مى سمير تكتب: آخر تقرير للكونجرس.. رغم انتقاداتنا لمصر لكنها حققت تقدما اقتصاديًا وعسكريًا ودبـــــــلوماسيًا كبيرًا

مقالات الرأي





 مصر بقيادة الرئيس السيسى تشهد تطورًا فى البنية التحتية.. القاهرة نجحت فى بناء عاصمة جديدة ونوعت علاقاتها العسكرية والتجارية مع روسيا والصين وفرنسا

تحاول مصر تحديث نفسها وإعادة تأكيد مكانتها على الساحة الإقليمية، هكذا وصف تقرير خدمة أبحاث الكونجرس الأمريكى مصر فى تقريره الأخير عن العلاقات المصرية الأمريكية الصادر بتاريخ ٣٠ سبتمبر ٢٠٢١.

تعمل خدمة أبحاث الكونجرس (CRS) حصريا لصالح الكونجرس فى الولايات المتحدة، وتقدم التحليل السياسى والقانونى للجان وأعضاء كل من مجلسى النواب والشيوخ، بغض النظر عن الانتماء الحزبى. وتلعب تقاريرها دورًا بارزا فى قرارات اللجان المختلفة بالكونجرس الأمريكى.

يرسم التقرير الأخير صورة متكاملة عن مصر وعن العلاقات المصرية الأمريكية. لا يخلو التقرير من استعراض الجوانب الإيجابية والسلبية من وجهة النظر الأمريكية. وكانت إدارة الرئيس بايدن قد أعلنت مؤخرا أنها ستعلق تسليم مصر ما قيمته ١٣٠ مليون دولار من المساعدات العسكرية، حتى تتخذ القاهرة خطوات محددة تتعلق بحقوق الإنسان. فى هذا السياق تضمن التقرير انتقادات فى هذا الملف. لكن على الجانب الآخر، تضمن التقرير إشادة بمصر فى العديد من المجالات بما فى ذلك الاقتصاد والعلاقات الخارجية والتحديث العسكرى.

جاء فى التقرير أنه بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى «تشهد مصر تطويرًا كبيرًا للبنية التحتية، يتجلى فى بناء عاصمة جديدة، والتحديث العسكرى مستمر أيضا، حيث أصبحت مصر ثالث أكبر مستورد للأسلحة فى العالم، حيث حصلت على طائرات مقاتلة وسفن حربية من الموردين الروس والأوروبيين». وأضاف التقرير أنه على المستوى الدبلوماسى توسط الرئيس السيسى فى أزمة غزة ووسع العلاقات مع ليبيا ولبنان والعراق.

الاقتصاد

حسب التقرير، نجت مصر من جائحة كوفيد-١٩ وشهدت نموًا إيجابيًا فى الناتج المحلى الإجمالى فى كل من ٢٠٢٠ (٣.٦٪) و٢٠٢١ (٢.٨٪ المقدرة). «و فى مواجهة الاضطراب الذى أحدثه الوباء فى السياحة العالمية (تمثل السياحة فى مصر ٩.٥٪ من إجمالى العمالة)، اتخذت الحكومة المصرية العديد من إجراءات التحفيز المالى مع تلقى مختلف القروض منخفضة الفائدة من المؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولى».

نقلا عن تحليل أجراه صندوق النقد الدولى فى يوليو ٢٠٢١، لفت التقرير الانتباه أن على مدى الاثنى عشر شهرًا الماضية، ساعد التزام السلطات المصرية بالسياسات الحكومية وأدائها القوى فى إطار برنامج صندوق النقد الدولى فى التخفيف من الأثر الصحى والاجتماعى للوباء مع الحفاظ على الاستقرار الاقتصادى. وأضاف التقرير أن من المتوقع أن ينتعش النمو بقوة فى السنة المالية ٢٠٢١/٢٠٢٢ إلى ٥.٢ فى المائة.

السياسة الخارجية

كتب التقرير: «فى عهد الرئيس السيسى، كانت السياسة الخارجية لمصر أكثر نشاطا بعد فترة من الخمول خلال السنوات الأخيرة من حكم الرئيس الراحل حسنى مبارك والانتقال المضطرب الذى دام عامين ونصف العام الذى أعقب استقالة مبارك». «بينما واصل الرئيس السيسى سياسة مصر القديمة المتمثلة فى لعب دور الوسيط بين إسرائيل والفلسطينيين، حاولت مصر فى عهد الرئيس السيسى لعب دور أكبر فى شرق البحر المتوسط والبحر الأحمر».

