزيز الإبراهيمى صهر الملك فهد ومالك فندق ميريديان القاهرة (جراند حياة فيما بعد) الذى تزوجت شيرين منه بعدها ثم طلقت.
أثارت الفضيحة ضجة هائلة بعد البلاغ الذى قدمه الليثى ضدى فى نيابة أمن الدولة العليا وفى الوقت نفسه أوقفه وزير الإعلام صفوت الشريف عن العمل وتحول إلى النيابة الإدارية التى أحالته إلى القضاء الإدارى الذى حكم عليه حكما قاسيا أصدره المستشار سيد نوفل الذى تولى رئاسة مجلس الدولة فيما بعد.
لم يثر زواج سلوى سالم مثل هذه الزوابع بل كثيرا ما عبره أهل النميمة إلى ما هو أكثر إثارة منه والسبب قدرتها الهائلة على تكتم أسرارها وتماسكها غير المعتاد فى الأزمات وابتسامتها البريئة.
كانت فى أحضان زوجها عندما فاجأته أزمة قلبية حادة.. بأعصاب ثابتة طلبت الإسعاف لنقله إلى المستشفى وطلبت من سكرتيره إبلاغ أسرته.. وبقيت فى المزرعة تنتظر الأخبار.. لكن.. الرجل لم يكمل يومه.. وأجبر هذه المرة على أن يمسك بيد ملك الموت الممدوة إليه.. رحل بعد عام ونصف العام من الزواج بها.
جاء أبناؤه إليها بحجة تعزيتها ولكن بعد دقائق سألها كبيرهم :
ــ بما تأمرين؟.
ــ خمسة ملايين دولار وانسحب فى صمت متنازلة عن نصيبى الشرعى فى الميراث.
لم يترددوا فى الموافقة حماية لسمعة أبيهم وتجنبا لخوض الصحافة المصرية واللبنانية فى سيرته الشخصية.
ومن جانبها أعتبرت التسوية مرضية للسبب ذاته.
وخرجت من المولد بثروة لم تحلم بها دون فضيحة وضعتها فى حساب بنكى خارج مصر.
لكن ما يثير الدهشة إلى حد اللعنة أن مشهد الزوج الذى أصيب بأزمة قلبية وهو فى أحضانها تكرر فيما بعد مع رجل أعمال مصرى شاب من أسرة شهيرة ولكن إصابته لم تكن فى القلب وإنما فى المخ حيث أصيب بجلطة أثرت على النطق والحركة والذاكرة وهو معها فى فندق على أطراف لندن.
لكنها فى المرة الأخيرة خرجت من المولد بلا حمص بل إن أصدقاء الشاب وإخوته تحدثوا كثيرا عما حدث فأصابتها شظايا جرحت سمعتها.
على أنها لم تبال وسارت فى طريقها الفنى بخطى ثابتة قوية وراحت تكون صداقات مع شخصيات سياسية وثقافية وصحفية مؤثرة فى المجتمع لتأكيد الذات والاختلاف والتميز.
وما لم يكشف عنها إلى اليوم أنها استوعبت من زوجها الراحل جنون الماس وراحت تدرس كل شىء عنه: أصله وتركيبه وألوانه وأشكاله وبلوراته وبريقه وخصائصه وصلابته وتجارته وأسواقه وأسعاره ووسائل تهريبه وأرباح بيعه فى مصر.
وكلمة ماس ترجع إلى عهود ما قبل المسيح وتعنى فى اللاتينة «محال التطويع» وربما لذلك المعنى كانت تطالب محررى الفن بإطلاق عليها: «النجمة الماسية» دون أن يعرفوا السبب الخفى وراء التسمية.
كيف عرفت ذلك السر؟.
فى عام ١٩٨٥ كنت فى مدينة أنتويرب أكتب وأصور تحقيقا صحفيا لمجلة «الشرقية» التى أسستها ورأست تحريرها سميرة خاشقجى التى عملت معها بترشيح من صلاح حافظ الذى اختارته مستشارا لها.
انتويرب مدينة بلجيكية لا تزيد مساحتها عن ٢٠٠ كيلومتر مربع ولا يزيد عدد سكانها عن ستين ألف نسمة.. فى ذلك الوقت كانت توصف بأنها عاصمة الماس.. كان بها نحو ٤٠ ألف ورشة لفرزه وصقله قبل أن ينتقل أغلبها إلى الهند وإسرائيل ولبنان.. ولم تكن لتمر فى شارع من شوارعها إلا وتجد رجالا ونساء من السنغال والكونغو وبتسوانا وجنوب إفريقيا بملابسهم المميزة يبحثون عن مشتر لما يحملون من ماس خام.
كنت أجلس على مقهى يسمى «كولونيل كوفى» عندما وجدتها تمر من أمامى تتخفى وراء نظارة سوداء وكاب أكبر من رأسها وسترة واسعة من الجينز وحذاء خفيف من القماش.. لم يخطر ببالى أنها جاءت إلى انتويرب لشراء فصوص من الماس ستتاجر فيها.
