"علمتني معنى الإنسانية".. "كندة حتر" تكشف تأثيرات حرب العراق على حياتها وصعوبات الوصول للمعلومة بالمنطقة (حوار)

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


استطاعت المستشارة الإقليمية لمنظمة الشفافية الدولية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كندة حتر، تحقيق أقصى قدر من التأثير، على العديد من مسؤولين حكوميين وغيرهم، حتى توج اسمها بين رائدات الوطن العربي، لاسيما في مكافحة الفساد، كما أنها ساهمت في تطوير حضور منظمة الشفافية الدولية في تونس والأردن، بالإضافة إلى مساهمتها في بناء قدرات فروع أخرى في المنطقة، وعملت أيضا في مشاريع مع الشباب والنساء والأشخاص ذوي الإعاقة، كمديرة مشاريع في المجلس الثقافي البريطاني، فضلاً عن عملها كمنسقة في المركز الوطني لحقوق الإنسان في الأردن.

العمل كمنسقة الخدمات المجتمعية مع منظمة كير الدولية في مخيمات اللاجئين على الحدود الأردنية العراقية أثناء الحرب على العراق، كان لها دور في تشجيع "حتر"، على إنهاء دراسة الماجستير، في قانون حقوق الإنسان، من جامعة نوتنجهام بإنجلترا، برغم أنها  بدأت حياتها المهنية كصحفية في صحيفة الغد الأردنية تقدم تقارير عن حقوق الإنسان، بحكم دراستها كونها حاصلة على درجة البكالوريوس الأولى في الصحافة والإعلام من جامعة اليرموك.

◄ على جميع الأصعدة، حققت "حتر"، نجاحات عدة.. فكيف اكتشفتِ شغفك؟ ومن أين بدأ حلمك؟
نحن نعيش في منطقة مليئة بالتحديات على المستوى المحلي والإقليمي، ففي كل يوم نعيش واقعًا جديدًا يفرض علينا التأقلم، وهذا التأقلم هو عبارة عن آلية من آليات البحث عن طرق جديدة من أجل الاستمرار، وكطفلة ترعرعت في عائلة سعت لأن تبحث عن العدالة وحقوق الإنسان وخصوصا والدي "علي حتر" الذي كان من الناشطين في مجالات سياسية واجتماعية، ومنها تعلمت حب القراءة وشغف البحث في أروقة القانون للدفاع عن قضايا الإنسان وحقه في العيش الكريم. 

وبدأ حلمي في أن أكون من المؤثرين منذ وجودي على مقاعد الدراسة، فكان اختياري لدراسة الصحافة والإعلام هاجساً من أجل أن يصل صوت الضعفاء، ففي جامعة اليرومك مع نجاحي وتحقيقي المراتب الأولى في التخصص انخرطت أيضا في العمل الطلابي، والأندية الشبابية، ومن ثم انتقلت للعمل في سلك العمل الإنساني خلال الحرب على العراق عام 2003 في مخيمات اللاجئين في منطقة الرويشد مع منظمة كير الدولية وهذا المجال الذي دفعني لتعزيز دراستي الجامعية بتحقيق بعثة شيفننج البريطانية لإكمات دراستي في مجال حقوق الإنسان في جامعة نوتنجهام البريطانية. 






◄ بحكم عملك في البداية في مجال الإعلام ما الصعوبات التي واجهتك؟ ولماذا تركتي المجال؟
بدأت عملي في الصحافة والإعلام مع انطلاقة صحيفة الغد الأردنية، وكانت هذه التجربة من التجارب التي أمدتني بالكثير من الخبرات وخصوصا أنها استقطبت العديد من الإعلاميين والصحافيين المخضرمين في العمل الصحفي، والذين أمدوني بخبراتهم والمعيقات التي واجهتهم في سلك الإعلام،ومن خلال هذه السنوات استطعت العمل على تنمية خبراتي في تغطية مجالات حقوق الإنسان والقضايا التي تمس المواطن. 