لفت التقرير الانتباه بشكل خاص إلى «الصراع بين إسرائيل وحماس مايو ٢٠٢١ والوساطة المصرية». فى مايو ٢٠٢١، اندلع صراع بين إسرائيل وحماس أطلق فيه مسلحون فلسطينيون صواريخ على مناطق مأهولة بالسكان الإسرائيليين، بينما استهدفت القوات الإسرائيلية حماس ومسلحين آخرين فى المناطق الحضرية المكتظة بالسكان فى غزة. بعد ١١ يومًا من القتال الذى أسفر عن مقتل أكثر من ٢٥٠ فلسطينيًا و١٢ قتيلًا داخل إسرائيل، ساعدت مصر فى التوسط لوقف إطلاق النار.

كما قدم الرئيس السيسى مساعدات إنسانية إلى غزة وتعهد بتقديم ٥٠٠ مليون دولار لإعادة الإعمار. ولفتت خدمة أبحاث الكونجرس إلى حقيقة أن فى ٢٠ مايو، أعرب الرئيس بايدن عن «خالص امتنانه للرئيس السيسى وكبار المسئولين المصريين الذين لعبوا دورًا حاسمًا فى هذه الدبلوماسية». وفى إشارة لمزيد من التقدير الأمريكى للدور المصرى، بعد ١٦ يوم، وصل وزير الخارجية أنتونى بلينكن إلى القاهرة لعقد اجتماع مع الرئيس السيسى نقل فيه «تقدير الرئيس بايدن للرئيس السيسى لجهود الوساطة المصرية الحاسمة لدعم وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس وجماعات أخرى فى غزة وعلى مساعدة مصر فى إجلاء المواطنين الأمريكيين إلى بر الأمان».

سلط التقرير الضوء على عدد من التحركات الدبلوماسية التى اتخذتها مصر. «منذ عام ٢٠١٤، مع قيام مصر بتطوير الغاز الطبيعى البحرى فى شرق البحر الأبيض المتوسط، قام الرئيس السيسى بتحديث البحرية المصرية وتحسين العلاقات الاقتصادية مع دول الجوار بما فى ذلك إيطاليا وقبرص بينما كان يبحث أيضا عن ردع المنافسين الإقليميين، مثل تركيا».

فى عام ٢٠٢١، كانت مصر أيضا أكثر نشاطا فى الشرق الأوسط، وتحديدا فى لبنان والعراق، وهما دولتان تمارس فيهما إيران نفوذ على بعض السكان العرب الشيعة. فى لبنان، الذى لا يزال يعانى من أزمة اقتصادية وأزمة طاقة خانقة، تخطط مصر لشحن الغاز الطبيعى عبر الأردن وسوريا إلى محطة توليد الكهرباء فى دير عمار فى لبنان.

حسب التقرير، قد تحتاج مصر إلى الحصول على تنازل من الولايات المتحدة من أجل الامتثال لقانون قيصر لحماية المدنيين فى سوريا لعام ٢٠١٩. لكن فيما يبدو فإن الولايات المتحدة تدعم هذا الدور المصرى كما لمح التقرير. نقلت خدمة أبحاث الكونجرس عن باربرا ليف، مرشحة الرئيس لمنصب مساعد وزير الخارجية لشئون الشرق الأدنى، «أنا أفهم أن البنك الدولى موافق على المشروع، لذا فإن وزارة الخارجية تدرسه بعناية بموجب قانون الولايات المتحدة وسياسة العقوبات. لكنه يظهر بعض الأمل للوهلة الأولى. وبالطبع، سوف تتشاور الوزارة بشكل شامل مع وزارة الخزانة حول كيفية المضى قدما».

شئون عسكرية

كما أوضح التقرير أن فى ٢٠٢٠، افتتحت مصر قاعدة جديدة (برنيس) على البحر الأحمر، والتى، وفقا لأحد الحسابات، ستسمح لمصر «بإبراز قوتها العسكرية فى جنوب البحر الأحمر». وكجزء من استراتيجية الرئيس السيسى لتنشيط القوة المصرية فى جوارها المباشر، حسب التقرير، حافظت مصر على العلاقات الأمنية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة مع تعزيز العلاقات الدفاعية مع الجهات الفاعلة الأخرى. «خلال رئاسة السيسى، قامت مصر بتنويع علاقاتها العسكرية والتجارية. بعيدا عن الولايات المتحدة لتشمل علاقات أوثق مع روسيا والصين والدول الأوروبية مثل فرنسا وإيطاليا وألمانيا».

