منال لاشين تكتب: حكايات صادمة تحت قبة الجامعة

مقالات الرأي




أول الحلول قصيرة المدى هو إلغاء كافة أنواع الجمارك على كل الأدوات المستخدمة للطلاب فى الكليات العملية

طالبة أسنان: إحنا بنعالج المرضى فى المستشفى الجامعى من جيوبنا  

طالبة فنون: أبى دفع لى ١٠٠ ألف جنيه فى عام وأصيب بالسكر والضغط العالى  

طالب طب: الجثة الحلوة بقت بـ٧ آلاف جنيه بعد كورونا والأساتذة بيطلبوا ماركات غالية

الأسبوع الماضى كتبت مناشدة لوزير المالية بإلغاء الجمارك على أدوات الفنون الجميلة لأن لدنيا أكثر من ١١ كلية فنون ما بين الحكومى والخاص، والحقيقة أننى عايشت معاناة طلاب فنون جميلة من خلال تجربة شخصية حين كان ابن أختى يدرس فى كلية الفنون الجميلة بجامعة خاصة قبل تخرجه، ومازلت أتذكر القفزات الهائلة فى أسعار الأدوات والألوان ولوحات القماش وكلها مستوردة. مثلا سعر علبة ألوان ونستن نيوتن بـ٥٠٠ جنيه وتستهلك خلال شهرين أو ثلاثة على أقصى تقدير، وأقلام برو ماركر القلم الواحد بـ٨٥ من سنين، وكان ابن أختى يشترى على الأقل ٢٠ قلمًا، وبعض الألوان تستهلك خلال أسبوعين، وأوراق القطن بنحو ١٠٠ جنيه.

باختصار معظم الأدوات مستوردة وبالطبع ضاعف التعويم من أسعارها، وجاءت الجمارك لتزيد جنون الارتفاع، وساهم غياب الرقابة الحكومية فى زيادة الأسعار مرة كل ثلاثة أسابيع، وأحيانا مرة كل أسبوع، وحينما حاول ابن أختى استبدال هذه الأدوات المستوردة بالمحلية اكتشف أن أسعارها لا تقل كثيرا عن المستوردة، ولكن كفاءتها أقل كثيرا من الأدوات المستوردة، ويمكن أن تسبب مشاكل تحرمه من الحصول على أعلى التقديرات.

والأسعار التى ذكرتها رغم ارتفاعها هى أسعار ٢٠١٩، وقد زادت على الأقل بـ٣٠ ٪ فى بعض الأدوات.

قد فوجئت برد الفعل على هذه المناشدة، تلقيت كثيرا من المكالمات من طلاب وأهالى كليات أخرى يعانون معاناة مأساوية من جنون الأسعار لكل الأدوات التى يحتاجها الطلاب فى مختلف الكليات.خاصة كليات الطب البشرى وطب الأسنان والهندسة والفنون.

ظلم وخديعة

تقول أم لديها بنات فى كليات الطب البشرى والأسنان إن الأسعار قفزت من عام ٢٠١٠ حتى الآن بشكل لا يمكن تصوره، وأن القفزة الكبرى كانت فى عام التعويم، ولكن الأسعار تضاعفت بعد التعويم أكثر من مرة. بحسب تجربتها فإن الابنة الكبرى احتاجت لأدوات بـ٤٥٠ جنيهًا من أجود الماركات فى عام ٢٠١٠، ولكن العام الماضى اضطرت أن تدفع لابنتها فى كلية طب الأسنان أكثر من ٢٥٠٠ جنيه والماركات عادية.

طالب طب يروى مأساة أهله مع مطالب الأساتذة ويقول: أستاذ الجامعة بيتعامل كأنه نص إله، ولا يستطيع العميد أو حتى الوزير التدخل فى عمله، ويطلب منا أن نشترى أدوات يستخدمها الطبيب ونحن لا نزال طلابًا، ويبرر طلبه بأن الكلية لا تستطيع توفير أدوات تدريب طلاب الطب فى السنوات النهائية، فأنا كطالب باشترى سماعة وجهاز قياس ضغط وجهاز آخر للسكر على الأقل، ومعظم الأساتذة يطلبون ماركات مستوردة غالية الثمن، ويضيف الطالب المتفوق: طبعا احنا بنشترى أدوات تشريح وجثث على حسابنا، تصورى حضرتك الجثة الكاملة وصلت لسبعة آلاف جنيه، وذلك لأن الجثة النظيفة التى تخلو من الكورونا أصبحت نادرة.