لابد أنها فزعت عندما قمت من مكانى واعترضت طريقها مرحبا.. ارتبكت.. تلعثمت.. ادعت أنها جاءت لتستشير عرافة هولندية تعيش فى قلب المدينة.. قبلت تهمة الخرافة عن تهمة التجارة.. وصدقتها.. ولكن شيئا ما جعلنى أتشكك فى روايتها سألتها:
ــ هل «النجمة الماسية» اشترت ماسا من هنا؟.
ــ لو شئت الحفاظ على قيمة مالك اشترى ماسا فقيمته تزيد ولا تقل مع الزمن.
ــ أعرف أنك مجنونة بالماس لكنى لا أعرف براعتك فى الاستثمار.
ــ عمر الفنان فى بلادنا قصير ما أن يتخطى مرحلة الشباب حتى يهملونه ويبحثون عن غيره ولو لم أحسب حساب هذا اليوم فإن مصيرى سيكون مثل مصير نجمات قبلى لم يجدن ثمن الدواء ومتن فى القسم المجانى من مستشفى قصر العينى.
ــ لكنى أعرف أن ثمن الماس فى مصر ستة أضعاف ثمنه هنا.
ــ بشرط أن تنجح فى تهريبه وتطمئن إلى الجواهرجى الذى يشتريه منك.
فى القاهرة عرفت من صائغ صديق لا يعرف سوى زبائن الطبقات العليا: «إنها كثير ما تعرض عليه فصوصا من الماس ليشتريها منها ثلاث مرات فى السنة على الأقل ولكن لا أحد منا يكشف سرها وإلا خسر ربحا مغريا يأتى من ورائها أو وجد نفسه متهما فى قضايا تهرب من الجمارك والضرائب».
وعرفت منه أنها تضع الماس فى عقد (كوليه) يغطى الصدر وتهبط به مطار القاهرة على أنه من مقتنياتها الشخصية وما أن تدخل غرفة نومها وتغلق الباب عليها حتى تفكك ما به من ماس لتبيعه فصا فصا وتقبض الثمن بالدولار وتحتفظ بالدولار فى خزانة مخبأة فى مكان مسحور تحت ملابسها.
تراكمت الثروة بالعملة الصعبة فى بنك خارج مصر وفى خزانتها الخفية ولكن المشكلة أنها لا تتمتع بها خشية الكشف عن مصادرها : زوجها الراحل وتهريب الماس.
إنها مثل وزير بترول أسبق فضل تلقى الرشوة من الشركات العالمية مشغولات من الماس لزوجته ولكن الزوجة وجدت أن استعمالها يحتاج إلى ملابس وأحذية غالية تناسبها فلم تقترب منها وبقيت مخبأة فى الظلام حتى فقدت بريقها.
بذكائها الذى يقترب من المكر أحيانا توصلت إلى حل يتيح لها التمتع بما تمتلك دون أن يخرج من تحت الأرض من يسألها: من أين لك هذا؟.
لم لا تتزوج من رجل أعمال ثرى تتستر خلفه وتنفق مما لديها على حسه؟.
لكن المشكلة أن رجال الأعمال الذين يصلحون للزواج منها مستقرون فى حياة عائلية ولو احتاج أحدهم امرأة ستكون إما عشيقة أو زوجة ثانية أو ثالثة فى السر.
كان البديل أن تتزوج نجما من نجوم الوسط الفنى على الأقل حتى تمسح ما لصق بسمعتها من مثلية جنسية وبالفعل تقربت من ممثل شهير سلمت له نفسها ولكنها اكتشفت أنه مدمن هيروين مفلس وسيعيش على مالها.
وفكرت فى نجم آخر لكنها تراجعت لما عرف عنه من بخل كما أنه يغير الزوجات أسرع مما يغير الثياب إلى جانب أنه يفضل المرأة التى تنفق عليه وكأن عليها دفع ثمن اقترانها به.
إن النجومية توحى لمن يتمتع بها بمميزات يجب استغلالها.. يأكل فى مطعم أو يقيم فى فندق ولا يدفع.. يحضر عرسا ويقبض مالا.. يرى أن وجوده فى تلك الأماكن شرفا لأصحابها.
على أنها حضرت احتفال منصور الجمال بعيد ميلاده دون أن تنتظر مقابل بل حملت معها زجاجة نبيذ معتق غالية الثمن قدمها إليها مالك مجلة فنية لبنانية هدية يوم دعته إلى تناول العشاء فى بيتها.. فكرت فى الجمال.. لم لا تتزوجه؟
إنه شخصية اجتماعية محبوبة.. متواضعة.. تخرج فى الحقوق وحصل على الدكتوراه من السوربون.. بدأ حياته دبوماسيا وأنتدب إلى الجامعة العربية ليرأس إحدى بعثاتها فى الخارج.. وعندما نقلت الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس جمد أمواله فى البنوك المصرية مما لفت نظر السادات إليه.
ترك السياسة ليتفرغ لمشروعات استثمارية أنشأها فى بلجيكا التى تزوج منها وشغل منصب المستشار المالى والاقتصادى فى القصر الملكى.
لكن أهم
ما لفت انتباهها ما بين عائلته وعائلة مبارك من مصاهرة عائلته.. خديجة ابنة أخيه محمود متزوجة من جمال ابن مبارك.