وبعد فترة من عملي وشغفي بتحقيق المزيد وتوسيع دائرة الخبرة والمعرفة، توجهت لدراسة القانون الدولي في حقوق الإنسان، فالعمل في مجال الإعلام في المنطقة العربية بشكل عام فيه الكثير من التحديات، ابتداءا من المعيقات التي تحيط بحق حرية التعبير والإعلام وحق الوصول إلى المعلومة بالإضافة إلى المعيقات الأمنية والسياسية التي تحد من قدرة الصحافي على العمل بحرية وإيجاد وسيلة إعلامية مستقلة تكون منبراً حقيقياً يسعى لنشر الحقائق دون تزييفها، وهي من أكثر الصعوبات التي تؤدي إلى بتر قدرة الصحفيين على العطاء وايصال الحقيقة، فنجد نتيجة ذلك هجرة هذه القدرات الإعلامية إلى الخارج أو إلى تغيير الطريق. 

فكان قراري هو الانخراط في مجال يدافع عن حق الإنسان ومن ضمنه الإعلامي والصحفي بالتعبير عن رأيه وتحقيق بيئة آمنة، من خلال البحث عن مجال للعمل في حقوق الإنسان وتوجهت للعمل في المركز الوطني لحقوق الإنسان. 

وكنت أسعى خلال كل وظيفة جديدة انتقل إليها في كل مجالات العمل أن يكون الإعلام والصحافة جزء لا يتجزأ من طبيعة المشاريع التي أقوم بها، سواء كانوا من الفئات السمتهدفة في التدريب على مجالات حقوق الإنسان، أو بكتابة التقارير التي تعطي تحليلا واقعيا لحرية الرأي والتعبير، أو العمل مع الصحافة الاستقصائية حول قضايا الفساد وحقوق الإنسان.






◄ لماذا اخترتِ مجال مكافحة الفساد، وما السبب الذي شجعك على الاستمرار به؟
عملي في مجال مكافحة الفساد لا يتجزأ عن عملي في مجال حقوق الإنسان، فالكثير من الحقوق المنتقصة في بلادي هي بسبب انتشار الفساد والخلل في المنظومة الوطنية التي تحرم الكثير من الحصول على حقوقهم. 
فالأصل في حقوق الإنسان هو أن تكون حقوقا وليس مكارم، والفساد يرسخ عكس ذلك، فانتشار الفساد السياسي في المنطقة ونهب الموارد يحرم الناس من قدرتهم على التمتع بحقوقهم الموجودة كحبر على ورق في معظم الدساتير والقوانين. غياب الأنظمة التي تحقق مبادئ فصل السلطات وتمكن المواطنين من المساءلة والمحاسبة سواء كان ذلك عبر أنظمة برلمانية حقيقة ممثلة للشعوب أو من خلال قنوات المساءلة الاجتماعية وحرية التجمع وحماية المبلغين عن الفساد، هي إحدى أهم اسباب التعدي على حقوق الإنسان. 

أشكال الفساد ليست ثابتة، بل متغيرة حسب الواقع والتحديات السياسية والجغرافية، فالمنطقة من عقود تتسم بالعديد من أشكال الصراع التي كان الفساد هو أحد الأسباب الرئيسية لاندلاعها، لذا فإن عملي في مجال مكافحة الفساد ديناميكي، لا يوجد له روتين معين، فعندما أعمل مع زملائي وزميلاتي في البلاد المختلفة، فإنني أرى الواقع المحلي من منظور مختلف ويحتاج لتكتيك وآلية مختلفة للتعامل معه.

فبرغم من سلبية كلمة مكافحة الفساد إلا أن الإيجابية والتفاؤل هي استطاعتنا على تحقيق شفافية ومساءلة وتحقيق تغيير جذري يستطيع المواطن فيه الحصول على حقوقه بكرامة وحرية وعدالة، الطريق ما زال طويلا، وما دام هناك تغيير ولو بسيط وخصوصا بعد اندلاع ثورات طالبت بالتغيير.

◄ كيف تري نفسك في هذا المجال؟
العمل في مجال حقوق الإنسان ومكافحة الفساد متعب لكنه مجزٍعلى الإنسان الذي يريد العمل في هذا المجال أن يكون له صبر وطول بال لأن تحقيق التغيير يتطلب وقتا كبيرا. لكن الأمل موجود، وأملي هو ايماني بقدرة شعبي وبلادي على تحقيق التغيير.