طالبة طب أسنان تقول: إحنا مش بنتعلم بالمجان وهما عاملين يذلوا فينا رغم أننا بنشترى كل شىء، حشو الضروس اللى بنعملها تحت إشراف الأساتذة علينا، جهاز التعقيم للأدوات علينا. تصورى حضرتك أن الحشو دا بيعمل لمريض فى مستشفى الجامعة. المفروض الكلية تتحمل هذه المصروفات. بس هم بيوفروا عشان العيانين دول فقراء وبيتعالجوا على حساب الحكومة، ولو اتمرنا عند الأستاذ فى عيادته أو المستشفى الخاص الذى يعمل به برضه بنشترى الأدوات والحشو والبنج وكل حاجة، ولو اعترضنا سنحرم من التدريب العملى، وممكن الموضوع يكبر ونعيد السنة، وتكمل الطالبة: طبعا أهلنا بيضطروا يخضعوا ويشتروا لنا الأدوات.

صديق لى قال لى حرفيا: أنا أخذت قرضًا عشان أعرف أشترى لابنى كل الأدوات التى تطلبها الجامعة لأن مستحيل أعرف أشترى الحاجات دى من مرتبى.

طالبة فنون جميلة تروى فى تعاسة: مش ممكن الفلوس اللى بيتحملها أهلنا عشان نتعلم، كل حاجة غالية.. أنا كان عندى جهاز لاب توب، اكتشفت أننى أحتاج إلى شراء واحد آخر من (ماك) عشان الكلية وكاميرا كويسة وماركة عشان التصوير، بابا دفع لى فى الاثنين ٨٥ ألف جنيه، طبعا لو كان عندى حد من أهلى فى الخارج كنت اشتريت الماك والكاميرا بـ٦٠ ٪من الثمن، وطبعا طول السنة فيه مشروعات وطلبات، أنا صرفت فى هذه السنة ١٠٠ ألف جنيه، وبابا يا حرام جاءه الضغط والسكر لأنه ينفق على أخى فى كلية الطب.

حلول ومواجهات

نحن أمام مشكلة تخص المستقبل وإن بدت مشكلة حالية للأهالى والطلاب.لأن ارتفاع الأدوات بهذا الشكل الجنونى يجعل بعض الأسر تبتعد بأبنائها عن هذه الكليات رغم تفوقهن، وذلك لأنهم يدركون عدم قدرتهم على تحمل هذه الفاتورة أربع أو خمس سنوات كاملة، وربما تكون هذه المعاناة سببًا آخر من أسباب تراجع الطلب على الكليات العملية وغلبة القسم الأدبى فى الثانوية العامة.

ولذلك فإن هذه المشكلة تتطلب نوعين من الحلول، حلول قصيرة الأجل يجب أن تنفذ على الفور، وحلول أخرى طويلة المدى لمحاصرة هذه المشكلة.

أول الحلول قصيرة المدى هو إلغاء كافة أنواع الجمارك على كل الأدوات المستخدمة للطلاب فى الكليات العملية أو نوعية الكليات التى يحتاج طلابها لأدوات مستوردة. بما فى ذلك أجهزة ماك للطلاب.

الحل الثانى السريع هو السماح لطلاب هذه الكليات باقترض مبلغ مالى من البنوك بفوائد قليلة وبدون ضمان من الأهل. لأن الأهل لا يستطيعون دفع أقساط قروض جديدة، وهذا النظام ليس بدعة أو اختراعًا جديدًا، ففى أمريكا تقرض البنوك طلاب الجامعات لسداد المصروفات أو الإنفاق على الاحتياجات الجامعية، ويبدأ الطالب بسداد القرض بعد تخرجه وحصوله على عمل، وبذلك نخفف العبء الرهيب على الأسرة المصرية من ناحية، ونضمن عدم خسارة العقول الشابة من التخصصات العملية التى تحتاجها مصر.