قدرت أنها بزواجها منه ستضرب أكثر من عصفور بحجر واحد.. تخفى ثروتها وراء ثروته.. تتمتع بسلطة إضافية تجعل منتجى الدراما يجرون وراءها.. وتبيض صفحة زواجها السرى.
وصلت إلى الحفل على «سنجة عشرة».. فستان أسود قصير.. مفتوح الصدر.. مغطى بقلادة من الماس.. سندريلا قبل منتصف الليل.
وجدت أمامها مشاهير فى مختلف المجالات وتكاد لا توجد نجمة من النجمات غير مدعوة لكنها رغم ذلك كانت أميرة من أميرات الأحلام.
وما أن همست الموسيقى تدعو الرجال والنساء إلى التانجو حتى أمسكت به وراحت تتمايل معه واضعة رأسها فوق صدره فى حالة من الرومانسية غير المتوقعة التى لفتت الأنظار وأثارت الدهشة وفجرت فى الحال التخمينات.
لكن ما لم يخطر ببالها أن منصور الجمال يرتب للزواج من نجمة أخرى هى ليلى علوى.
على أنها عندما عرفت بالخبر لم تيأس.. طالما الزواج لم يقع فإن فرصتها لم تضع .. فجرا طرقت باب الفيللا التى يسكنها صيفا فى هاسيندا الحمراء التى بناها شقيقه محمود.. عرضت نفسها عليه.. لكنه دعاها لتناول الإفطار ووضع أمامها كوبا كبيرا من القهوة الأمريكية السوداء.. ولم تشأ أن تهين نفسها أكثر فانسحبت فى هدوء وهى تعض شفتيها.
وما أن أعلن الزواج حتى أعلنت الحرب.
جندت من صحفيى الفضائح ما يكفى لنشر شائعات مضادة.. منها أن سوزان مبارك لا ترحب بليلى علوى فى المناسبات العائلية.. وأنها تتعامل معها بما لا يليق.. ومنها أن هناك علاقة ما سرية بين منصور الجمال ومهندسة ديكور شابة.. ومنها ما هو أصعب وأسوأ.. ولم يكن كل ذلك صحيحا.
ومن جانبها ترفعت ليلى علوى عن الرد واعتبرت ما يقال نميمة تعودت عليها الفنانات فى مصر.
وعلى غير المتوقع استمر الزواج ثمان سنوات وفى تفسيرى أن ما نشر حوله من شائعات فرض على طرفيه مواجهتها بالاستمرار.
وما أن وقع الطلاق حتى استردت الأمل فى الوصول إلى ما تريد ولكنها مرة أخرى لم تحظ به بعد أن أخذت السنوات من نجوميتها الكثير وتراجع تأثير عمليات تجميل الوجه وسيلكون الصدر وتدبيس المعدة يوما بعد يوم.
لم يعد لها نصيب كبير فى الرجال لكنها تحدت قدرها وتزوجت من مطرب شاب يصغرها بعشرين سنة وسخرت منها السوشيال ميديا ولكنى كتبت مدافعا عنها وعن حقها فى الاختيار وفى اليوم نفسه وجدتها فى مكتبى دون موعد ولكن منذ متى تحتاج نجمة إلى موعد لزيارة صحفى؟.
فى تلك الزيارة بكت قائلة :
ــ إن زوجى الشاب هو الرجل الوحيد الذى شعرت به فى حياتى.
ــ لكن معادلة الحياة الطبيعية معك مقلوبة.
ــ لا يوجد فنان حياته معدولة وأنت أدرى بأسرار أصحابك فى الوسط الفنى نحن نتقلب بين الشخصيات حتى نفقد شخصيتنا وندارى الطعنات بالابتسامات والمجاملات حتى نفقد طبيعتنا وعندما يحين الوقت لإطفاء الأنوار وإسدال الستار وانصراف الجمهور لا نجد من يتذكرنا ويمسح دموعنا ويأخذنا فى أحضانه دون مقابل بعد أن أخذنا كثيرا وأعطينا قليلا من قبل.
ــ لكن زوجك الشاب يعيش على أموالك.
ــ نعم وأنا أعيش على جسده.
ــ هنا لا نعرف من يكسب أكثر.
ــ أنا.
على أنه لم يمر سنة على حوارنا حتى أبلغتنى محررة الحوادث أن زوجها الشاب سرق منها خمسين ألف دولار وأرسل إليها ورقة الطلاق راسما عليها شفتيه باللون الأحمر.
لكنه أنكر التهمة ودفع محاميه بأن لا فرق فى الذمة المالية بين الزوج وزوجته فأفرجت عنه النيابة العامة ولم تدفع بالقضية إلى محكمة الجنايات.
أغلب الظن أنه سرق منها كل ما أخفت من دولارات.. ربما نصف مليون.. ربما أكثر من مليون.. استديو تسجيل الصوت والفيللا والسيارة الفرارى التى اشتراها تؤكد ذلك.. أما هى فلم يعد أمامها سوى القبول بإعلان عن الدواجن المجمدة.