أنا أنتمي لشعب مقاوم في كل مجالات حياته، لا يستسلم. أنتمي لمستقبل حقيقي تكتبه أجيال تسعى للتغيير، نحن شعب يفتخر بماضيه كثيراً، لكني في هذا الواقع المعاش يوميا أفتخر بمستقبل لم يكتب بعد لأنه سيكون أفضل، وعندما أصبحت أما لطفلين، زاد رغبتي وشعوري بأن المستقبل يجب أن يكون أفضل، فلو لم أعشه أنا، فيجب أن أتعب ليكون أفضلا لأطفالي وأطفال الآخرين. لذا استيقظ كل يوم، وبرغم التحديات لا أريد سوى تحقيق التغيير الحقيقي.






◄ إنجازاتك الماضية في الكثير من المجالات في عمر مبكر من كان الملهم وراءها؟ 
يأتي الإلهام في الحياة من نواح مختلفة، سواء كان ذلك من شخوص لعبوا أدوارًا مختلفة من أجل الإنسانية مثل تشي جيفارا والمهاتما غاندي ونلسون مانديلا، أو كان ذلك في صغار الأشياء والعطاء والانتماء الذي عشته بين شعب طيب يستحق العمل لأجله ليعيش حياة كريمة، وعائلتي الصغيرة وبالأخص والدي هما دافع إلهامي، فدعمهما لي كان بمثابة الإيمان بدوري الحقيقي في التغيير. 

◄ هل ترى كندة حتر أن المرأة العربية تلعب دورًا في صنع القرار، وهل هي مساهمة في مسيرته الوطنية؟
للمرأة دور كبير في دفع عجلة التغيير والوصول إلى العديد من النجاحات وتحقيق التغيير، لكن المجالات المتاحة للمرأة تحدها الكثير من التحديات التي تعيق مشاركتها في عجلة التغيير وصنع القرار في المنطقة العربية، فالعادات والتقاليد، وبعض القوانين، والمناهج الدراسية التي تؤطر دور المرأة في عقول الأجيال، هي أمثلة للأطر التي تسعى لتهميش الدور الذي يمكن أن تلعبه المرأة في تطور المجتمع وبناء الأوطان، بعض البلدان العربية قطعت أشواطا جيدة في مشاركة المرأة وضمان حقوقها وحمايتها مثل تونس ولبنان، وبعض آخر أتاح للمرأة وجودا صوريا في المجالس والمناصب دون إدراة فعلية وصنع قرار، وبعض آخر يسعى لتغليظ التحديات وطمس دور المرآة.

وبينما تواجه المرأة هذه التحديات، تجد أن نجاحها في العديد من الأحيان مرهون بوجود دعم أبوي أو ذكوري من أجل قدرتها على دخول معترك الحياة وهي بمأمن، وهناك قصص نجاحات لنساء لم يجدن من يقدم لهن الدعم بل لإيمانهن بأنهن يستطعن التغيير والقيادة.

◄ أصعب موقف مر عليكِ وخلد في ذاكرتك خلال رحلتك مع المؤسسة وكان لكِ بمثابة درس لا ينسى؟ 
كانت فترة عملي في أحد مخيمات اللجوء على الحدود العراقية الأردنية خلال الحرب على العراق عام 2003، هي نقطة من نقاط التحول في حياتي، فحر الصحراء وبرد الليل في منطقة الرويشد، علَّماني الكثير عن معاني الإنسانية المفقودة في فترات الحروب، فقابلت حالات إنسانية بحاجة لمن يتحدث بإسمها ويدافع عن حقوقها. 
وما هز شعوري، فهناك أكثر من شعور طفلة بين يدي تصرخ من آلام شظية صاروخ في رأسها وتنتظر دورها من أجل عملية معقدة، وهي لاجئة تضيع بين سطور البيروقراطية، وحالها حال العديد من قصص اللجوء التي تعاد يوميا على شاشات التلفاز تحتاج من يصرخ لأجلهم، فقررت بعد هذه التجربة أن أدرس حقوق الإنسان وقدمت.