بين عامى ٢٠١٦ و٢٠٢٠، كانت مصر ثالث أكبر مستورد للأسلحة على مستوى العالم (بعد المملكة العربية السعودية والهند). كانت فرنسا وروسيا والولايات المتحدة الموردين الرئيسيين لمصر.

تطرق التقرير إلى العلاقات العسكرية بين مصر والعديد من الدول. حسب خدمة أبحاث الكونجرس، عززت مصر وروسيا، الشريكان الوثيقان فى السنوات الأولى من الحرب الباردة، العلاقات الثنائية مرة أخرى فى عهد الرئيس السيسى، الذى وعد باستعادة الاستقرار المصرى والمكانة الدولية.

بالتأكيد لا يثير هذا التقارب المصرى الروسى إعجاب الولايات المتحدة، بل على العكس، يثير توترها وانزعاجها. لهذا كان من الطبيعى أن يشير التقرير نقلا عن أحد المراقبين أن علاقة الرئيس السيسى بنظيره الروسى فلاديمير بوتين استفادت من «ذكرى رومانسية للعلاقات مع روسيا فى عهد عبد الناصر».

منذ عام ٢٠١٤، عززت مصر وروسيا علاقاتهما بعدة طرق، بما فى ذلك من خلال صفقات الأسلحة والتدريبات العسكرية المشتركة. حاول التقرير تقديم عدة أسباب محتملة يمكن أن تفسر سبب تحسن العلاقات المصرية الروسية فى عهد الرئيس السيسى. على سبيل المثال، «من المرجح أن يكون الرئيس السيسى قد قرر أن مصالح الأمن القومى المصرى تخدم على أفضل وجه من خلال التنافس بين القوى العالمية لصالح مصر». كما لفت التقرير إلى التعاون العسكرى الواسع بين مصر وفرنسا.

تطرق التقرير إلى الدور المصرى فى ليبيا حيث ركزت السياسة المصرية فى ليبيا على تأمين حدودها الغربية، وحماية مواطنيها العاملين فى ليبيا، ودعم القوى السياسية والعسكرية فى شرق ليبيا.

حسب التقرير، خارج حدودها المباشرة ومن منظور جيو سياسى أوسع، تسعى مصر إلى الحد من النفوذ التركى فى ليبيا والذى تعتبره مزعزعًا للاستقرار. «لطالما تسبب دعم تركيا للحركات الإسلامية، بما فى ذلك جماعة الإخوان المسلمين المحظورة فى مصر، توترًا فى علاقتهما الثنائية». كما لفت التقرير أن على الرغم من تحسن العلاقات، ربما لا تزال القاهرة تشك فى النوايا التركية طويلة المدى فى ليبيا. ونقل التقرير عن وزير الخارجية المصرى سامح شكرى تصريحاته بأن التقدم فى ليبيا يعتمد على «تغيير حقيقى فى السياسة التركية، والكلمات لا تكفى، يجب أن تقترن بالأفعال».

وأشار التقرير إلى تصريح لأحد المحللين، «تخشى مصر من أن رعاية أنقرة العسكرية لطرابلس، جنبا إلى جنب مع الدعم التركى طويل الأمد للإخوان المسلمين، يمكن أن تخلق حكومة ذات توجه إسلامى فى طرابلس. هذه مخاطرة لا يريد الرئيس المصرى السيسى خوضها».

حسب التقرير، تاريخيا، كانت مصر دولة مهمة لمصالح الأمن القومى للولايات المتحدة بناء على موقعها الجغرافى والعوامل الديموغرافية وموقفها الدبلوماسى.

كتبت خدمة أبحاث الكونجرس: «تسيطر مصر على قناة السويس، والتى تعد واحدة من أكثر الممرات البحرية شهرة فى العالم، والتى تربط بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر»، مع الإشارة أن مصر تحتفظ بـ «قوة ناعمة» بحكم تاريخها ووسائل إعلامها وثقافتها.

هذا التقرير، رغم ما يتضمنه من انتقادات معتادة ومتكررة، يكشف حقيقة أن الخطوات التى تخطوها مصر سواء على المستوى العسكرى أو الدبلوماسى أو الاقتصادى قادرة على إعادة رسم صورة إيجابية لمصر بشكل عام.